الثيمة العاطفية تهيمن على الرواية الإماراتية

  • 8/3/2015
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

السمة الأبرز للرواية الإماراتية الراهنة، وخاصة الرواية التي تكتبها المرأة، هي التركيز على الجانب العاطفي في حياة الشخصيات، حيث يعطي الكتاب المساحة الكلية للعلاقات العاطفية بين الرجل والمرأة، وأحلام البنات والشبان في الحب والزواج، وتقلبات تلك العلاقات وما ينجم عنها من صراع، إلى الدرجة التي تَضْمُر معها الجوانب الأخرى، فتكون باهتة ومجرد عناصر مكملة للشخصية، وليست ذات فاعلية كبيرة في حياتها في الرواية، أما خارج هذا الموضوع العاطفي فمن النادر أن نجد رواية من روايات الكتاب الجدد تصرف نفسها لموضوع إنساني آخر وتجعله بؤرة اهتمامها، وفي الغالب إذا فعلت فإن الموضوع يكون إما تاريخياً أو خيالياً، وليس موضوعاً متعلقاً بالمجتمع الراهن وحياته. من الروايات الصادرة حديثاً والتي صرفت نفسها للموضوع العاطفي رواية كولاج لفتحية النمر حيث سعت إلى إقامة شبكة من العلاقات يلعب الشأن العاطفي فيها الدور الأول، فتتتبع الرواية حياة الشخصية الرئيسية جمعة شاهين المغموسة في العاطفة، فهو الابن الوحيد لأسرة ثرية، يمتلك ربها شركة ناجحة، فعاش منذ صغره منغمساً في حياته الخاصة الخالية من أية مسؤوليات، ولم يكن له هم سوى اللهو، وبعد وفاة والده وإرثه لشركته، لم يهتم بالعمل، وترك مسؤولية إدارة الشركة كاملة لمساعد والده الشاب السوري زاهد، وفرغ هو نفسه لحياته الرومانسية مع زوجته الفتاة الجميلة غدير، ثم يكتشف حياة من نوع خاص على يد صديق والده المنغمس في ملذاته، ويصبح الذهاب معه إلى عزبته وقضاء أيام مغامرات طقساً موسمياً لا بد منه، وكذلك تسرد الرواية حكاية سلطانه والدة غدير، التي تربت في بيت عمها بعد أن سافرت أمها الباكستانية وتوفي أبوها، ووقعت سلطانه في حب ابن عمها الذي مات بعد أن حملت منه من دون علم أهلها، فتزوجها أخوه وأنجبت ابنتها الوحيدة غدير، ثم يموت زوجها فتعيش سلطانه على هواها حياة مجون وفساد، وكذلك سوف يصير شأن غدير التي ظفرت بزوج يحبها، لكنها ستعيش سرا مغامرات عاطفية لا تتوقف، وهناك شخصيات كثيرة في الرواية كلها على هذه الشاكلة، إما باحثة عن حب رومانسي وزواج أو منغمسة في متع لحظية لا تنتهي، ورغم أن النمر تلمح في الرواية إلى جوانب أخرى غير عاطفية، كالطمع وحب المال والإيمان بالخرافة وغيرها إلا أن تلك الجوانب ظلت جانبية، ولم يترتب عليها كبير شيء في تقدم أحداث الرواية التي ظلت منصرفة إلى الجانب العاطفي، ورغم أن فتحية النمر من أكثر الكتاب الإماراتيين غزارة في الإنتاج حيث أصدرت حتى الآن أربع روايات هي فضلا عن روايتنا: السقوط إلى أعلى، للقمر جانب آخر، طائر الجمال، فإن مساحة الاشتغال على الشأن العاطفي بارزة جدا لديها، وربما يعود ذلك إلى انشغالها بقضايا المرأة بشكل خاص. من الروايات الصادرة حديثاً أيضاً التي انصرفت بشكل كلي إلى الموضوع العاطفي رواية ذات موعد للكاتبة الشابة نجلاء سلطان العبدولي، وهي حكاية أسرة لكل من أفرادها الثلاثة، قصته الغرامية الخاصة، فهناك حكاية حب الأب شهاب للموظفة المستجدة في المؤسسة التي يترأسها، ذلك الحب الذي بدأ بخلاف ثم بنجدة إنسانية حين تدخل لعلاج والدتها، وهو لا يعرف من هي، ثم دخلا في علاقة حب جارفة، غذتها حالة الجفاء بينه وبين زوجته، وقد عكرت تلك العلاقة حياته الزوجية وقضت على مستقبله الإداري، ثم حكاية الأم موزة الغضوب باستمرار وهناك حكاية البنت ريم التي انجرفت في حياة سرية مشبوهة سوف تجرها هي وصديقتها العزيزة إلى أروقة السجن والمحاكم، وبالموازاة مع حياة أسرة شهاب المسؤول الكبير والثري، هناك حياة أسرة صديقه منصور الموظف البسيط التي يسودها الحب والتفاهم بين منصور وزوجته. لا يقتصر أمر الاهتمام بالموضوع العاطفي على الكاتبات النساء بل يتعداهن إلى الكتاب الرجال، ففي رواية قميص يوسف يقدم الكاتب سلطان فيصل سيرة حياة يوسف من زاوية عاطفية، وهو ابن لقاضٍ مرموق تربى في إحدى المدن الصغيرة، وارتبطت حياته بعلياء تلك الفتاة التي تكبره بتسع سنوات والتي رعته منذ كان صبياً في المهد إلى أن أصبح شاباً موظفاً، ولم تبخل عليه بالمال والحنان، وكان يجدها دائماً إلى جانبه مستعدة لمساعدته في كل صعوبات حياته، ولما توظف أدرك أنه يحبها وأن عليه أن يكافئ جميلها فتزوجها، ولم يلبث أن حظي بفرصة للعمل في العاصمة براتب كبير، فانتقل إلى العاصمة وهناك بدأ مغامرة جديدة مع مي التي سيتزوجها من دون علم من زوجته وبناته اللواتي تركهن في مدينته، لكنّ زواجه بمي سينتهي بشكوك، بعد خروج زوجها الأول من السجن ومطالبته لها بالعودة له، فيجد يوسف نفسه مضطراً إلى طلاقها، قبل أن يصل الخبر إلى زوجته الأولى، ويخرج من تلك التجربة بقرار ترك العمل في العاصمة والعودة إلى مدينته وزوجته التي أنجبت له في تلك الآونة ولداً. وهذه الرواية فيها جوانب أخرى كان يمكن أن تلعب دوراً كبيراً، مثل ميدان العمل والتقابل بين المدينة الصغيرة والعاصمة، وعلاقة يوسف بأصدقائه، والأم غير المواطنة وغيرها، لكن فيصل ضمّر تلك الجوانب لحساب الجانب العاطفي وحده منصرفاً إلى متابعة تقلبات حياة يوسف العاطفية. ما الذي يمكن أن نقرأه في هذا التوجه الذي أصبح طاغياً على الرواية الإماراتية؟، ليس من الوارد ولا المعقول القول بأن المجتمع خال من المشاكل الاجتماعية والمادية التي تؤثر في حياة أفراده، لأن مثل ذلك المجتمع الطوباوي لا يمكن وجوده، لكنّ الانصراف إلى الموضوع العاطفي ظاهرة تستحق دراسة سوسيولوجية لمعرفة الدوافع النفسية والاجتماعية وراءها، أما من الناحية الفنية فإن الروايات التي تنحو هذا المنحى دائما ما تنشأ من وقوع الكاتب أو الكاتبة تحت تأثير فكرة معينة تدفعه للكتابة، ما يجعل وجهة النظر ضيقة ومركزة في جانب واحد، في حين أن الكاتب عليه أن ينفصل كلياً عن موضوعه ويتأمله من بعيد، وفي سياق لا يرتبط بذاته ولا بمحيطه، حتى يستطيع أن يرى الشخصيات التي يرسمها وهي تتحرك على واقع منفصل عنه، ما يمكّنه من إمدادها بكل أسباب الواقعية والإقناع، لأن الشخصية في الحياة الواقعية هي حصيلة لمؤثرات عدة، وحياتها شبكة معقدة من العلاقات، ولا يمكن تلخيصها في جانب واحد.

مشاركة :