خطيب المسجد الحرام: عودة الحياة لطبيعتها لا تتعارض مع الاحتياط والحذر

  • 7/10/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

قال الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس،   إمام وخطيب المسجد الحرام،  إنه في ظل عودة الحياة لطبيعتها بعد أن جثمت جائحة كورونا على العالم كأمواج البِحَارِ الهادرة، وأرخت سدولها القاتمة على البشرية بأنواع الإصابات والوفيات؛ ابتلاءً وامتحانًا، وتمطت بصلبِها، وأردفت أعجازها، وناءت بكلكلها، واليوم بحمد الله وفضله ومَنِّهِ وكَرِمِهِ تكاد تنجلي بالشفاء والتعافي.اقرأ أيضًا..خطيب المسجد الحرام: من باع نفسه لله اشتراه وجعل ثمنه جنته ورضاه وأوضح «السديس» خلال  خطبة الجمعة اليوم بالمسجد الحرام بمكة المكرمة، أن هذا لا يتعارض البتة العودة باحتياط وحذر، والرجوع بمسؤولية واحتراز، والأخذ بالأسباب الوقائية، قال الله عزوجل:«يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ»، وقال سبحانه:«وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا»، وقال جَلَّ وعلا:«وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ». هذه التباشير قد لاحت مطالعها فليسعد القوم في حمد وتكبيروالشكـر لله في الأولى وآخرة ثم للولاة على فهـم وتدبير.اقرأ أيضًا..احذر .. 9 أمور تحدث لك في الدنيا عندما تفعل خطيئة أو ذنبوأضاف أن من فضل الله سبحانه وعظيم آلائه التي تلهج بها الألسن ابتهالًا، ودعاءً وشكرًا وثناءً، ما منّ الله به على هذه البلاد المباركة من الاجتهاد المحمود المشكور في الأخذ بالأسباب الدينية منها والدنيوية، وما وُفِّق إليه ولاة الأمر من أخذ التدابير الوقائية، والقرارات الحازمة الاحترازية؛ لصد سلبيات هذه الجائحة عن هذه البلاد المحروسة. وتابع: فكان درسًا عمليًا في فن إدارة المخاطر، وسرعة التكيف مع الأزمات، وثَمَّة مَلْمَحٌ يَحسُن التَّنبيه إليه، خاصة في هذا الأوان، ألا وهو: أن التوقي من الأوبئة والأدواء هو من الأخذ بالأسباب التي حثت عليها شريعتنا الغراء، فلتكن عودتنا لشؤون حياتنا بحذر، مع التقيد التام بالإرشادات الطبية، والإجراءات الاحترازية، والتدابير الوقائية. وواصل: والشكر موصول للجهات الأمنية والصحية وللعموم على الوعي والتجاوب الأخّاذ، مع أن في الناس مجازفين ومتهورين ومستهترين، ومن يستغلون الأوبئة للترويج للشائعات والافتراءات، ومن يقتاتون على فتات الأحداث بالغش والمخالفات، لا يردعهم إلا الحزم والعزم والحسم، ألا فاتقوا الله عباد الله في أنفسكم، وصحتكم، وصحة والديكم، وأسركم، وأبنائكم، ومجتمعاتكم، وأوطانكم، فمسؤوليتنا تجاه أوطاننا وقاية مجتمعاتها، ورعاية أمنها الصحي.وأشار إلى أن الجوائح تَكُونُ ثم تَهُون، وكم من أوبئةٍ حَلَّتْ ثم اضمحلَّتْ، وها هي بفضل الله البشارات تتوالى بانكشاف الغُمَّة التي ألَمَّتْ ، وكم آلَمَتْ. ولكن لا تخلو المصائب والمآسي والأحزان، من مِنَنٍ يُدركها أهل الإيمان، وكم في هذه المِحنة الكُورُونِيَّة من مِنَحٍ، ودُروسٍ وعِبَرٍ تُستمنَح، ومن فواتح تلك المِنَح: تحقيق التوحيد الخالص لله تعالى. واستشهد بما قال سبحانه:«وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ»، ثم المنحة الثانية: تعبئة الإيمان المُزهِرْ، واليقين المُمهِر، بقضاء الله وقدره، فيما ذرأ من خلقه وكونه، وذلكم هو النور الوضَّاح، الذي يسير به المؤمن حال نزول الكُرُوب الفِدَاح، ثم كانت المنحة الثالثة: تلك الإشراقة السامية للجوهر النفيس من جواهر الشريعة الخالدة، وهي حُرْمة النفس البشرية؛ التي كرَّمها الله وشرَّفها، ونوَّه بها في عظيم خِطابه، فقال عزَّ من قائل: «وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا».وأفاض:  فكان المنهج الإسلامي الوضَّاء في مواجهة الأمراض والأدْواء، أنموذجًا فريدًا، ومثلا يُحتذى، في الوقاية ابتداءً، ثم العلاج والحجر الصحي انتهاءً، كما أبان لنا هذا المنهج السامي في خِضمِّ هذه الجائحة مِنحةً رابعة وهي: أن الخوض والنظر في النوازل والمستجدات، واستكناه المغبّات فيها والمآلات، معقود بأهل العلم الراسخين، والفقهاء النابهين، وذوي الحجى النابغين «وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ» الذين لايصدر رأيهم إلا عن التريث والتشاور، والتباحث والاجتماع، لا عن الزهو والأحادية، وحب الشهرة والظهور والاندفاع.وأكد أنه لا مجال للمتعالمين والمتطبِّبِين، بعله المشعوذين والدَّجَاجِلَة، ومعًا محترزون، وجميعا حَذِرُون، ولكنَّا مسؤولون، وحَقًا مُنتصرون، منوهًا بأنه فيما نستبصر به خامسًا: أن تعي الأمة مكانة أوطانها ومسؤولياتها تجاه مجتمعاتها، خاصة في المجالين الأمني والصحي، وما عُمِّرت الأوطان بمثل رفرفة راية العقيدة الإسلامية الصحيحةِ على جنباتها، وتحكيمِ الشريعة على أرضها وأهلها، ثم التلاحمِ الوثيق بين رعيتها ورُعَاتها، وإعزاز القِيَم والفضائل، وإقصاءِ المخالفات والرذائل.ونبه إلى أن الذنوب والمعاصي تقضُّ المضاجع، وتَدَعُ الدِّيارَ بلاقع. والوطن مسؤولية وأمانة في أعناقنا جميعا، فلنحافظ عليه، ولتكن عودتنا لشؤون حياتنا بحذر، مع التقيد التام بالإرشادات الطبية، والإجراءات الاحترازية، والتدابير الوقائية، وإنه لابد من التعاون الدولي، والتنسيق العالمي، للتصدي لهذه الجائحة الخطيرة، أسوة بما تقوم به هذه البلاد المباركة.ولفت إلى أن من أعظم المِنَحِ التي أظهرتها هذه المحنة الكورونية: أن الوعي التام، والتثقيف العام أمانة شرعية، ومسؤولية خُلُقية، وضرورة اجتماعية، وقيمة حضارية، لا تزيد الأمَم إلاَّ تحضُّرًا وعلوَّا، ورُقِيًّا ونُموَّا، لذا لزم أن نعزز هذا الوعي لدى فَلَذَاتِ الأكبادِ والأجيال، في المعاهد والجامعات، والمَدارس والكُلِّيَّات، وثَمَّة ثمرة يانعة من أعظم الثمرات التي أظهرتها المحنة وهي: الوحدة الدينية، والأُخُوة الإسلامية والبعد الإنساني العالمي، حيث تلاشت الأهواء الشخصية، والأطماع الدنيوية، وظهر التعاون والتآزر، والتضامن والتكافل فكان الجميع على قلب رجل واحد.وأكمل:  فتلألأت في الآفاق مقاصد قول الله تعالى:«إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ»، وقوله عزوجل:«يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ»، وكان الواقع العملي تجسيدا للمعنى القرآني:«وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ»،وهذا دأب وديدن بلاد الحرمين الشريفين حرسها الله مع أبنائها خصوصا، ومع المسلمين وقضاياهم عموما، والإنسانية كافة، وسعيها في تحقيق الأمن والسلم الدوليين، وما مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية إلا أنموذج مُشْرِقٌ لمواقف هذه البلاد المباركة، وحرص ولاة أمرها على نُصرة قضايا الإسلام والمسلمين في كل مكان، ودعم الأعمال الإغاثية والإنسانية، فأعماله مذكورة ، وجهوده مشكورة، وعند النَّصَفَةِ غير مَنْكُورة، مما يتوجب تأييده ومساندته، في أداء رسالته الإغاثية والصحية والإنسانية.ونوه بأن من معاقد القول الموطدة، وحقائقه المؤكدة، ما شرّف الله به بلاد الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية من خدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما وخدمة ضيوف الرحمن والمشاعر المقدسة، ومن هنا يأتي القرار الصائب الحكيم في إقامة مناسك الحج محدودة الأعداد؛ جمعًا بين الحُسْنَيَيْنِ في أمرين مهمين هما: إقامة شعيرة الإسلام، والحفاظ على أمن وصحة وسلامة ضيوف الرحمن، عملًا بالأدلة الشرعية، والتزامًا بالمقاصد المرعية في الحفاظ على النفس البشرية.وشدد على أن من القواعد الشرعية: جلب المصالح ودرء المفاسد، وإزالة الضرر، والحفاظ على النفس البشرية، وعدم تعريضها للوباء والخطر، «وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا»، فهذه الدولة المباركة تجعل من صحة الإنسان أولى أولوياتها، وأدق اهتماماتها، والحج شعيرة الدين وشرف الدولة، وقد لقي هذا القرار الموفق السديد، الترحيب والتأييد الإسلامي والعالمي، ولله الفضل والمنة، فالواجب على الجميع التجاوب مع هذا القرار الحكيم؛ حفاظًا على صحتهم وسلامتهم، فنعم القرار، ونعم متخذوه، ونعم المتجاوبون معه.واختتم بالدعاء للمسلمين بأن يمن الله عليهم بالأمن والأمان، وأن يحفظ بلاد الحرمين الشريفين وبلاد المسلمين، وأن يوفق ولاة الأمر لما يحب ويرضى .

مشاركة :