أوضح ساباربيكولي، في مقال للأناضول، أن القرن العشرين شهد سلسلة قفزات نحو الحداثة، في مناطق متفرقة من العالم، مضيفًا: "في السبعينات، بداية موجة النمور الآسيوية ثم نجاح الصين، وفي العشرينيات تطور بلدان أوروبا الشرقية والوسطى، وحاليًا تشهد البرازيل وأندونيسيا والمكسيك وبلدان أخرى مرحلة حداثة". وأردف: "في هذه الأمثلة، تمكنت الأمم من التغلب على تحديات التطور التاريخي، وتسلق مراتب أعلى في التسلسل الهرمي العالمي وتجديد دولها بشكل جذري". وقال: "تزامنت ولادة بلدنا ومرحلة تحقيق قفزات مع المرحلة التاريخية الصعبة في التسعينات، في تلك الأيام، وقعت أحداث مهمة في مجالات الأمن الدولي والطاقة وأسواق النفط، علاوة على تشكل منطقة جديدة باسم أوراسيا". وأشار إلى أن شخصية القائد الأول هي العامل الأهم في تاريخ الجمهورية، مضيفًا: " رأينا في مرات عديدة أن شخصا يغير مسار التاريخ، فميزات من قبيل تحمل المسؤولية، وامتلاك رأي واضح حول تنمية البلاد، والقدرة على الدفاع عن ذلك الرأي خاصة لأشخاص على رأس الإدارة في فترات تحول حرجة بالتاريخ". ولفت إلى أن الدور الذي لعبه نزارباييف في تاريخ كازاخستان، يمكن قياسه بأدوار مصطفى كمال أتاتورك في تركيا، وشارل ديغول في فرنسا، ومهاتير محمد في ماليزيا ولي كوان يي في سنغافورا ودينغ سيوب ينغ في الصين، على صعيد تطوير بلدانهم. ونوه إلى أن وضع كازاخستان كان سيئًا للغاية بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، وخاصة في المجالين الاقتصادي والتكنولوجي، مبينًا أنها استخدمت كمخزن للزراعة والمواد الخام في عهد الاتحاد السوفيتي. وأردف: "لذلك كان بانتظار كازاخستان فترة عصيبة، أولًا كانت البلد غير محظوظة بالنسبة لموقعها الجغرافي، كانت تقع بين القوى العظمى مثل روسيا والصين والجنوب غير المستقر، بعيداً عن المياه الدولية على الجانب الداخلي للقارة". وتابع: "هذا الموقع الجغرافي بشكل تهديدًا جيوسياسيًا ومن ناحية أخرى يجلب صعوبات اقتصادية، وعلاوة على ذلك فإن الكيان الديموغرافي للبلدان يحمل في طياته مخاطر وقوع صراعات." وأضاف: "مع تفكك الاتحاد السوفييتي، تدهور الوضع الاقتصادي لكازاخستان، حيث انخفض حجم الإنتاج الصناعي فيها بين عامي 1990 و 1994 إلى النصف، والزراعة إلى 30 بالمائة، والنقل إلى ثلثي المستوى السابق، وتوقفت أعمال عمالقة الصناعة في مجال الفحم والتعدين والقطاعات الأخرى، وزادت البطالة، وبدأت الهجرة الاقتصادية الجماعية". وأوضح أن كازاخستان كان عليها التغلب في ظل هذه الظروف، على النموذج الاقتصادي غير الفعال الذي كان سائدا في الاتحاد السوفيتي. وأكد أن المؤسسات الحكومية المتقاعسة، كانت مدار بحث في كازاخستان، حيث كانت البلاد تكافح من أجل الانتقال إلى اقتصاد السوق. وأردف: "كان من المهم الحفاظ على السلام والوئام في المجتمع الذي يتكون من أكثر من 130 مجموعة عرقية، وما يزيد عن 30 طائفة دينية. أما في الساحة السياسية الخارجية، كان علينا البحث عن مكاننا في المجتمع العالمي". وبيّن أن كازاخستان الفتية مرت بجميع هذه الطرق الشائكة تحت قيادة رئيسها الأول، واستطاعت التغلب بنجاح على التحديات والصعوبات التي واجهتها في السنوات الأولى. وأشار إلى أن العديد من الأزمات تحولت إلى فرص، حيث اتخذ زعيم كازاخستان ومؤسسها، القرارات الصحيحة في الوقت المناسب ونجح في نقل البلاد من وسط متأزم إلى مستوى جديد من التنمية. ولفت إلى أن نزارباييف تابع عن كثب التجارب العالمية للتقدم والتنمية، ودرس بعمق تاريخ الدول الناجحة، مشيرا إلى أن مسارات التنمية في اليابان وكوريا الجنوبية وماليزيا والصين كانت حاضرة في ذهنه كنماذج يحتذى بها. ونوه إلى أن كازاخستان رغم ذلك، لم تقم أبدًا باستنساخ نماذج التنمية الأجنبية، مؤكدا أن النماذج الآسيوية أو الأوروبية أو الأمريكية لم تكن لتناسب كازاخستان بشكل تام، لأنها كانت مطبقة في ظل ظروف سياسية واجتماعية واقتصادية متنوعة وفترات تاريخية متفاوتة وفي دول مختلفة. وأفاد بأن نزارباييف استطاع، بعد تحديد المبادئ العالمية بين تجارب الدول المختلفة، تطبيقها بمهارة على البيئة الوطنية وخلق نموذج فعال للإصلاح والتطوير والحوكمة خاص بكازاخستان. واستطرد: "منذ أوائل التسعينات، طور نور سلطان نزارباييف برنامجًا للإصلاح السريع في جميع مجالات تنمية الدولة ونفذ بنجاح التحديث الوطني، حيث وضع صيغة التنمية الخاصة به "الاقتصاد أولاً، ثم السياسة"، وبعبارة أخرى، من أجل تطوير مؤسسات ديمقراطية، ينبغي أن تتحقق التنمية الاقتصادية أولاً". وأوضح أن هذه التجربة تُعرف اليوم باسم "نموذج نزارباييف" أو "طريق كازاخستان"، حيث يرتكز هذا النموذج على هيكل الدولة الذي تم إصلاحه بشكل مدروس وتدريجي. وقال إن تاريخ التنمية في كازاخستان طوال ثلاثين عامًا، يمكن اختزاله في جهود الرئيس الأول لكازاخستان من خلال تناول المراحل الأساسية الثلاث للتحديث والتطوير. - المرحلة الأولى في التحديث شهدت كازاخستان في مطلع التسعينات من القرن الماضي، المرحلة الأولى من التحديث، وكان الهدف في تلك الفترة هو إعادة بناء نظام الإدارة العامة، وإرساء الاقتصاد والاندماج في المجتمع الدولي. وفي تلك الفترة حققت كازاخستان نقلة ثلاثية على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، واختارت الديمقراطية كنموذج في التطوير السياسي لجهاز الدولة. وفي عام 1995، تم إعداد النظام السياسي القائم على مبدأ فصل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، بموجب الدستور، وشهدت بعد ذلك كازاخستان، تحولات اقتصادية كبيرة، ونجحت في تحقيق الاستقرار والحفاظ على الانسجام العرقي والديني في المجتمع. وأعلنت كازاخستان نفسها دولة مسالمة، وتخلت عن رابع أكبر ترسانة نووية موروثة من اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية. وبدأت الدولة الفتية بعد ذلك بتأسيس علاقات دبلوماسية مع العديد من الدول حول العالم، وأصبحت معترف بها كعضو في المجتمع الدولي. وخلال هذه الفترة، اتخذت كازاخستان خطوة غير متوقعة ووضعت استراتيجية لتطوير الدولة على المدى الطويل، ففي عام 1997، كشف نزارباييف عن استراتيجية بلاده لعام 2030. فبينما كانت الدول التي انشقت عن الاتحاد السوفيتي، تصارع المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، قام نزارباييف بتحديد رؤية بلاده لما هو أكثر من 30 عاما. - المرحلة الثانية من التحديث بدأت مرحلة التحديث الثانية لكازاخستان في أواخر تسعينات القرن الماضي، واكتملت في منتصف عام 2010. وفي هذه الفترة، بدأت كازاخستان، التي ظهرت عليها معالم الدولة بشكل واضح واستطاعت الوقوف على قدميها، بجني ثمار سياسات الإصلاح الصارمة التي اتبعتها أوائل التسعينات. وبقيادة نور سلطان نزارباييف، حقق اقتصاد البلا نموًا مستدامًا، فقد تشكلت المؤسسات الحكومية الحديثة وظهرت الطبقة الوسطى في البلاد. ونتيجة للإصلاحات التي شهدتها البلاد، زاد مستوى الرفاه للمجتمع، حيث وصلت حصة الفرد من إجمالي الناتج المحلي إلى 12 ألف دولار عام 2013، بعد أن كان هذا الرقم عند حدود 700 دولارا في تسعينيات القرن الماضي. وبسبب هذه القفزة النوعية، أدرج البنك الدولي كازاخستان بين البلدان المتوسطة الدخل، واستطاعت الدولة أن تنقذ نفسها من الأزمتين الاقتصاديتين العالميتين 1998/ 2008 بأقل الخسائر. الإنجاز الآخر الذي تحقق في كازاخستان خلال المرحلة الثانية للتحديث، هو إنشاء عاصمة جديدة للبلاد حملت اسم مؤسس الجمهورية "نور سلطان نزارباييف". في عام 2012 ، دخلت كازاخستان قائمة الدول الـ50 الأكثر تنافسية في العالم، ليعلن بعدها نزارباييف استراتيجية بلاده لعام 2050، التي تمثلت في إدراج كازاخستان على قائمة الدول الثلاثين الأكثر تطورا وتقدما في العالم. - المرحلة الثالثة من التحديث وفي عام 2017، كشف الرئيس نزارباييف عن المرحلة الثالثة من التحديث، وبفضل سياساته، ارتفع إجمالي الناتج المحلي للبلاد من 22 مليار دولار إلى 184 مليار دولار. وبفضل جهوده الرامية لتحسين ظروف النشاط التجاري في البلاد، قفزت كازاخستان من المرتبة 86 إلى المرتبة 25 في مؤشر سهولة ممارسة أنشطة الأعمال التابع للبنك الدولي. ولفت السفير الكازاخي إلى أنه من أجل تحقيق هذا الهدف التنموي الجديد، كان لا بد من إنشاء دولة مسؤولة ومهنية لتلبية متطلبات المجتمع. وأفاد بأنه من بين أولويات هذا العصر الجديد، التنمية الفعالة للاقتصاد، وجذب الاستثمارات من الخارج، والتصنيع المبتكر، والمزيد من التحديث الاجتماعي وحماية وحدة الشعب. وأضاف ساباربيكولي أنه خلال هذه الفترة، تقوم التنمية الوطنية على تنمية رأس المال البشري في إطار البرنامج الخاص "التحديث المعنوي"، حيث تشكل هذه المراحل الثلاث من التحديث التي لا تتداخل أهدافها، عملية التحديث والتطوير الشاملة. وأوضح أن هيكلة الدولة المستقرة، والنظام الرئاسي القوي، أتاحا تحقيق الإصلاحات في البلاد، مضيفا: "بشكل عام، الاستنتاج الرئيسي هو أن كازاخستان الحديثة تجاوزت بالفعل فترة التسعينات حيث كانت تكافح من أجل البقاء، ودخلت المنافسة العالمية لتحتل مكانها بين أكثر البلدان تقدما". وقال السفير الكازاخي إنه بفضل نهج نزارباييف المتوازن في السياسة الخارجية حيث يعرّف هذه السياسة بأنها "تعدد التوجهات"، ضمنت كازاخستان أمنها، وتحولت إلى عضو يحظى بالاحترام في المجتمع الدولي. وأضاف: "تم تنفيذ معظم الأفكار والمبادرات التي طرحها الرئيس الأول على الساحة الدولية، وأصبحت كازاخستان واحدة من الدول الرئيسية في مجال الأمن النووي عالميا، وحققت بعض النتائج في سياسات حفظ السلام وفي حل النزاعات في العديد من المناطق من قبيل قره باغ، والأزمة النووية الإيرانية، وأوكرانيا، وسوريا ودول أخرى". ولفت ساباربيكولي إلى أن سياسات كازاخستان الموجهة نحو السلام ساهمت في اختيارها لعضوية منظمات دولية مثل منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، ومنظمة شنغهاي للتعاون، ومنظمة التعاون الإسلامي، والعضوية غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي للدورة 2017-2019، ورئاسة منظمات دولية أخرى. وأشار إلى إنشاء الاتحاد الاقتصادي الأوراسي بناء على أفكار نزارباييف، فأصبحت كازاخستان عضوا في منظمة التجارة العالمية، إضافة إلى أنها أصبحت الدولة المركزية من حيث ممرات النقل والتجارة بين الشرق والغرب، بفضل تنفيذ مشاريع البنية التحتية الرئيسية. وأوضح ساباربيكولي أنه بالمحصلة ونتيجة لمراحل التحديث الثلاث التي قادها نزارباييف، تمكنت كازاخستان من صنع نوع من "القفزة الزمنية"، مضيفا: "وبعبارة أخرى، انتقلت البلاد من فترة سياسية تاريخية إلى فترة جديدة، ومن نظام اقتصادي إلى آخر. وبيّن أن هذا النموذج يشكل مثالا للمنطقة كلها، قائلا: "لذلك فإنه في هذه الأيام التي نحتفل فيها بعيد الميلاد الثمانين لنور سلطان نزارباييف، مهندس "طريق كازاخستان"، فإن العالم التركي برمته إضافة إلى الشعب الكازاخي يعرب عن تمنياته بالصحة وطول العمر للقائد الحكيم". [ السفير الكازاخي لدى تركيا أبزال ساباربيكولي ] الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
مشاركة :