تعلمنا منذ الصغر "بشكل خاطئ" الحكم على الأمور من الظاهر، ولا شك أن معظمنا قد سلط بعشوائية أحكاما قاسية على بعض الأشخاص، بناء على ملامح وشكل وجوههم أو ملابسهم أو حتى لهجتهم، كما أن الكثيرين قد حكموا علينا بالشاكلة ذاتها. جميعنا يمكن أن نكون ضحايا وممارسين لهذا النوع من التحيز على أساس المظهر الخارجي، لكن الأسوأ أن البعض قد يقضون حياتهم في عزلة إجبارية بسبب شكلهم الذي نراه نحن قبيحا، رغم أن الجمال مهما بلغ لا يمكن أن يغطي عن عيوب الشخصية. نحن نتصرف على هذه الشاكلة بناء على معتقداتنا الاجتماعية وعوامل التفضيل المكتسبة التي ترسخ في أذهاننا صورة قياسية نستخدمها عند عملية المقارنة بين الأشخاص، ومن الممكن أن تتغير هذه الصورة تباعا إذا أصغى البعض مليا لبعضهم البعض. من حسن الحظ، أن معظم الناس قد أصبحوا هذه الأيام سواسية كأسنان المشط، بعد أن تغطت أفواههم وأنوفهم بالكمامات وارتدى البعض منهم نظارات على عيونه، كإجراءات وقائية من عدوى فايروس كورونا، وبالتالي لم تعد هنالك حاجة لوضع المساحيق والإكثار من مواد التجميل لإبراز مفاتن الوجه أو إخفاء عيوبه. من المثير بالفعل، أن نرى الناس مقنعين أشبه بـ”زورو” البطل الأسطوري الذي ابتكره المؤلف الأميركي جانستون ماكولي، وإن كانت السينما قد طوت أحداث أفلام زورو على الأقل في الوقت الراهن، فإنه من غير المستبعد أن يصبح مشهد الأقنعة جزءا أساسيا من الحياة اليومية في معظم المجتمعات، إذا لم يعثر الأطباء على دواء أو لقاح لهذا الوباء. ربما الكثيرون مثلي يجدون صعوبة في ارتداء الكمامة في الشارع لساعات معددوة في اليوم، لكن ماذا عن الذين يراودهم إحساس دائم بالرفض لوجوههم، أليس بوسعنا أن نتوقف لبرهة ونفكر في حالة الاغتراب التي يعيشها هؤلاء داخل أجسادهم، وصعوبة القبول بهم بيننا، خاصة عندما يتعلق الأمر بالنظرات والنعوت والأوصاف “السلبية” التي تلاحقهم في البيت والشوارع أو في أماكن العمل، وما تلحقه بهم من أذى نفسي، إنها واقع مؤلم لا يدركه من يبحث عن العيوب في غيره ويتعامى عن عيوبه. السؤال هو: هل من الممكن أن نتخلّى عن وجوهنا لنغير الانطباع الذي تخلفه لدى غيرنا؟ تجيب عالمة النفس نانسي إتكوفو في كتابها “البقاء للأجمل” بفصاحة بقولها “إنّ الفكرة القائلة إنّ الجمال هو شيء لا أهمية له أو أنّه مجرد بنيان ثقافي لهي خرافة الجمال الحقيقية. علينا أن نفهم معنى الجمال وإلا ظللنا مستعبدين له دوما”. كون المرء جميلا لا يعني بالضرورة أن بحوزته تأشيرة عبور توصله إلى حيث يريد، فرغم أن اتصاف الإنسان بهذه الصفة يساعده على تحقيق الكثير من الطموحات الشخصية، لكن إذا ما كانت للجمال هالة تحيط به، فإن هناك مواقف كثيرة قد تؤتي فيها هذه الصفة بنتائج عكسية، وتجعل ذلك السحر يتلاشى إذا لم تصاحبه جاذبية سلوكية مكملة له، والأساس هو أن يتوفر مزيج من الصفات الخُلقية والخِلقية وتوجه في السياق الصحيح. وبالنسبة لي شخصيا، أعتقد أنه يجب أن نمنح عقولنا الفرصة كي نرى الآخرين كما هم، وليس على الشاكلة التي نريدهم أن يكونوا عليها. تقول الكاتبة الأميركية هيلين كيلر “الأشياء الأكثر جمالا في العالم لا يمكنك رؤيتها أو حتى لمسها، يجب أن تشعر بها بقلبك”. في النهاية، ثمة درس يجب أن نستخلصه من زمن كورونا، وهو أن الأساس الخارجي للبشر يبقى واحدا عند الجميع، لكن بعض النفوس كشفت أنها أكثر بشاعة رغم جمال قالبها الجسدي.
مشاركة :