القاهرة ترمي بثقلها خلف قطاع التطوير العقاري لتحريك عجلات النمو | محمد حماد | صحيفة العرب

  • 5/19/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

ضخت القاهرة دماء جديدة لإنقاذ اقتصادها من أجل دفعه نحو تجاوز نقطة الركود بسبب التأثيرات الكبيرة التي خلفها فايروس كورونا المستجد في البلاد، وذلك عبر إعادة العمل بالطاقة القصوى في مشروعات التشييد والبناء، أملا في تشغيل مفاصله عبر الصناعات المرتبطة بقطاع تطوير العقارات والبالغة وفق التقديرات نحو 90 صناعة. استدعت الحكومة المصرية قطاع العقارات لوقف نزيف خسائر اقتصادها جراء تفشي فايروس كورونا، وأعلنت عن عودة العمل في التشييد والبناء والمشروعات القومية الكبرى بطاقة كبيرة. وأعلن البنك المركزي عن إدراج استثمارات العقارات ضمن قائمة القطاعات ذات الأولوية للاستفادة من حزمة الإنقاذ التي رصدتها الحكومة لإنقاذ الاقتصاد والبالغ قيمتها 6.4 مليار دولار. ومن خلال هذه الحزمة المالية تقوم البنوك المحلية بمنح القطاعات الاقتصادية قروضا بفائدة أقل تصل نسبتها إلى حوالي 8 في المئة. وراهنت القاهرة على قطاع كقاطرة لدفع عجلة الاقتصاد منذ تفشي الوباء بالبلاد، وأعلنت عن عودة القطاع للعمل بعد مرور ثلاثة أسابيع فقط من إعلان حظر التجوال الجزئي في منتصف مارس الماضي، إلا أنها لم تدرجه ضمن خطة الإنقاذ المالي، اعتمادا على سيولته النقدية الكبيرة. وفضلت القاهرة منح قروض لشركات القطاع الخاص العاملة في مجالي الصناعة والزراعة، لكن في الشهرين الماضيين لم تظهر بوادر للتحسن، بعد إنفاق نحو 2.5 مليار دولار، بحسب تصريحات وزير المالية محمد معيط، الأمر الذي صرف وجهتها للقطاع العقاري مجددا. ويميل المواطنون إلى التعامل بواقعية مع الأزمة، ويفضل غالبيتهم عدم الانصراف عن أشغالهم، لأن هناك جزءا من الأيدي العاملة تدخل في نطاق العمالة الموسمية التي تنشط في قطاع المباني والعقارات، والتي قد تضطر الحكومة لدفع تكاليف توقفها. وتستهدف الحكومة المصرية من هذه الخطوة تشغيل مفاصل الاقتصاد، في الوقت الذي يرتبط قطاع التشييد والبناء بتعزيز نحو 90 صناعة متنوعة، ما يضمن عودة ضخ الدماء في شرايين الاقتصاد. وأمعنت القاهرة في تنشيط قطاع التشييد والإعلان عن بناء حوالي 250 ألف وحدة سكنية جديدة للإسكان الاجتماعي، بالإضافة إلى 100 ألف وحدة إسكان في المناطق غير الآمنة. وتأتي هذه التحركات، على الرغم من الإعلان المبكر عن تأجيل الانتقال إلى العاصمة الإدارية، ومد أجل تسليم المشروعات التي كان من المقرر افتتاحها العام الحالي إلى العام المقبل. وأكد مسؤولون بالعاصمة الإدارية أن تأجيل افتتاح المشروعات القومية عاما لا يعني تغييرا في مواعيد تسليم المشروعات، إنما بمثابة فترة سماح قد نلجأ إليها إذا دعت الضرورة لذلك. وشهدت الفترة الماضية ضغوطا من جانب عدد من رجال الأعمال ومسؤولين تطالب بعودة العمال إلى المصانع مجددا وإعادة تشغيل الاقتصاد، حتى ولو تسبب ذلك في وفاة بعض العمال بدعوى أن العالم في حالة حرب ضد كوفيد – 19. وزادت الدعوات لعدم وقف النشاط الاقتصادي، وأهمية انتصار روح العمل في النهاية، بدلا من التزام الخوف الذي سيقود إلى الجوع عندما تتوقف المصانع وتزداد البطالة ولا يجد الأفراد السلع والمنتجات. ووسط تصاعد المخاوف من بلوغ تلك المرحلة، بدأت بعض الأنشطة الاقتصادية تمارس تدريجيا، وتتعامل مع المحنة بطريقة عملية لمنع الوصول إلى مرحلة العجز في ظل توقع توقف الكثير من الخامات التي يتم استيرادها، فضلا عن زيادة انتشار البطالة في المحافظات المصرية. وقدرت منظمة العمل الدولية الشهر الماضي حجم الوظائف التي سيفقدها العالم بسبب أزمة الوباء وانعكاساتها على اقتصادات الدول بنحو 200 مليون وظيفة حتى حلول يوليو المقبل، وهي مرشحة للارتفاع. وهذه التوقعات المفزعة تأتي بعد نحو شهر من بداية انتشار كورونا في دول العام، حيث قالت منظمة العمل إنها تتوقع فقدان 25 مليون وظيفة بسبب الإغلاق. ويتوقع مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) تراجع معدلات تدفق الاستثمارات حول العالم ما بين 30 في المئة و40 في المئة. الحكومة تعلن عن بناء 250 ألف وحدة إسكان اجتماعي جديدة، بالإضافة إلى 100 ألف أخرى للفقراء وقال فتح الله فوزي، رئيس لجنة التشييد والبناء في جمعية رجال الأعمال المصريين، إنه “يتم توفير وسائل الحماية للعمال في مواقع الإنتاج واتباع جميع الاشتراطات الصحية التي تمكنهم تجنب الإصابة بالوباء”. وأضاف لـ”العرب”، “نحرص على حماية العمال، لأنهم رأس المال الحقيقي، لكن لا بد من عودة العمل واستئناف النشاط، فلدينا عقود لتسليم المشروعات في توقيتات محددة”. وفوزي من أنصار عمل معسكرات للعمال في مواقع العمل بدلا من الحضور والانصراف يوميا، لضمان عدم المزاحمة في المواصلات العامة وتجنب الاختلاط، على أن يتم عمل جداول زمنية للعطلات حسب رغبة كل عامل. وأعلن صندوق النقد الدولي دخول العالم رسميا مرحلة ركود غير مسبوقة، وتوقع معهد التمويل الدولي أن ينال كوفيد – 19 من اقتصادات دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ويسبب عجزا مبدئيا في حسابها الجاري بنحو 92 مليار دولار خلال العام الجاري. وتقول كابيتال إيكونوميكس، وهي شركة مالية تتخذ من لندن مقرا لها، إن الاقتصاد المصري معرض للانكماش بنحو 1.3 في المئة. وقد خفضت سيتي غروب توقعاتها لنمو الناتج المحلي الإجمالي للبلاد إلى نحو 3.7 في المئة مقابل 5.1 في المئة للعام الحالي. وبدأت حركة العمل تعود إلى معدلاتها الطبيعية داخل مواقع ومشروعات وزارة الإسكان، تحديدا في العاصمة الإدارية بشرق القاهرة، وفي مشروعات تطوير المناطق العشوائية. واعتمد صندوق تطوير المناطق العشوائية موازنة تقدر بحوالي 20 مليار دولار خلال العشر سنوات المقبلة، تتم من خلالها إعادة التخطيط والتطوير للمناطق غير المخططة والتي توليها الحكومة المصرية أولوية. ودخلت المؤسسات الرقابية المالية مرحلة الاستنفار القصوى بهدف مساندة الشركات العقارية لتوفير سيولة نقدية لتوسيع نطاق أعمالها. وأعلنت الهيئة العامة للرقابة المالية عن موافقتها على أول إصدار للصكوك في مصر لصالح مجموعة طلعت مصطفى القابضة التي تعد أكبر مطور عقاري في مصر. وتصل قيمة تلك الصكوك المتوافقة مع الشريعة الإسلامية نحو 127 مليون دولار يصل أجل استحقاقها حتى العام 2024. وقال رئيس شركة الأولى للتمويل العقاري، حسن حسين، في تصريحات لـ”العرب”، إن “الاقتصاد المصري على المحك، ولا يستطيع تحمل فاتورة تأخير تشغيله، ومضي الوقت دون عمل يؤدي إلى خسائر باهظة”. وأشار إلى أن البدء بتشغيل قطاع العقارات تخطيط عملي ورشيد، لأنه مرتبط مباشرة بالعمالة اليومية غير المنتظمة التي تفاقمت أوضاعها الفترة الماضية، الأمر الذي حدا بالحكومة إلى صرف إعانة بطالة لمدة ثلاثة أشهر بنحو 32 دولارا للعامل. ويرتبط قطاع التشييد والبناء أيضا بنشاط قطاع كبير من الشركات الصغيرة والمتوسطة والتي تعد من أكبر المتضررين من استمرار أزمة كوفيد – 19. وأوضح حسن الشافعي، رئيس لجنة المشروعات الصغيرة في جمعية رجال الأعمال المصريين، أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة لا تمتلك مدخرات مالية تعزز تحملها للصدمات الاقتصادية، ويتسبب تعطل دورة الاقتصاد في إفلاس هذه القطاع. وطالب بضرورة شمول مظلة حزمة المساندة الاقتصادية التي أعلنت عنها الحكومة والبالغة قيمتها 6.4 مليار دولار قطاع المشروعات الصغيرة، لأنه يضم قطاعا كبيرا من العمالة، ويعد أحد الأعمدة الرئيسية في النشاط الاقتصادي. ويبقى نجاح خطط العودة إلى المصانع ومبادرات “خيلك في مصنعك” مرهونا بمدى الالتزام بتطبيق الإجراءات الاحترازية في أماكن العمل، فضلا عن الحاجة الماسة لمراقبة ومتابعة وزارتي الصحة والتضامن الاجتماعي لضمان عدم انتهاك حقوق العمالة وتجنب ضغوط تشغيلهم لساعات أكبر خلال فترات الحجر بالمصانع.

مشاركة :