بات الاتحاد الأوروبي على قناعة من أي وقت مضى بأن لهجة التحذير والتلويح بالعقوبات لم تعد تجدي نفعا مع تركيا التي تواصل خرق كل المواثيق البحرية الدولية في شرق المتوسط. وأمام تعنت أنقرة تدفع مؤسسات التكتل الأوروبي باتجاه إعادة التفكير في استراتيجيات كبح العبث التركي في المنطقة البحرية الأوروبية. بروكسل - أفادت مجموعة حزب الشعب الأوروبي، أكبر مجموعة سياسية في البرلمان الأوروبي، بأن الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه قد يحتاجون إلى نشر قوات بحرية في البحر المتوسط إذا استمرت تركيا في انتهاك السيادة القبرصية واليونانية على مياهها الإقليمية، في رسالة مفادها أن الصبر الأوروبي على الاستفزازات التركية لن يتواصل أكثر. وقالت المجموعة في بيان إن دبلوماسية تركيا بالسفن الحربية تزيد من حدة التوتر في البحر المتوسط وتهدد استقرار المنطقة، ما ينذر بتبدل المزاج الأوروبي المعتمد إلى حدّ الآن على الدبلوماسية في مواجهة الاستفزازات التركية لقبرص واليونان. وتواصل أنقرة انتهاك المواثيق الدولية البحرية بالتنقيب عن الغاز قبالة سواحل نيقوسيا وأثينا، فيما تحرس سفن حربية تركية عمليات التنقيب، ما اعتبرته قبرص واليونان اللتان تعترضان على التنقيب في مياههما الإقليمية “عربدة” غير مقبولة. واعتبر مراقبون دوليون أن استنتاجات أكبر مجموعة سياسية في البرلمان الأوروبي تتخذ طابع التوصيات، ما يشير إلى إمكانية تولي القوات الأوروبية مهمة دفع السفن الحربية التركية خارج المجال البحري الأوروبي. وقال رئيس المجموعة مانفريد ويبر، إن تركيا شريك مهم لأوروبا، لكن أفعالها التي تشمل انتهاك المجال الجوي اليوناني والهجمات على الحدود اليونانية والتنقيب “غير القانوني” في المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص ليست أمثلة على الشراكة البناءة. وأضاف ويبر “على العكس من ذلك، فإن تصرفات الحكومة التركية تزيد من حدة التوترات في منطقة البحر الأبيض المتوسط في الوقت الحالي، مما يعرض الاستقرار والأمن في أوروبا للخطر”.وتابع “يجب أن نكون مستعدين لبذل المزيد لحماية أنفسنا من العدوان التركي على حدودنا الجنوبية”. وترفض الحكومة التركية الاتهامات بأنها تثير التوترات في المنطقة، قائلة إن لها الحق في استكشاف الهيدروكربونات قبالة قبرص، لكنها “تستخدم جيشها لحماية حدودها مع اليونان عبر بحر إيجة”. وقال حزب الشعب الأوروبي إن تركيا هددت بتكرار الإجراءات في مارس الماضي، حيث فتحت حدودها البرية الشمالية الغربية مع اليونان لتدفق اللاجئين، وأكد أنها تخطط للتنقيب في المجال البحري اليوناني قبالة جزيرة كريت. وجاءت التصريحات الأوروبية أثناء نقاش في البرلمان الأوروبي بعنوان “الاستقرار والأمن في منطقة البحر المتوسط والدور السلبي لتركيا”، والذي من المتوقع أن ينتهي في قرار من المشرعين. وترجح مصادر أن يتم خلاله زيادة حدة العقوبات على أنقرة بانتظار بلورة استراتيجية للتدخل في البحر المتوسط تحتاج موافقة قادة الاتحاد الأوروبي على التدخل حيز التنفيذ. وتعهدت تركيا هذا الأسبوع بالرد إذا فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات، دون أن تذكر ما قد يكون. وقال رئيس الوفد اليوناني للمجموعة فانجيليس ميماراكيس، “لا يمكن ابتزاز الاتحاد الأوروبي وتهديده وتوحيده ضد القادة الذين ينتهكون القانون والمبادئ والقيم الدولية”. وأضاف ميماراكيس أن “المناقشة العامة في البرلمان الأوروبي حول الاستفزاز التركي ترسل إشارة منسقة وقوية إلى الرئيس رجب طيب أردوغان بأنه تجاوز الخط وأنه إذا استمر في تحدي أوروبا، فسيكون هناك رد واحد وفوري”، في إشارة إلى التدخل العسكري. ودعا ليفتيريس كريستوفورو ميب، رئيس الوفد القبرصي للمجموعة، أوروبا إلى اتخاذ إجراءات فورية وحاسمة لوقف العدوان التركي على قبرص واليونان لحماية حدودهما، والتي كما قال، “هي حدود الاتحاد الأوروبي”. وقال كريستوفورو إن الرد على تركيا قد يتمثل في إرسال قوات بحرية لمراقبة وحماية الحدود القبرصية واليونانية. ووقعت تركيا صفقة بحرية مع حكومة الوفاق الليبية برئاسة فايز السراج في نوفمبر الماضي، تقول إنها تسمح لها باستكشاف النفط والغاز عبر مساحات كبيرة من البحر المتوسط ، بما في ذلك حول قبرص ومجاورة لبعض الجزر اليونانية، بما في ذلك كريت. واحتدم التوتر بين أثينا وأنقرة في الأشهر الأخيرة عقب إمضاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اتفاقا بحريا مع السراج في نوفمبر. وحذرت اليونان تركيا من تجاوز “الخطوط الحمراء” عقب الاتفاق الذي أبرمته مع حكومة الوفاق بشأن ترسيم الحدود البحرية بين البلدين. وأكدت أثينا أنها لن تسمح بأي نشاطات تركية يمكن أن تتعدى على الحقوق السيادية لليونان. وتشعر أثينا بالقلق من الاتفاق الذي يمنح تركيا حقوقا في مناطق شاسعة من المتوسط تم مؤخرا اكتشاف احتياطيات ضخمة من الغاز فيها. وتسعى تركيا لتوسيع حدودها البحرية نحو جزيرة قبرص المقسمة ومناطق أخرى تقول اليونان إنها تقع ضمن جرفها القاري بموجب القانون الدولي. وفي فبراير الماضي، أرسلت فرنسا حاملة طائرات إلى ميناء ليماسول القبرصي، في استعراض للقوة في النزاع بين قبرص وتركيا بشأن حقول الغاز. ويرى مراقبون أن باريس بعثت برسالة لأنقرة من خلال هذا التحرك مفادها أن هناك انسجاما في المواقف الأوروبية الرافضة لاستفزازات تركيا في شرق المتوسط وتحركاتها المريبة.
مشاركة :