«نداء البرية».. ممتع للصغار وملهم للكبار

  • 7/8/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

مارلين سلوم قائمة الأفلام المعروضة في الصالات طويلة، لكن حديث الإنتاج والصدور منها قليل. «نداء البرية» الذي عاكسته الظروف بظهوره السينمائي في أواخر فبراير/ شباط الماضي، مع تضخم انتشار «كورونا» حول العالم، وتعطل مسيرة الحياة تدريجياً، وتوقف الصالات عن فتح أبوابها أمام الجمهور، عاد إلى الصالات ليستكمل رحلة النجاح، ويمنح المشاهدين فرصة الاستمتاع بمشاهدته، لما فيه من تشويق، ومعانٍ، وقدرة على إرضاء أذواق كل أفراد العائلة، رغم بعض الملاحظات والعيوب التقنية فيه. من عادة الجمهور أن يبحث عن أسماء الأبطال قبل دخول أي فيلم، أو اختيار العمل وفق قائمة نجومه، لكن بعض الأعمال الكرتونية، خصوصاً تلك التي تصنعها بجودة عالية أهم شركات الإنتاج العالمية مثل «ديزني»، تدفعك للمشاهدة حتى إن كان بطلها أسداً، أو فيلاً، أو كلباً. وفي «نداء البرية» الذي يتعمد صنّاعه على إبراز صورة النجم هاريسون فورد، واسمه، لجذب الجمهور، فإن البطولة الرئيسية والحقيقية للكلب «باك»، ويمكن القول إن فورد يظهر في دور مساند. وإذا كان «باك» بطل القصة ومحرّك أحداثها، فمن الطبيعي أن تكون المؤثرات والتقنيات الحديثة بطلة هي الأخرى في الفيلم، لأن الكلب هو وليد تلك الرسوم والتقنية، وصناعة إلكترونية تولاها فريق عمل ضخم، إنما المشاهدة والرحلة التي تمتد نحو ساعة و40 دقيقة، تمنحانك إحساساً آخر، يجعلك لا تحكم على الفيلم من عنوانه ولا قائمة الأسماء فيه، بل من السحر المتواصل فيه.وهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها تحويل فيلم «نداء البرية» عن رواية جاك لندن، الصادرة عام 1903 التي تحمل الاسم نفسه، إلى فيلم، فهناك نسخة ظهرت عام 1935 مع كلارك جيبل، ولوريتا يونج، وفي عام 1997 قدمها المخرج بيتر سفاتيك والمؤلف جراهام لودلو بالاسم نفسه أيضاً، معتمدين أكثر على الطبيعة، والتمثيل، بينما استفاد من تطور التقنيات المخرج كريس ساندرز، وشركة الإنتاج «استوديوهات 20 سنتشري»، لإعادة تقديمها بشكل مختلف هذا العام، مع كتابة سينمائية جديدة لمايكل جرين، ومشاركة هاريسون فورد بدور جون ثورنتون، والراوي في آن، في حين عمدت النسخة الأولى إلى الفصل بين شخصيتي الراوي التي قدمها وقتها ريتشارد دريفوس، وجون ثورنتون التي قدمها روتجر هوير.نحن أمام فيلم يجمع بين التحريك، أي «الأنيميشن»، والتمثيل. الكلب «باك» هو البطل الذي يرافقنا من المشهد الأول، وحتى الختام. ليس مجرد حيوان أليف، بل شديد الذكاء و«الدلال»، الكل يعرفه، يشاكس، ويعاكس أهل المدينة من دون أن يعترض طريقه أحد لأنه الكلب المدلل للقاضي المحلي في شمال كاليفورنيا (برادلي ويتفورد). المخرج كريس ساندرز يجيد نقلنا إلى أجواء أواخر القرن التاسع عشر، كما يعتمد على توظيف الكثير من المجاميع (الكومبارس)، لإثراء العمل سواء في كاليفورنيا، أو بعد انتقاله إلى يوكون، في كندا، رغم اعتماد الفيلم في جزء كبير من قصته على الطبيعة في ألاسكا، وكندا، والحياة في البرية، وسط الجبال، والثلوج.من السهل إغراء «باك» بقطعة من الحلوى، لذلك استطاع أحد رجال المدينة اختطاف الكلب، وبيعه لأحدهم لقاء حفنة من الدولارات. ويحاول «باك» الهروب لكنه يجد نفسه على سفينة وسط البحر، لتبدأ رحلته مع مرحلة جديدة مختلفة تماماً، يكتشف فيها الوجه الآخر للحياة، تعذيب، وضرب، وجوع، وعمل شاق. مرحلة كفيلة بتغيير طباعه وطريقة تصرفه، من الدلال المفرط، والأنانية، واللعب طوال الوقت، إلى تحمّل مسؤولية نفسه ورفاقه، ومواجهة الظلم، وتحدي الذات، والتحلي بالثقة، والانخراط وسط القطيع والاستجابة للأوامر، والتفكير وحسن التصرف واتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب. والأهم، أن «باك» الذي ضمه الشاب الطيب بيرولت (عمر ساي) إلى فريق عمله، حاول التمرد لكنه خضع رغماً عنه إلى الأوامر، ووقف في الصفوف الخلفية ضمن فرقة الكلاب التي تجر عربة البريد وسط الثلوج والجليد، لحمل الرسائل من منطقة إلى أخرى. مايكل جرين، يحرص على تغليف الواقع المر بروح الكوميديا والمواقف المضحكة، ليجعل من الفيلم عائلياً، غير مؤذٍ للأطفال، وللمشاعر.جميل انتقال «باك» سريعاً من الدلال، إلى التعذيب، إلى النجاح، والوصول إلى قيادة الفرقة بنفسه، بعد مواجهة قاسية وصعبة مع الكلب «سبيتز» الذي كان قائداً لعربة البريد مدة طويلة، ومعروف بغروره، وشراسته. المواجهة بين الكلبين مهمة، ومن المشاهد المؤثرة والقوية برموزها في الفيلم، خصوصاً أن «باك» في رواية جاك لندن من فصيلة الذئاب، وأقرب إلى شكلها، بينما جعله المخرج ساندرز خليطاً من نوعي «سانت بيرنارد»، و«سكوتش شيبرد».قد لا يعني الفيلم بالنسبة للأطفال أكثر من قصة جميلة، ومؤثرة لكلب أليف يستدر عاطفتهم بنظراته، وحركاته، وطيبته، وشجاعته، بينما يمثل للكبار مجموعة رسائل تلمس حياة البشر بشكل مباشر، منها الرفق بالحيوان، التحلي بالإرادة والصبر والمثابرة للوصول إلى الهدف، الحكمة في التصرف، العودة إلى البيئة الحقيقية التي ينتمي إليها الفرد، وأن تحقيق الذات والراحة النفسية أهم من كل الذهب، والثروة. والمضمون لا يتوقف فقط على المراحل التي يمر بها «باك»، وصولاً إلى يوكون والبرية، حيث يجد فصيلاً من الذئاب يعرف كيف يكسب صداقتها، ويؤسس عائلة له، بل يشمل الأصدقاء الآدميين الثلاثة الذين عرفهم «باك»، وهم القاضي الذي دلّله كثيراً، والشاب بيرولت الذي تعلم منه التعاون مع المجموعة والقيادة والصبر، وأنهم لا يحملون بريد رسائل فقط إلى الناس، بل يحملون أرواحاً، وآمالاً وحباً. وتعلم «باك» من جون ثورنتون (هاريسون فورد)، تلبية نداء الطبيعة ومواجهة الشر بجرأة. هاريسون فورد يشكل المرحلة الأخيرة في الفيلم، وفي حياة «باك»، يدافعان عن بعضهما بعضاً في مواقف متفرقة، ويخوضان مغامرة تحقيق حلم «تيمي» ابن ثورنتون الذي فقده صغيراً بسبب الحمى، فأهمل زوجته، وتركها ليعزل نفسه ويعيش مع أحزانه مع عمال الفحم في أعالي الجبال. في المقابل، لعب «باك» دور المنقذ لثورنتون، وانتشله من الحزن الشديد والاستسلام، والإدمان.العيب الوحيد في «نداء البرية»، أنه لم يُجِد استغلال التقنيات الحديثة، فبدت بعض المشاهد ضعيفة، تكشف بشكل واضح حركة «الأنيميشن»، ويتأكد المشاهد بسهولة أن «باك» شخصية يتم تحريكها، علماً بأن شكله ولونه وحركاته ونظراته، تقنعك بأنه حقيقي، وتجعلك تتعلق به وتتعاطف معه. السرد غير ممل، بل يشكل إضافة للعمل خصوصاً أنه بصوت وإلقاء فورد، الذي يعتبر من عوامل نجاح الفيلم سواء بصوته، أو بأدائه. أما التصوير وسط البرية والحيوانات والطبيعة والثلوج والأنهر، فيمنح الجمهور راحة بصرية، ونفسية، ومتعة تلتقي مع روح الكوميديا، والمغامرات، والتشويق العالي. marlynsalloum@gmail.com

مشاركة :