القاهرة تضبط قانون الإفلاس لتحفيز الشركات المتضررة | محمد حماد | صحيفة العرب

  • 7/6/2020
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

دفعت تداعيات كورونا الحكومة المصرية إلى إحداث تعديلات على قانون الإفلاس لإنقاذ الشركات بعد أن تسبب الوباء في إرباك توازناتها ومراكزها المالية، ما زاد من مخاطر مواجهتها مع دائنيها، الأمر الذي استوجب اتخاذ تدابير جديدة لتشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية، وتحفيزها على إعادة التشغيل بكامل طاقتها الإنتاجية. القاهرة - وافقت الحكومة المصرية أخيرا على أول تعديل لقانون تنظيم إعادة الهيكلة والصلح الواقي من الإفلاس الذي صدر قبل عامين فقط، لتخفيف تداعيات وباء كورونا على النشاط الاقتصادي، ووقف تفاقم الأوضاع المالية للشركات. وتستهدف التعديلات الجديدة تحقيق التوازن بين مصلحة المدين حسن النية سيء الحظ، ومصلحة الدائنين، لأن وباء كورونا أرخى بتداعياته على التعاملات المالية في الأسواق. واصطدم النشاط الاقتصادي الآخذ في التوسع عبر مختلف الآليات التمويلية، كالاقتراض والشراء الآجل، بتفشي الوباء ما وضعه في وضع ملتبس في علاقة بدائنيه نظرا لعدم وجود موارد لتسديد القروض. وحملت التعديلات فكرا جديدا قائما على مد يد العون للمشروعات المتعثرة وفتح المجال أمامها للحصول على تمويل يسهم في انتشالها من عثرتها بعدما فاقم نقص السيولة المالية أوضاعها وحدّ من قدرتها على الوفاء بالتزاماتها. وأمعنت الشركات، الفترة الماضية، في تنويع مصادر الحصول على التمويل من خلال الجهاز المصرفي الذي أصبح الاعتماد عليه وحده غير ذي جدوى لطول إجراءات الحصول على القروض. واستلزم ذلك فتح الباب لجهات تمويلية أخرى تندرج تحت مظلة القطاع المالي غير المصرفي، فضلا عن الكيانات المرخص لها بتقديم التمويل أو التسهيلات الائتمانية للمشروعات المتعثرة، وبذلك أصبحت الشركات مدينة لجهات متعددة. وأعطت خطط التنمية المستهدفة التي أعلنت عنها البلاد الضوء الأخضر لجميع الاستثمارات الأجنبية والمحلية لتوسيع نطاق أعمالها في بلد يقوم ببناء 14 مدينة مليونية جديدة، ومشروعات زراعية وصناعية عملاقة، وكان على الشركات مواكبة هذه الطموحات باستثمارات تحافظ على حصصها السوقية بدلا من أن تتآكل أمام دخلاء جدد. ورغم حصول كافة المؤسسات المالية الدائنة للمشروعات على المعلومات المالية التي تؤكد الجدارة الائتمانية للمراكز المالية للشركات، إلا أن القوة القاهرة لوباء كورونا عصفت بجميع عمليات التقييم بعد أن توقف الاقتصاد ودخل مرحلة ركود. ولحل هذه التشابكات استحدثت التعديلات نظاما عادلا يتم بموجبه تقسيم الدائنين إلى فئات بحسب نوع وطبيعة الدين، بما يضمن تحقيق المساواة بين الدائنين داخل كل فئة، وتحديد أولويات نظم السداد. وأتاحت التعديلات للدائنين التقدم بطلب صلح واق من الإفلاس للمدين تعظيما لدور الدائنين، وتجنبا لشهر إفلاس التاجر حسن النية سيء الحظ، وتدعيما لنظام الصلح الواقي من الإفلاس باعتباره نظاما وجد في الأساس لإيجاد التوازن بين المراكز القانونية للمدين والدائن تحت إشراف القضاء. وانتهجت التعديلات نهجا جديدا بموجبه يتم تصويت الدائنين في العديد من القرارات المهمة المتعلقة بإجراءات ما بعد شهر الإفلاس، منها التصويت على الاستمرار في تشغيل تجارة المفلس، أو ندب خبراء إعادة الهيكلة لوضع خطة إعادة هيكلة تجارة المدين المفلس. ومن حق الدائنين التصويت على بدء إجراءات بيع موجودات التفليسة للمنشأة، أو تصفية الأصول الأساسية الخاصة بتجارة المفلس وغيرها من موجودات التفليسة، على أن يكون اتخاذ القرار في الحالات المذكورة بموافقة الأغلبية العددية للدائنين. ويرى علي عيسى، رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين، أن الاتجاه نحو تعديل تشريعات النشاط التجاري في ظل تداعيات وباء كورونا رسالة مهمة، مفادها أن متخذي القرار يدركون تبعات الجائحة على مناخ الاستثمار. وقال لـ”العرب”، إننا طالبنا على مدى سنوات بتشريع خاص بالخروج الآمن من السوق بعيدا عن تعقيدات قانون الإفلاس، بما يضمن من خلاله خروج الشركات من الاستثمارات التي ترى أنها لا تحقق العائد على رأسمالها المستثمر. ويعزز الخروج الآمن من السوق زيادة حركة الاستثمارات الأجنبية للبلاد، فضمانات سهولة خروج الأموال تجعلها تقصد الأسواق التي تحقق تلك الآلية. وقبل عام 2018، كانت تواجه الشركات الأجنبية مشكلات لا حصر لها حال إعلان رغبتها في الخروج من البلاد. وأكد فؤاد ثابت، رئيس اتحاد جمعيات التنمية الاقتصادية، أن موافقة مجلس الوزراء على قانون الإفلاس يمنح المستثمر فرصة جديدة لإعادة تشغيل شركاته واستثماراته التي تعثرت، ما يعزز قدرته على سداد ديونه واستئناف النشاط مجددا والمنافسة بالأسواق. ووصف لـ”العرب”، التعديلات الجديدة بأنها “حائط حمائي للمشروعات المتعثرة، وتعزز قدرات الاقتصاد وتضمن حقوق الدائنين دون الضغط على المفلس، فهدف نظام الإفلاس التقويم والمساعدة على الخروج من العثرات والتهذيب والإصلاح، إذ أن فكرة عقاب المفلس يجب أن تنحصر في أضيق الحدود الممكنة”. وعقد اتحاد جمعيات التنمية الاقتصادية جلسات حوار مجتمعي بشأن الإفلاس في عدد من المحافظات مؤخرا، وحذر من اعتبار الإفلاس جريمة، فيما كان يتم وصم المستثمر الذي يتعرض للإفلاس بالحرمان من العودة للاستثمار وفق عقوبات القانون التجاري. وتؤكد مبادرة الحكومة عزمها على تبسيط إجراءات الصلح الواقي من الإفلاس وتطمئن المستثمرين حال التعرض لأي قوة قاهرة تحد من قدرته على مواصلة النشاط رغم أنه حسن النية. ويحتاج تعزيز هذه المبادئ لبرامج توعوية تضم جميع أطراف السوق من تجار ومديري الشركات، ما يعمق نشر فكر وثقافة الخروج للاستثمارات من السوق في الوقت المناسب الذي تراه لا يتلاءم مع جدوى الاستمرار. يصدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري نشرة سنوية تضم أحكام “بروتستو”، وهى حالات عدم القدرة على دفع الديون، فيما سجلت آخر إصدارات الجهاز أحكام “بروتستو” بنحو 12.5 ألف حالة بقيمة ديون إجمالية تصل لنحو 62.5 مليون دولار. وطالب طارق متولي عضو لجنة الصناعة في البرلمان، بإنشاء صندوق استثمار يمول رأسماله من حصيلة الأموال المصادرة والتهرب الضريبي، ويتم توجيه جزء كبير من استثماراته للمشروعات التي تعاني التعثر. وأشار لـ”العرب”، إلى أن العائد على استثمار هذه الصناديق سيكون كبيرا لأنه يدخل في المراحل الحرجة في عمر المشروعات بهدف تعويمها ماليا، ما يحافظ على ربحية النشاط، وتعظيم أموال هذه الصناديق. وأوضح أن أزمة كورونا تسببت في تسريح الملايين من العمالة عالميا، وأثرت على أداء الاقتصاد، بالتالي لن ينقذ الاقتصاد المصري إلا فوائض الاستثمارات الداخلية. ورغم خطورة الوباء، إلا أنه أعاد أمورا كثيرة إلى نصابها ودفع الحكومة إلى صب جام غضبها على إجراءاتها البيروقراطية لتعزيز مناخ الاستثمار والاستجابة لمطالب المستثمرين الذين بح صوتهم على مدى عقود للاستماع لوجهة نظرهم، وبات القطاع الخاص شريكا رئيسيا في جميع القرارات الاستثمارية.

مشاركة :