غزة - أجبر فنان تشكيلي من غزة على التنقل بلوحاته في الأسواق الشعبية على أمل أن يروج لبيعها، فيما اضطرت الظروف الاقتصادية الصعبة مالك متحف للآثار إلى عرضه للبيع. ويشكل ذلك انعكاسا لحدة تدهور الحياة الفنية والتراثية في قطاع غزة الذي يقطنه زهاء مليوني نسمة والمحاصر إسرائيليا منذ 13 عاما ويعاني من فقر مدقع ومعدلات بطالة قياسيّة. يقول الفنان التشكيلي عمار أبوشمالة، وهو في مطلع الثلاثينات من عمره، إن آخر ما كان يفكر فيه احتمال أن يضطر إلى عرض لوحاته في أسواق شعبية بسبب ندرة الإقبال على شرائها. ويعتبر أبوشمالة أن ما وصل إليه حاله مرآة للظروف الاقتصادية والاجتماعية بالغة السوء في قطاع غزة وانعكاساتها الكبيرة على مهنة الفن “التي يصعب جدا أن توفر لقمة العيش في هكذا ظروف”. وهو يجوب بلوحاته أسواقا شعبية رئيسية تقام بشكل أسبوعي في غزة لعرض لوحات ورسومات فنية، تحتوي على المناظر الطبيعية والبحار ومشاهد من الحياة الفلسطينية، للبيع؛ علما أن تنظيم معارض مختصة يعد أمرا نادر الحدوث في القطاع. ويقول أبوشمالة إن سوء اقتصاد غزة يدفع السكان إلى البحث عن الأولويات الخاصة بالحياة الأساسية لكنه مضطر إلى السعي خلف أي بدائل ولذلك لجأ إلى فكرة معرض متنقل في الأسواق يحمل اسم “صورة وتذكار”. ويشير إلى أن العشرات من اللوحات تكدست في منزله دون إقبال ما دفعه إلى عرضها في الأسواق لعل ذلك يكون فرصة لإطلاع السكان على أعماله الفنية التي أنتجها يدويا بالألوان الخشبية والمائية. ويتراوح ثمن اللوحة الواحدة التي يعرضها أبوشمالة بين 10 و20 دولارا أميركيا، وهو يؤكد أن هذا السعر في المتناول ولكن قلة الإمكانيات لدى سكان القطاع وشراء اللوازم الأساسية يجعلانه مرتفعا. بموازاة ذلك فإن خيارات عمر بنات، وهو في الخمسينات من عمره، صارت معدومة أكثر بعد أن أجبره سوء الأوضاع الاقتصادية على عرض مقتنيات متحف شخصي أقامه في غزة على مدى سنوات للبيع الكامل. ويقول بنات، إن قرار بيع متحفه الذي عمل على تأسيسه قبل أكثر من 30 عاما لم يكن سهلا عليه لكنه أجبر على ذلك تحت وطأة الحاجة إلى إعالة أسرته في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة في غزة. ويضم متحف بنات مجموعة كبيرة من قطع الآثار والتحف الفنية التي يعود بعضها إلى عشرينات القرن الماضي وأصبحت جميعها معروضة للبيع، وهو ما يعتبره أصعب قرار يتخذه في حياته. ويشير إلى أنه رغم القيمة التاريخية لمحتويات متحفه، أجبره ضعف الإقبال الرسمي والشعبي عليها وانعدام قدوم السياح الأجانب إلى قطاع غزة بحكم الحصار الإسرائيلي على إعادة النظر في جدوى وفائدة المشروع. ويقول الرجل بنبرات من الحسرة إن “غزة مغلقة منذ سنوات طويلة، والسياح لا يأتون إلينا ولا توجد حركة بيع خارج النطاق المحلي وهو أمر نادر في ظل مصاعب الناس وانتشار الفقر في صفوفهم”. ويضيف أن “كل قطعة أثرية أو تحفة فنية في متحفي لها قصة ارتبطت بصاحبها وزمنه الذي مضى وقد حاولت عبر مشروع المتحف إعادة قيمة التاريخ، لكن بينما يقال إن التاريخ لا يرحم فإن الواقع كذلك أصعب”. وتفرض إسرائيل حصارا مشددا على قطاع غزة يتضمن قيودا على حركة الأفراد والبضائع منذ سيطرة حركة المقاومة الإسلامية “حماس” على الأوضاع فيه بالقوة منتصف عام 2007. وبحسب بيانات صادرة عن وزارة التنمية الاجتماعية في قطاع غزة فإن نسبة الفقر في قطاع غزة وصلت إلى ما يقارب 75 في المئة وهي نسبة تعد الأعلى على مستوى العالم من حيث الاكتظاظ السكاني. ومع نهاية العام الماضي شكل قرار سلطات حركة حماس الحكومية دمج وزارة الثقافة في غزة ضمن وزارة التربية والتعليم شاهدا على ضعف الاهتمام الرسمي بالبعد الثقافي وأهميته، بما في ذلك تقديم الدعم للفنانين في مختلف المجالات. ويقر وكيل وزارة الثقافة في غزة أنور البرعاوي بأن غياب رمزية المكان لوزارة الثقافة بمثابة اعتداء على أهمية الوزارة ودورها في التعبير عن الشخصية والهوية الفلسطينيّتيْن. ويشدد البرعاوي على الحاجة الماسة في غزة إلى دعم الحركة الثقافية بكافة أشكالها انطلاقا من أهمية ذلك ودوره في إثبات الهوية والرواية الفلسطينية التاريخية في سياق الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي. ويضيف أن الواقع الثقافي في غزة صعب للغاية وهو بحاجة إلى روافع وطنية تعزز حضوره وقيمته في وعي الأجيال الفلسطينية، ما يتطلب تكاملا في الأدوار بين دعم القطاع الرسمي والأهلي في إطار الدفع بالموازنات والخطط الإستراتيجية.
مشاركة :