اﻻميرة لما بنت سعود الفيصل ترثي والدها بقصيدة مؤثرة تقول فيها: ( قال الوداع وقلت ياسعود بدري قال المرض متعب وﻻ عاد بي حيل قلت المرض كله تجمع بصدري يوم اعلنوا ذاك الخبر تالي الليل ). بعد معاناة وصراع طويل مع المرض رحل عن عالمنا عميد الدبلوماسية الدولية وليس السعودية فقط وترجل رجل المهام الصعبة وفارس السياسة المغفور له اﻻمير سعود الفصل الذي صال وجال في المحافل والمؤتمرات واﻻجتماعات واللقاءات السياسية على المستوى العربي واﻻقليمي والدولي طيلة اربعة عقود بدون كلل وﻻملل مدافعا عن الحق السعودي والعربي واﻻسلامي وكل قضايا الدول الصديقة المحبة للسلام وقد خاص معارك سياسية كثيرة كادت تعصف بأمن واستقرار المنطقة ولعل ابرزها حرب تحرير الكويت التي ابلى فيها بلاء حسنا فقد قال عنه الرئيس السوفيتي ميخائيل غورباتشوف انه لو كان اﻻمير سعود الفيصل وزيرا للخارجية في حكومته لما تفكك اﻻتحاد السوفيتي . الجدير بالذكر ان اﻻمير الراحل سعود الفيصل قد تخرج من جامعة برنستون في وﻻية نيوجرسي اﻻمريكيه في سنه 1964 وحصل على شهادة البكالوريوس في اﻻقتصاد . اول منصب حكومي تقلده كان نائبا لمحافظ شركة بترومين في سنه 1970 وبعدها بسنة انتقل الى وزارة المالية حيث تولى منصب وكيل وزارة المالية واستمر في منصبه حتي تاريخ اغتيال والده المغفور له الملك فيصل طيب الله ثراه وشغر منصب وزير الخارجية حيث كان الملك فيصل بنفسه يتولى هذا المنصب وقد تم تعيينه في منصب وزير الخارجية بعد تولي المغفور له الملك خالد الحكم في عام 1975 واستمر في هذا المنصب لمدة 40 سنة حتي طلب اعفاءه من المنصب مؤخرا . ﻻشك ان العالم قد عصفث به احداث سياسيه كثيرة خلال تولي اﻻمير سعود الفيصل منصب وزير الخارجية فقد اندلعت حرب اهلية في لبنان في نفس السنة التي تولي بها الوزارة في 1975 وقد استنزفت الكثير من الجهد والوقت وقد لعب اﻻمير سعود دورا مؤثرا في الجرب اللبنانية فقد كان مهندس اتفاق الطائف الذي وضع حدا للحرب واعاد السلام الى ربوع لبنان . ايضا الراحل الكبير عاصر الحرب العراقية اﻻيرانية التي اندلعت في سنة 1980 واستمرت ثماني سنوات كانت خطيرة وعصيبة على دول الخليج وقد شهد وﻻدة مجلس التعاون الخليجي سنه 1981 وايضا شهد الغزو العراقي للكويت سنه 1990 وكان للسعودية دورا محوريا ومؤثرا في تحرير الكويت وعودة الشرعية. وقد قاد الفقيد معركة سياسية ضد نظام صدام المقبور ولهذا فهو يحتل مكانة خاصة في قلوب الكويتيين ان السنوات اﻻخيرة والتي شهدت انهيار عدد من اﻻنظمة العربية واندﻻع الثورات التي اطلق عليها الربيع العربي قد اثرت كثيرا في صحته فقد كانت المسؤولية كبيرة في المحافظة على استقرار منطقة الخليج والنأي بها عن تداعيات الربيع العربي الخطيرة وﻻشك ان الحرب السورية وظهور التنظيمات اﻻرهابية ومكافحة اﻻرهاب اﻻسود وظروفه الصحية الصعبة اثرت عليه كثيرا وقد اجرى عملية خطيرة في امريكا ولم يتمكن من حضور تشييع المغفور له الملك عبدالله ومبايعة خادم الجرمين الملك سلمان اﻻ بعد مرور شهرين ولهذا طلب اعفاءه من منصب وزير الخارجيه ولكنه استمر باﻻشراف على السياسة الخارجية السعودية حتي وفاته . ان اﻻمير سعود يعتبر من اذكى وزراء الخارجية في العالم وكان واسع اﻻطﻻع ويتمتع بثقافة عالية فهو يجيد التحدث بسبع لغات عالمية وكذلك يتحدث اللغة العبرية وهو يقضي 14 ساعة يوميا في طائرته في مهمات سياسية وﻻينام اﻻ ساعات قليلة فهو يعتبر الوقت اثمن ما يملك .كان ﻻيجلس في مكتبه اﻻ كل عدة شهور لدرجة انه لم يغير اثاث مكتبه منذ توليه الوزارة . واللافت ان اثاث مكتبه هو اثات مكتب والده المغفور له الملك فيصل حيث نقله اليه بعد وفاته. كان متواضعا فقد كان كثيرا ما يشارك حراسه الشخصيين وخدمه اﻻكل وكان يحب ان يقود سيارته بنفسه بدون سائق . اخر مؤتمر حضره هو مؤتمر القمة العربية في جمهورية مصر وكان له موقف شجاع من الرسالة التي بعثها الرئيس الروسي بوتين يطالب فيها الدول العربية بايجاد حل سياسي للحرب السورية فكان رده ان روسيا متورطة بالحرب ﻻنها تسلح النظام السوري واﻻيراني . كان اﻻمير الراحل يتميز بروح الدعابة خاصة مع الصحفيين وفي المؤتمر الصحفي الذي عقده في الرياض مع وزير الخارجية اﻻمريكي بعد اجرائه للعملية وكان يستخدم العكاز ، فقال للصحفيين من يريد منكم ان يسابقني فهل من منازل ؟ ايضا في اخر زيارة له لمجلس الشورى السعودي قال لهم ارجو ان تعذروني فان حالتي بعد العملية كحال الدول العربية اليوم في وضع ضعيف ومهزوز. ان اﻻمة العربية واﻻسلامية وكذلك العالم فقد عميد الدبلوماسية وشخصية من طراز رفيع وخاص لن تتكرر ابدا فقد كان الفقيد له صفات الفرسان النبلاء في اخلاصه وتواضعه وثقافته وتفانيه في عمله فنسال الله له الرحمة والمغفرة وان يسكنه فسيح جناته ويلهم اهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان وانا لله وانا اليه راجعون . أحمد بودستور
مشاركة :