تساؤلات كثيرة وكبيرة وحائرة وشائكة، وكثير منها «مغلف بالشكوك»، حول العلاقات، بين الإخوان المسلمين والإدارة الأمريكية، وتبحث عن إجابة: كيف ولماذا، اختلفت الأمور من الشيء إلى نقيض الشيء، في علاقة الولايات المتحدة الأمريكية بقوى التيار الإسلامي بمقدمته الإخوانية، ورفعت حظرا سياسيا كانت تفرضه عليهم ؟! ومن الواضح أن الاعتراف الأمريكي بالإخوان المسلمين لم يكن قبولا بحق لهم، ولا تقديرا تجلت دواعيه فجأة أمام المعترفين، ولكنه جاء قبولا بالرهان على قوى التيار الإسلامي المتعطشة لوهم السلطة، وكان الرهان قائما على دراسات وتقارير سبقت الربيع العربي بسنوات. المخابرات الأمريكية تبنّت رعاية «لإخوان» عقب خروجهم من مصر ومن وجهة نظر المؤرخ الأمريكي «وليم انجدال»، فإن «الإخوان مجرد أداة ، ووسيلة، وهم كمؤسسة إسلامية دولية، منظمة سرية أقرب إلى التنظيمات الماسونية التي لا تعمل بشفافية، وأن المخابرات المركزية الأمريكية لها تعاملات مع الإخوان منذ أخرجهم الزعيم المصري جمال عبد الناصر، من مصر إلى السعودية في الخمسينيات، ولهم علاقات من قبل ذلك مع المخابرات البريطانية، لذلك تشعر المخابرات الأمريكية أن لديهم كيانا معروفا في الإخوان المسلمين، ولذلك يصر بعضهم في واشنطن على صعود الإخوان» !؟! وبالطبع فإن للولايات المتحدة خبرة طويلة في توظيف جماعات الإسلام السياسي، واستثمار شهوتها للسلطة. مقارنة أمريكية بين «القاعدة» و «الإخوان» ونشرت صحيفة «واشنطن بوست» في شهر مارس/ آذار 2011 تقريرا نقلت فيه عن مسئول أمني كبير قوله: «إن الإدارة الأمريكية تتخذ خطوات بالفعل للتمييز بين الحركات التي تدعو لتطبيق الشريعة الإسلامية في المنطقة، وأنه بأمر من البيت الأبيض تم إعداد تقييم للإختلافات الأيديولوجية الكبيرة بين الحركات الإسلامية في الشرق الأوسط، ومنها المقارنة بين جماعة الإخوان وتنظيم القاعدة» !! وهناك من يرى -من المقربين من دوائر صنع القرار الأمريكي- أن الولايات المتحدة بادرت بالرهان على قوى التيار الإسلامي المعتدل، والمتعطشة لوهم السلطة، وأن أمام أمريكا فرصة للتدخل والدعم والتغطية السياسية للإسلاميين «جماعة الإخوان تحديدا»، وطالما هم ملتزمون بما يتم الإتفاق عليه!!التبشير الأمريكي بصعود «الإخوان» كان المؤشر المبكر، على لسان الجنرال «مولن» رئيس أركان حرب الجيش الأمريكي، وقال لمن التقاهم من العسكريين المصريين في واشنطن، في اعقاب ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011 : «الحل هو الانتخابات أولا، وأن التيار الإسلامي موجود وقوى، ويقدر يمشى الأمور بلا مشاكل»، فقد كانت اللقاءات والشروط والالتزامات من الإخوان سابقة لكلمات الجنرال «مولن» !! وهي نفس الرؤية تقريبا، التي قالها وزير الخارجية الأمريكية الأسبق هنري كيسنجر، حين التقى وزير الخارجية المصري الأسبق محمد العرابي في اسطنبول على هامش مؤتمر اقتصادي،في شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2011 وقبل انتخابات الرئاسة المصرية بنحو تسعة أشهر، بأن : «الإخوان المسلمين قادمون في مصر، وسيكون لهم الدور السياسي القادم » !! وحين سأله السفير «العرابي» : وكيف ترى الولايات المتحدة هذا الصعود؟ ! فكان رد كسينجر : «أنهم ليس لديهم أية مشكلة على الإطلاق، لأن كل ما يهم الإدارة الأمريكية ثلاثة أمور مفصلية في مصر هي : الالتزام باتفاقية السلام مع إسرائيل وضمان أمنها ، وضمان سلامة الملاحة في قناة السويس، وأن تستمر الولايات المتحدة مصدرا لتسليح الجيش المصري» !!توقيع عقد «الزواج العرفي» بين أمريكا والإخوان قبل 75 عاما كانت الصفحة الأولى من سجل العلاقات «الأمريكية ــ الإخوانية» ، قد بدأت منذ آواخر الأربعينيات من القرن الماضي (1947) ، كميراث إنتقل إلى القوة العظمى الجديدة الصاعدة (أمريكا ) من القوة العظمي الغاربة والمنسحبة من المنطقة ( بريطانيا العظمى )..وبعد أن تسلمت الولايات المتحدة الأمريكية الميراث كنوع من الأدوات التي يمكن إستخدامها، أو هي صالحة بالفعل للإستخدام ، كما إستخدمتها بريطانيا ضد الأفكار الوطنية والقومية في المنطقة ـ بدأت الدراسات الأمريكية حول التيارات الإسلامية الموجودة في الإقليم العربي، ولها تواجد شعبي، وتتمسح في الإسلام، لإستخدامهم في الفترة المقبلة!! رعاية أمريكية لـ «سعيد رمضان» زوج بنت حسن البنا ونعود إلى الصفحات الأولى من العلاقة «الأمريكية ـ الإخوانية»، وحين بدأ الاهتمام الأمريكي يتجه إلى «سعيد رمضان» الذراع اليمنى لمؤسسي جماعة الإخوان المسلمين «حسن البنا» وزوج إبنته ووزير خارجية الجماعة ـ كما كان يراه البعض ـ وفي الخمسينيات (1953)، تصاعدت الحركة الأمريكية لإحتواء الأفكار القومية الناشئة في الإقليم العربي، وسعت لدعم جماعة الإخوان المسلمين والتيار الإسلامي للدفاع عن مصالحهم، ومولت إنشاء «رابطة مسلمي العالم»، وأدار القيادي الإخواني «سعيد رمضان» هذه الرابطة، إضافة إلى دعاة هنود من مدارس «ديوبند» التي أسسها «أبو الأعلى المودودي»، وفي هذه المدارس تخرج لاحقا زعماء حركة طالبان الحالية في أفغانستان.كيف صنعت أمريكا «التنظيم الدولي» للإخوان؟ والشاهد ، أن صناعة «تنظيم دولي» للإخوان ، لم يكن بعيدا عن توجهات الولايات المتحدة ودعمها ومساندتها ، وكانت حركة أعضاء التنظيم ، وتأسيسهم للمراكز الإسلامية والجمعيات الخيرية كواجهة للتنظيم داخل الدول الغربية ، تجرى دون قيود. وفي كتابه الشهير «مسجد في ميونخ : النازيون ووكالة المخابرات المركزية وصعود الإخوان المسلمين في الغرب»، يكشف مؤلفه الصحفي الكندي إيان جونسون، أن النازيين، خلال الحرب العالمية الثانية، وجدوا أن عددا كبيرا من الجنود السوفيت، الذين وقعوا في أسرهم، مسلمون ساخطون على الزعيم السوفيتي جوزيف ستالين، وكارهون لنظامه ــ شارك بين 150 و300 ألف سوفيتي مسلم في الحرب العالمية الثانية ــ ففكروا في استخدام المسلمين كطابور خامس داخل الجمهوريات الروسية المسلمة، وتولى هذه المهمة رجل يدعى «جيرهارد فون» الذي بدأ في رسم مخطط واسع لاستغلال الإسلاميين لصالح النازيين، ولم تنجح الشبكة التي كونها «فون» عسكريا في تهديد السوفيت. لعبة الشيطان ويوضح «جونسون» في كتابه ، كيف استطاع الأمريكيون سرقة مشروع «شبكة فون مندى»، وتسليمها للقيادي الإخواني سعيد رمضان لمساعدته في تكوين شبكة من التنظيمات الإسلامية بدعم من أمريكا وبريطانيا، لمواجهة نفوذ الاتحاد السوفيتي في مصر، وخطر أفكار جمال عبد الناصر.. وكان مسجد جنيف، قد تحول لاحقا للمركز الإسلامي في جنيف 1961، وأصبح نواة هذا المشروع ، وتولى سعيد رمضان تأسيس فروع الجماعة في الخارج والتنظيم الدولي للإخوان .. ويقول روبرت دريفوس، مؤلف كتاب «لعبة الشيطان .. كيف أطلقت أمريكا الأصولية الإسلامية»، إن البيت الأبيض وجه الدعوة في العام 1953 لـ «سعيد رمضان»، مع 5 أشخاص من دعاة وعلماء المسلمين من دول مختلفة للقاء مع الرئيس الأمريكي «دوايت أيزنهاور»، وجاء اللقاء كجزء من مؤتمر إسلامي في الولايات المتحدة.«سري..معلومات أمنية» إلا أن وثيقة سرية أمريكية، وقعت في يد «روبرت دريفوس»، كشفت أن إدارة المعلومات الدولية، التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية ــ وهي فرع له اتصال مباشر بوكالة المخابرات المركزية ــ هي الجهة التي نظمت المؤتمر وتكفلت بتكاليف نقل هؤلاء الدعاة والعلماء من مصر والبحرين ولبنان والهند وبلدان أخرى، التي بلغت 25 ألف دولار ــ في ذلك الوقت ــ خلاف مصاريف إضافية تكفلت بها شركة «أرامكو» للنفط.. وطبقا للوثيقة نفسها ، وتصنيفها «سري..معلومات أمنية»، فإن هدف المؤتمر، في الظاهر مجرد تجمع علمي بحت، إلا أن الهدف الحقيقي هو : «تجميع عدد من الأشخاص، من ذوي النفوذ في تشكيل الرأي العام في البلاد الإسلامية في قطاعات مختلفة مثل التعليم والعلم والقانون والفلسفة، ما يعزز بشكل غير مباشر النفوذ السياسي للولايات المتحدة في المنطقة ». وفي حقيقة الأمر، بحسب روبرت دريفوس، مؤلف كتاب «لعبة الشيطان»، فإن واشنطن وجدت في الإسلام السياسي شريكا مريحا خلال كل مرحلة من مراحل بناء الإمبراطورية الأمريكية في الشرق الأوسط !! تبني عودة الإخوان لمصر وبقيت أبرز الصفحات في علاقة «أمريكا والإخوان»، صفحة العام 1970 ، بعد وفاة الزعيم جمال عبد الناصر، حينئذ بدأ التوجه الأمريكي لمساعدة تحرك قيادات الإخوان بالعودة إلى مصر..وفي حقيقة الأمر فإن الأمريكان تحدثوا مع الرئيس الراحل أنور السادات بعد حرب أكتوبر 1973 عن ضرورة السماح لجماعة الإخوان المسلمين بالتواجد وحرية الحركة داخل الساحة السياسية حتى تكتمل تجربة الديمقراطية في مصر، وتم الترتيب فيما بعد لعقد صفقة استراحة «جانكاليس» 1974 لمواجهة قوى الرفض والمعارضة المصرية «الشيوعيين والناصريين» ـ كما تمت تسميتها وقتئذ ـ أي يتولى الإخوان مساندة السادات في مواجهة معارضية من اليساريين والناصريين !! وشهدت العلاقة (الإمريكية ـ الإخوانية) حالة من «السكون أو الجمود» المؤقت، عقب فتح أبواب ونوافذ المفاوضات المباشرة بين مصر وإسرائيل، وتوقيع اتفاقيات وملاحق كامب ديفيد للسلام بين الدولتين..وكانت التعليمات الأمريكية «أن يلتزم الإخوان الصمت أو على الأقل عدم إثارة مشاعر المصريين ضد السلام مع إسرائيل، وأن يلعب الإخوان دورا «مسكّنا» لحركة اعتراض التيار الإسلامي في هذا الوقت»!!في الفاتيكان ..أمريكا تلوح بعودة الإخوان لقيادة مصر ويروي أستاذنا الكبير الراحل، محمد حسنين هيكل، تلك الواقعة.. ودلالاتها كبيرة ومثيرة للدهشة .. يقول هيكل: كنت في زيارة لروما والتقيت السفيرة نيفين سميكة، وكانت سفيرة في وقتها، حيث قامت بدعوتي على العشاء مع «سكرتير الفاتيكان»، وعندما ألح علىّ للزيارة ذهبت خلال يومين، زرت الفاتيكان، وعرض عليّ أحد الأشخاص ورقة غريبة جدا، وكان هذا في عام 2009 ،وبعد سؤالي عن أحوال مصر والمشكلات والأقباط بها سألني : «أصحيح أن الإخوان هم التيار القادم في مصر؟ ».. وأراني ورقة غريبة تعجبت بها كثيرا ، تتحدث عن رؤية الأمريكان، بأن الإخوان هم التيار البديل بعد النظام الذي كان موجودا وقتها وهو نظام مبارك الذي أوشك على السقوط ، وذكروا أسبابا كثيرة في تلك الورقة التي حاولت قدر الإمكان أن أحفظ ما فيها. ولكن ثمة ثلاثة أسباب أو أربعة رئيسية لفتت نظري في معرض المعطيات التي ساقتها الورقة حول أسباب التوجه للإخوان: أولها أن الإخوان لديهم جذر ثقافي كبير في الأرض، ولديهم قاعدة تصويتية عريضة، وأنهم في حالة عداء مع القومية العربية وفكرة التقدمية مثل عبد الناصر وغيره ، وأنهم لديهم رصيد لدى الناس لأنهم يقدمون خدمات كثيرة لهم !! استدعاء السفيرة «آن باترسون» من باكستان لدعم الإخوان ثم أصبحت خطوط الاتصال «ساخنة» بين حماعة الإخوان المسلمين، ووكالة الاستخبارات الأمريكية « CIA » بعد الثورة المصرية 25 يناير 2011 ، وظهور الجماعة على الساحة باعتبارهم الفصيل المنظم الأوحد، وكانت المخابرات الأمريكية تراقب الوضع، وتحاول أن تحتويه لأن وضع مصر استراتيجي بالنسبة لهم!! ولذلك لم تجد الإدارة الأمريكية أفضل من السفيرة «آن باترسون» لتكون العين الرسمية والسحرية للولايات المتحدة في مصر، فتم استدعاء المرأة الحديدية من باكستان لتأتي إلى القاهرة بعد رحيل السفيرة التقليدية «مارجريت سكوبي» . وفور دخول «آن باترسون» مقر السفارة قامت بترتيب لقاء بين نائب وزير الخارجية الأمريكي «بيل بيرنز» والدكتور محمد مرسي رئيس حزب الحرية والعدالة في يناير/ كانون الثاني 2011 وكان هذا اللقاء المباشر هو الأعلى في المستوى بين الإدارة الأمريكية وجماعة الإخوان المسلمين !! وكانت «باترسون» أنشط سفراء الغرب في متابعة الانتخابات الرئاسية، وكانت «مكوكا» لا يهدأ بين مختلف الدوائر الانتخابية !!«لوبي» إخواني قوي داخل الإدارة والخارجية الأمريكية وكان واضحا ـ أيضا ـ أن التنظيم الدولي للإخوان يقف بالدعم وراء الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، منذ بداية حملة الانتخابات الرئاسية .. وهنا تتكشف حقائق أخرى على لسان الدكتور وليد فارس ــ الأمين العام للمجموعة الأطلسية النيابية، وكبير الباحثين في «هيئة الدفاع عن الديمقراطيات» في الولايات المتحدة الأمريكية، ومستشار الكونجرس في الإرهاب ــ ويضع النقاط فوق الحروف، لتوضيح مسار العلاقات بين إدارة أوباما وتنظيم الإخوان في مصر، وعن وجود «لوبي» إخواني قوي داخل الإدارة والخارجية الأمريكية !! ويقول «فارس» ، إن تنظيم الإخوان يمتلك «لوبي» في الغرب بشكل عام وفي الولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص، قامت بتغذيته الأموال النفطية منذ عشرات السنين، ولكن في السنوات الأخيرة من إدارة الرئيس «بوش الإبن» تمكن هذا اللوبي من أن يمد جسورا إلى حملة السيناتور «اوباما» في تلك المرحلة ، وعندما جاء رئيسا كان هناك بعض المستشارين في الإدارة الأمريكية من القريبين إلى اللوبي الإخواني، وكانوا في الجامعات، وفي الخارجية الأمريكية، ويعملون فيها كمستشارين، وكذلك في بعض المؤسسات الأكاديمية ومراكز الأبحاث. والقصة مفتوحة..وفصولها تتداعى حتى هذه اللحظة !!
مشاركة :