زيارة قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال كينيث ماكينزي إلى لبنان حملت في جرابها رسالة طمأنة عن استمرار المساعدات للجيش اللبناني، في ظل الجدل المثار في أروقة الكونغرس من جدوى وقفها، ولا تخلو هذه الزيارة وفق المراقبين من رسائل تحذيرية من مخاطر استمرار احتفاظ حزب الله بسلاحه على لبنان. بيروت- حملت زيارة قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال كينيث ماكينزي إلى لبنان الأربعاء، دلالات عدة لاسيما مع تصاعد الضغوط في داخل الكونغرس الأميركي مطالبة بقطع المساعدات عن الجيش اللبناني. وهذه رابع زيارة لماكينزي إلى لبنان منذ العام 2019، والتقى خلالها بمسؤولين عسكريين وسياسيين لبنانين في مقدمتهم رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي أشاد بالتعاون العسكري بين البلدين، داعيا إلى تطويره. وتتزامن زيارة ماكينزي التي استغرقت يوما واحدا، مع اقتراب الذكرى الثالثة لعملية “فجر الجرود” التي أطلقها الجيش اللبناني ضد تنظيم الدولة الإسلامية في المنطقة الحدودية مع سوريا. وأثنى عون خلال استقباله لقائد القيادة المركزية الأميركية، على الدعم الذي قدمته الولايات المتحدة للجيش اللبناني في تلك العملية. من جهته أكد ماكينزي استمرار دعم القيادة العسكرية الأميركية للجيش اللبناني “الذي يدافع عن استقلال البلاد وسيادتها”. ولفت إلى القدرات المميزة التي يتمتع بها الجيش اللبناني في مختلف المستويات القتالية والتدريبية، ويعززها التدريب الجيد والمتواصل. وتقول أوساط سياسية إن زيارة ماكينزي وما رافقها من تصريحات من قبله تشدد على استمرارية التعاون مع الجيش اللبناني، هي رسالة واضحة بأنه لا نية لقطع الدعم عن المؤسسة العسكرية في لبنان أقله على المدى القريب، رغم الجدل المثار حول ذلك في الكونغرس. ويعد ماكينزي أحد أبرز المتحفظين على دفع بعض صقور البيت الأبيض وأعضاء من الحزب الجمهوري في الكونغرس إلى قطع المساعدات عن الجيش اللبناني. وسبق وأعلن ماكينزي في يونيو الماضي عن رفضه لوقف تلك المساعدات، مشددا على أن العلاقة الأميركية مع المؤسسة العسكرية في لبنان “هي لموازنة قدرات ميليشيا حزب الله”. ويسيطر حزب الله المصنف تنظيما إرهابيا لدى الولايات المتحدة ودول أخرى غربية وعربية على الوضع الداخلي في لبنان بفضل ترسانته العسكرية التي نجح خلال السنوات الأخيرة في تعزيزها في ظل تقارير استخبارية تتحدث عن أنه بات يمتلك أسلحة دقيقة. وترى دوائر أميركية أن استمرار الدعم للجيش اللبناني، لا يؤتي أكله في ضوء تزايد قوة حزب الله ونفوذه على الساحة اللبنانية، مشيرة إلى أن الجيش سبق وتعاون مع حزب الله المسنود إيرانيا في محطات عديدة آخرها على الحدود السورية اللبنانية، وهو يغض الطرف عن تحركات عناصر الأخير في تلك الجهة، وبالتالي فإن وقف هذا الدعم بات ضرورة. وكانت لجنة الدراسات في الحزب الجمهوري في مجلس النواب الأميركي طرحت في يونيو الماضي رؤيتها الموسعة للسياسة الخارجية الأميركية تجاه ما تعتبره الدول المعادية “إيران وروسيا والصين”. وركزت ورقة لجنة الدراسات على النظام الإيراني ووكلائه في لبنان، حيث أوصت بفرض عقوبات على قادة لبنانيين متحالفين سياسيا مع حزب الله، بالإضافة إلى قطع المساعدات عن الجيش اللبناني. وسبقت هذا الطرح مبادرات برلمانية أخرى لعل من بينها مشروع تقدم به السيناتور تيد كروز والنائب عن نيويورك لي زيلدين لمواجهة حزب الله، ويقترح المشروع حجب 20 في المئة من المساعدة العسكرية الأميركية للجيش اللبناني، ما لم يتمكن الرئيس اللبناني من إثبات أنه يتخذ الخطوات اللازمة من أجل إنهاء نفوذ حزب الله. ويرجح مراقبون أن يكون ماكينزي قد ركز خلال لقائه الأربعاء مع عون، على المخاطر التي يشكلها استمرار حزب الله في الاحتفاظ بسلاحه لاسيما على لبنان، الذي يواجه أزمة مالية واقتصادية خانقة تهدد بانهياره في ظل عزوف المجتمع الدولي عن مساعدته. وطالت هذه الأزمة حتى الجيش اللبناني، حيث أعلنت قيادة الجيش مؤخرا عن قرارها بحذف اللحوم من قائمة الطعام المقدمة للعسكريين. ويعد الرئيس عون الذي يتولى أيضا منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة اللبنانية، أحد أبرز حلفاء حزب الله السياسيين، وسبق وأن دافع مرارا على الحزب في المحافل الإقليمية والدولية، وهو ما يجعل من الصعب الاعتقاد بأن الرئيس ومن خلفه تياره الوطني الحر، من الممكن أن يقدما على خطوات حقيقية لناحية الضغط على حزب الله بشأن سلاحه. تتزامن زيارة ماكينزي التي استغرقت يوما واحدا، مع اقتراب الذكرى الثالثة لعملية “فجر الجرود” التي أطلقها الجيش اللبناني ضد تنظيم الدولة الإسلامية في المنطقة الحدودية مع سوريا ويقول مراقبون إن سلاح حزب الله قضية تتجاوز بعدها المحلي إلى الإقليمي والدولي، وبالتالي فإن حلها داخليا أمر بمنتهى الصعوبة، كما أن خيار قطع المساعدات عن الجيش اللبناني قد تكون له مفاعيل عكسية لجهة إمكانية استثماره من قبل حزب الله لتعزيز دعايته التي تقول إن ما يتعرض له لبنان اليوم هو مؤامرة لا تستهدف فقط “محور المقاومة” بل لبنان والشعب اللبناني. وقال الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله في كلمة متلفزة مساء الثلاثاء على شاشة قناة “المنار” التابعة للحزب “إن السياسة التي تتبعها أميركا تجاه لبنان الآن هي سياسة الخناق والحصار والعقوبات وهي لن تضعف حزب الله بل تقويه وتضعف حلفاء أميركا”، مضيفا “إن حزب الله لن يستسلم والمقاومة لن تستسلم”. وأعاد نصرالله مطالبة الدولة اللبنانية بتنويع خياراتها الخارجية من خلال التوجه شرقا، مقدما جملة من الإغراءات من بينها التدخل لدى طهران لاستيراد النفط ومشتقاته بالليرة اللبنانية في ظل شح الدولار، وهذا الأمر سارع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو للرد عليه بالقول إن بلاده تحاول “منع إيران من بيع النفط الخام لحزب الله”، داعيا كل الدول إلى التحرك وتصنيف الحزب منظمة إرهابية.
مشاركة :