زمن هيمنة الرواية على الساحة

  • 7/6/2020
  • 01:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

لم أكن أتوقع أن تكون حقبة هيمنة الرواية على ساحة النشر والشهرة تمتد إلى القرن التاسع عشر الميلادي، إلا بعد أن تتبعت سيرة عائلة آل جيمس، خاصة الأخوين هنري جيمس الروائي، ووليام جيمس عالم النفس، بل أحد المؤسسين لعلم النفس في نهاية القرن التاسع عشر. ولنقرأ شيئاً عن سيرة حافلة للعالم المبدع وليام جيمس، الذي نقل النظريات، التي كانت تتناول قضايا نفسية من حقل الفلسفة إلى العلم الجديد، الذي تأسس بقوة بعد نشر تشارلز دارون كتابه «التعبير عن المشاعر عند الإنسان والحيوان» سنة 1872م، وتبعه بعد ذلك وليام جيمس بنشر مقالة شهيرة بعنوان: «ما هي المشاعر؟» سنة 1884م. وقد كانت تلك الفترة هي العصر الذهبي للأبحاث المتعلقة بدراسات المشاعر بطرق علمية، وهي ما قد يكون قد هيأ الوضع للدراسات الموسعة في هذه الموضوعات في بدايات القرن العشرين من كل من سيجموند فرويد وكارل غوستاف يونج، وغيرهما من كبار علماء النفس ومنظري التحليل النفسي.وقد أعقب وليام جيمس تلك المقالة بكتاب مؤسس للحقل، أطلق عليه «مبادئ علم النفس»، نشر في سنة 1890م، حيث كتب في هذا الكتاب الرائد عن جوانب مهمة من الحياة العقلية، متضمناً العادات، والتلقي، والانتباه، والذاكرة، والإرادة، والوعي بالذات، وبالطبع أيضاً المشاعر. وكان في كل تلك الطروحات حاذقاً ودقيقاً، كما كانت كتاباته غنية بالوصف التحليلي للتجارب الذاتية مزدانة باطلاعه العلمي الواسع ومعارفه الفلسفية العميقة. وكانت بصيرته المتفردة قد ألهمت أجيالاً من علماء النفس، ممن استمروا في التوسع في تلك الموضوعات؛ مثلما ألهمت أعمال دارون أجيالاً من علماء الأحياء المتأثرين به. فكل منهما قد أجاد في التركيز على القضايا الجوهرية في حقله العلمي، وفتح الطريق لأجيال التابعين بالتوسع في النظريات وتطبيقاتها.ولم يكن قد مضى على طرح نظرية دارون عن أصل الأنواع إلا ثلاثة عقود، حتى تلقفها علماء بارزون مثل وليام جيمس، الذي كان متأثراً جداً بها، خاصة في جانب الاختيار الطبيعي والتطور، الذي بحث فيه دارون قضايا الفرح والغضب والخوف والاشمئزاز والخجل والدهشة لدى أنواع عديدة من أجناس الحيوانات، ومن ضمنها الجنس البشري. وقد توصل إلى أن هناك تشابها مميزا في التعبير عن المشاعر بين كل تلك الأجناس، مثل بروز الأسنان في حالة الغضب أو العدوان (وتتضح أكثر لدى البشر والكلاب). مما جعله يقر، بأن كثيراً من التعبيرات الفيزيائية، التي تبدو عند إظهار المشاعر، وكل ما يتعلق بها من آثار فسيولوجية وتغيرات بيولوجية، تعد براهين على تطور تلك الأجناس عن الأسلاف السابقة، التي كانت تعتمد على المواجهة المباشرة في كثير من شؤون حياتها.وكل تلك الشذرات، التي قدمها رائد الثورة العلمية الحديثة تشارلز دارون في الحقل المتعلق بالمشاعر والقضايا النفسية لم تكن لتجد طريقها إلى المعامل البحثية، لو لم يوجد عالم متفانٍ ومتعمق في تلك المباحث هو وليام جيمس. فقد أسهم في تقدم دراساتها إلى أن أصبح مجالاً علمياً واسعاً له الآن كثير من التخصصات النظرية والتطبيقية والإكلينيكية. ومع ذلك، فإن أخاه هنري جيمس هو مَنْ حظي بالشهرة بسبب انشغاله بكتابة الرواية؛ من أجل ذلك كان عنوان المقالة الذي يعبر عن دهشتي من بريق تلقي الأدب الروائي حتى في تلك الفترة المبكرة.falehajmi@

مشاركة :