الدعاة وتحديات المرحلة - الشيخ عادل الكلباني

  • 7/12/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

على الدعاة والمشايخ والعلماء استشعار الخطر وأنهم قد يكونون الجزء الأكبر من صلاح المجتمع، كما أن العالم أو الداعية أو الشيخ قد يكون الجزء الأكبر من المشكلة، فخطواتنا وأقوالنا وأفعالنا وأساليبنا محسوبة بدقة في نظر المجتمع، فمتى اختلفنا وتباغضنا وتهاجرنا اختلف المجتمع وتباغض وتهاجر، ومتى تشددنا تشدَّد من اتبعنا تشهد المنطقة والعالم ولاسيما الوطن العربي اختلافات سياسية واقتتالات طائفية، سالت على إثرها دماء، وانتهكت أعراض، ودمرت بلاد، وتشرد ضعفاء وأطفال ونساء. وليست بلادنا بمنأى عن هذه الاضطرابات، وقد ذاقت جزءا من هذه الويلات، وما زالت تعاني من فئة ضلت طريق الهدى، وتعامت عن طريق الرشاد. ومع هذا فإن هذه البلاد المباركة تبقى مئرزا للإيمان، وموئلًا يلجأ إليه كثير من الفرقاء، وجسرًا يصل بين المختلفين من الأشقاء، وكما أن المملكة -وسائر دول الخليج العربي- قبلةً للأشقاء في كثير من الأصعدة فهو -أي الخليج- وخاصة المملكة العربية السعودية قبلة أيضًا عند كثير ممن يختلفون في مسائل الدين والفقه، وينشأ عن هذا تحديد مسار كثير من التوجهات والجماعات، وإن كان هذا ليس مطّرداً وليس لازما، إلا أنه أمر واقع، فدعاة المملكة خاصة، هم من يعلو ويغلب صوتهم على الساحة الدعوية في الوطن العربي والعالم، ويرجع ذلك لأمور كثيرة منها الإمكانات المتاحة لدعاة الخليج في تنوع وامتلاك كثير من وسائل الدعوة، وأيضاً يرجع الأمر إلى الموقع الجغرافي المميز، حيث يجاورون أو يسكنون مكة والمدينة مهبط الوحي ومنشأ الرسالة المحمدية، ومن ذلك وجود الكبار من أهل العلم والدعوة، وتميز هذه البلاد بقادة يتغنون بالإسلام في كل مناسبة، ويفاخرون به ويحتكمون إليه. إذن فالأمر يختلف عن سائر دعاة العالم، والمهمة الملقاة على عواتقهم أكبر من غيرهم، وهم أهلٌ لحمل هذه المهمة بما درسوه وعرفوه من سيرة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم من مهدهم، وفيهم العلماء الكبار ومراكز الدراسات التي يعتمد عليها العالم الإسلامي في معاملاته وسائر شؤون حياته. ولاشك أن أعداء هذه الأمة يتخذون من اختلاف أهل العلم والباحثين في الشريعة قاعدة ينطلقون منها لتفكيك الأمة والتفريق بين شبابها، حتى يصل الأمر بين كثير من الشباب بل والعلماء والمشايخ والدعاة إلى تنفير بعضهم من بعض، وهجر بعضهم بعضًا، وينسحب ذلك على أتباعهم ومقلديهم في سائر الدول، وقد مر بنا من ذلك كثير، حتى تدرج الأمر لنشر مثل هذه التفاهات على القنوات الفضائية، بل أنشأت قنوات ليس لها من عمل سوى التنقص من الدعاة والمصلحين، فإذا طل عالم أو شيخ على قناة تأتيه الأسئلة من الشباب المختلفين  ما رأيك في فلان، وما قولك في فلان!؟ وربما جاء الجواب كزيت صب على نار فزادها اشتعالا، فتنتشر الفرقة بين شباب الأمة، وأصبح المنتسبون إلى الدعوة جماعات تنتسب إلى أشخاص، وكلّ يتخذ له عادات ومواصفات يعرف بها، فإذا بالعامة من الناس يصنفون هذه الجماعة جماعة فلان وجماعة فلان، كل هذا يمثل قاعدة لأعداء الأمة ينطلقون منها لبث سمومهم بيننا، ولا أعني بذلك اجتناب سنة الله في الخلاف فالخلاف حاصل من قديم، وهذا ميزة للفقه الإسلامي، وإنما أعني ترشيد الشباب الإسلامي وتوجيههم إلى آداب الخلاف وحسن التعامل مع الرأي الآخر، وهذا من حيث التنظير سهل لكننا نفتقر منه في الواقع العملي، وهذا ما دعاني لكتابة هذا المقال، إذ إن الوقت يتحتم علينا فيه بذل كل الجهود لرأب الصدع، ولم الشتات، وتنوير الشباب بكل الوسائل المتاحة، وعدم الاكتفاء بالطرق التقليدية والعادات الدعوية التي ربما لم تعد تتناسب مع طموحات شباب العصر، ولا تملأ الفراغ الروحاني بين صفوفهم، ولا تنحو بهم إلى الطريق السوي الذي من شأنه حمايتهم من الدعوات المتطرفة ومن السبل المنحرفة، وهذا يتطلب آلية جديدة وخطوات عملية خارج المعتاد. إن دعاة الخليج يملكون ما لا يملكه غيرهم، وهذا من فضل الله تعالى عليهم من حيث الماديات، وفي الجانب العلمي أيضًا -وإن كان العلم لا يقتصر على مكان دون مكان- لكن نريد أن نستثمر ما عندنا بمضاعفة الجهود وتنوع الوسائل، والبحث عن طرق يختلط الدعاة فيها بعامة الناس حتى لا يكون هناك هوة بينهم تمنعهم من إيصال ما لديهم، فالطرق التجديدية كثيرة، بل كثيرة جدًا، لكن هناك شيء لا يستطيع كثير من الدعاة الإفصاح عنه يجعلهم مقيدين بوسائل وأساليب لم تعد صالحةً في عصر الرقميات واكتساح الفضاء، فلابد من اجتماع دعاتنا ومشايخنا وعلمائنا اجتماعًا فعليًا وحسيًا يناقشون فيه وبشفافية وصراحة أساليب تواصلهم مع الجماهير، ويراجعون ما يستطيعون مراجعته من أفعال وأقوال وعادات بل وآراء فقهية قد يكون لها تعلق بنفرة كثير من الشباب عن دعاتهم وعلمائهم، وليس عيبًا أن نغير من عاداتنا وأساليبنا بما يتوافق مع عصرنا وشبابنا. فهذه دعوة لاجتماع دعاة ومشايخ الخليج ومناقشة الأسباب التي تجعل كثيراً من الشباب يتطرف أو ينحرف أخلاقيًا متبعًا شهواته بغير مراقبة ولا حياء، ونقف أولاً عند أخطائنا وتقصيرنا وأساليبنا وأقوالنا وأفعالنا، فلابد أن تكون فيها المرونة والتوافق الكافي لإيصال رسالة إلى شبابنا وإلى العالم أجمع، والساحة ليست ساحتنا فحسب، فهناك دعاة آخرون كما أخبر عنهم نبينا صلى الله عليه وآله وسلم أيضًا، وهناك مبدعون من الناس لهم جماهير عريضة سواء من ممثلين أو لاعبي كرة أو أو أو. لا ينبغي للدعاة معاداة هوايات الشباب بل لابد من استثمارها وتأطيرها في الإطار المباح، وإشعار شباب الأمة أن ديننا يسعهم ويسع طموحاتهم وآمالهم، وأن التضييق والتطرف والتشدد كل ذلك ليس من ديننا، إنما هو عمل يلجأ إليه المضطربون نفسياً، كل ذلك يوجب على الدعاة في الخليج خاصة، لأن بلادهم هي المستهدفة، والخطر عليها قائم ومهدّد، وأبناؤها هم أكثر وقود الفتن، وحاملو رايات الخروج على الأئمة بحجة الجهاد، ونصرة الدين. يحتاج كل ذلك إلى الاجتماع تحت سقف واحد لمناقشته وبذلك نزيد من روح الترابط والإخاء أيضًا بين المجتمع الخليجي وهو المجتمع المستهدف من أعداء الأمة. على الدعاة والمشايخ والعلماء استشعار الخطر وأنهم قد يكونون الجزء الأكبر من صلاح المجتمع، كما أن العالم أو الداعية أو الشيخ قد يكون الجزء الأكبر من المشكلة، فخطواتنا وأقوالنا وأفعالنا وأساليبنا محسوبة بدقة في نظر المجتمع، فمتى اختلفنا وتباغضنا وتهاجرنا اختلف المجتمع وتباغض وتهاجر، ومتى تشددنا تشدَّد من اتبعنا، وقد يتجاوزنا إلى غيرنا من جماعاتٍ متطرفة تتلقفه، وتقوده إلى المهالك، ومتى تآلفنا وتحاببنا ويسرنا تآلف المجتمع وتحابب. كل ذلك لأن مجتمعاتنا مجتمعات متدينة في فطرتها، وهي تنظر أول ما تنظر إلى رجل الدين والعلم والدعوة، فتتشكل الجماهير بتشكل العلماء والدعاة والوعاظ.. والله من وراء القصد.

مشاركة :