هل في استطاعة أي عربي، شرط أن يكون عاقلاً، أن يزعم أن الخطر الإرهابي يضع ضمن مخططاته استثناء أي من الدول العربية حتى لو كانت هذه الدولة من الدول الراعية والممولة؟ في مرحلة من المراحل تبنت بعض الأطراف دعم منظمات تكفيرية كانت تحمل زوراً مسمى منظمات جهادية أو منظمات سلفية ضمن ما يمكن تسميته ب صراعات عربية- عربية أو تصفية حسابات عربية - عربية. حدث هذا بالتحديد في سوريا وفي العراق قبلها، وفي مرحلة أخرى حدث اختلاف بين العرب في التعامل مع هذه المنظمات الإرهابية وما فرضته على عالمنا العربي من حرب إرهابية البعض اعتبرها مصدراً أساسياً للخطر والتهديد، يستلزم التوحد ضده وإعطاؤه كل الأولوية، والبعض اعتبرها خطراً أو مصدراً للتهديد، لكنه خطر آجل وليس خطراً عاجلاً إذا قورن بمصادر التهديد الأخرى، مثل الخطر الإيراني، وهناك من لم يعتبرها خطراً بالمطلق ومازال مستمراً في دعمها بل وفي تمويلها والدعاية لها والتفاخر بها في إعلامه. هذا الانقسام في الإدراك العربي للإرهاب لم يأت من فراغ ولكنه يعكس من ناحية مدى فداحة غياب الإدراك الاستراتيجي العربي لمصادر التهديد التي تتهدد الأمة العربية، وهذا الغياب امتداد لغياب الاستراتيجية العربية الموحدة والغياب الفعلي للنظام العربي وسيطرة المصلحة الأحادية أو الذاتية لكل دولة عربية على ما عداها من مصالح عربية مشتركة. وقد ترتب على ذلك أن النظام العربي بات معرضاً للاختراق الخارجي وبالذات من القوى الإقليمية الكبرى الثلاث في إقليم الشرق الأوسط: إيران وتركيا وإسرائيل بدرجات مختلفة ولأسباب مختلفة، وأصبحت القضايا والأزمات العربية لا تدار بعقل عربي بحت وبدافع من مصالح عربية بحتة، ولكنها تدار أيضاً بعقول ومصالح وأهداف هذه القوى الإقليمية الشرق أوسطية، ناهيك عن ثقل ووزن القوى الدولية وخاصة الولايات المتحدة في هذه القضايا. كما أن هذا الانقسام في الإدراك العربي حول الإرهاب كمصدر للتهديد كان يعكس وزن وثقل اختراق قوى الإسلام السياسي لمؤسسات الحكم في الدول العربية، ونوع المصالح والارتباطات بين منظمات وقوى هذا الإسلام السياسي ومؤسسات الحكم العربية. الآن بدأت شظايا نيران الإرهاب تضرب الجميع، وما حدث في شبه جزيرة سيناء يوم الأربعاء الأول من يوليو/ تموز الجاري وقبله بيوم واحد من اغتيال للنائب العام المصري هشام بركات، وما حدث من إرهاب امتد من الكويت إلى تونس ثم باريس، وما حدث في المملكة العربية السعودية قبل هذه الأحداث من تفجيرات إرهابية في القطيف والإحساء والدمام يؤكد عبثية دعوة الاستثناء، فالكل أضحى مستهدفاً لأن أرض العرب، بكل دولهم، هي مركز الثقل في مشروع هذا الإرهاب الذي يحمل زوراً اسم دولة الخلافة الإسلامية أو الدولة الإسلامية الذي بات يحتل أكثر من نصف مساحة سوريا، وما لا يقل عن ربع مساحة العراق، وباتت له فروع ممتدة في العديد من الدول العربية، وقد استطاع تنظيم داعش الارهابي طوال عام واحد من إعلان تأسيس دولته وعاصمتها المؤقتة في الموصل، وعلى الرغم من حرب دول التحالف ضده استطاع أن ينفذ بنجاح قدراً كبيراً من استراتيجيته التي تحمل اسم استراتيجية كسر الحدود خصوصاً بين العراق وسوريا، حيث أمسك بمعظم البوابات والمنافذ الحدودية بين البلدين، في تحد واضح لكل الاستراتيجيات الإقليمية والدولية المضادة، وخاصة في ظل قدرته الهائلة على التجنيد للتنظيم مستغلاً مساحة التفوق الدعائي التي يتميز بها عبر وسائط التواصل الاجتماعي ومستفيداً من الفراغ الثقافي والديني وعجز الخطاب الإعلامي المضاد عن إفساد مخططاته. فالسعودي الشاب الذي نفذ تفجير مسجد الإمام الصادق بالكويت وهو فهد سليمان القباع لم يكن من الأشخاص المشتبه بهم وبتطرفهم لدى السلطات الأمنية السعودية، وهذا يعني أن لتنظيم داعش التكفيري أتباع وخلايا نائمة، وأن هذه الخلايا تتزايد وتتوسع انتشاراً يوماً بعد يوم ليس فقط في المملكة بل في كل دول الخليج ومصر والأردن وغيرها من الدول العربية وغير العربية، ولعل هذا ما لفت انتباه نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية الكويتي الشيخ محمد خالد الصباح للقول عقب الجهود التي قامت بها أجهزة الأمن الكويتية ضد الخلية الإرهابية التي نفذت عملية تفجير مسجد الإمام الصادق حيث أعلن أن أمر هذه الخلية قد حسم لكن هناك خلايا أخرى لن ننتظر أن تجرب حظها مرة أخرى.. نحن من سنذهب إليهم. لكن الجديد في أقوال الوزير الكويتي إعلانه نحن في حالة حرب ولا يهمني أن هناك شاباً عمره 23 سنة ينتقل من الرياض إلى البحرين ثم إلى الكويت وفي أقل من 12 ساعة يفجر نفسه.. نحن نريد من يديره، وهم الذين نتجه إليهم (نستهدفهم). نحن في حالة حرب.. قالها وزير الداخلية الكويتي، لكن لم يقلها بعد كل وزراء الداخلية العرب وليس الخليجيين وكل وزراء الدفاع العرب وليس الخليجيين، لأننا فعلاً في حالة حرب، وما يسمى ب حرب التحالف الدولي ضد داعشمضيعة للوقت لأن هناك من هم أعضاء في هذا التحالف من يدعمون أو يتسترون أو ينسقون مع داعش. وما حدث من ردود فعل عربية بعد موجة الإرهاب الأخيرة وبالذات ما حدث من حرب ل داعش في سيناء ضد المصريين وضد الجيش المصري لم تصل رسائلها بعد إلى كل من يهمهم الأمر من كبار القادة والمسؤولين العرب. كانت خطة الهجوم على مدينة الشيخ زويد ومدينة رفح تهدف إلى تدمير كل الكمائن والمواقع العسكرية المصرية الواقعة بين رفح والشيخ زويد وقتل من فيها من الضباط والجنود والتمركز فيها بالقوة المهاجمة التي ضمت أكثر من 300 إرهابي مسلحين بأسلحة ثقيلة ومدافع هاون وآر بي جي ومدافع مضادة للطائرات وسيارات دفع رباعي وعربات أخرى ممتلئة بالمتفجرات، انتظاراً إلى مجئ قوات دعم أخرى وكتائب إعلامية لإعلان ولاية سيناء على هذه المساحة من شمال شرق سيناء. في هذه الحرب نجح الإرهابيون في الوهلة الأولى لإحداث ما أسموه ب استراتيجية الصدمة لكن صدمتهم كانت أشد هولاً بسبب الصمود البطولي الهائل للقوات المحدودة في تلك الكمائن التي استطاعت قتل أكثر من مئة إرهابي وإصابة عدد كبير منهم، وأجبرت الباقي من تلك القوة المهاجمة على الفرار مؤكدة عجزها عن اختطاف كل جثث القتلى فاكتفوا بنقل من استطاعوا وقطعوا رقاب من استطاعوا لإخفاء شخصياتهم، وتركوا كميات هائلة من الأسلحة والذخيرة من بينها صناديق ذخيرة إسرائيلية، أما الصدمة الكبرى فكانت رد الفعل غير المسبوق في الهجوم المضاد الذي قام به الجيش المصري في مطاردة من حاولوا الفرار وقتل واعتقال أعداد كبيرة منهم. رسائلهم كانت كثيرة من تعمد الإساءة لثورة 30 يونيو، ومن فرض حرب استنزاف ضد الجيش المصري، ومن إساءة لعلاقات مصر الخارجية وتصويرها بأنها ليست فقط دولة غير مستقرة، بل ودولة فاشلة أو عاجزة وحرمانها من دور القوة الإقليمية وطموحاتها في أن تكون مرتكزاً لاستعادة العافية للنظام المصري. رسائل داعش وصلت إلى مصر وأدركتها، لكنها للأسف لم تصل بعد إلى كل من يعنيهم الأمر من المسؤولين والمثقفين والنخب العربية التي لم تدرك بعد أنها.. الحرب.
مشاركة :