مجزرة سريبرينيتسا جرح عميق لا يندمل بعد ربع قرن | | صحيفة العرب

  • 7/12/2020
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

سريبرينيتسا (البوسنة والهرسك) – “ليس من السهل العيش هنا إلى جانب الذين ينكرون أن مجزرة ارتكِبَت رغم مرور 25 عاما على حصولها”. بهذه الكلمات يلخّص نائب رئيس بلدية سريبرينيتسا حمدية فييتش ما يشعر به مسلمو البوسنة إزاء جيرانهم الصرب الذين يعتقدون أن المجزرة مجرّد “أسطورة”. وكرّست قرارات العدالة الدولية واقعة مقتل الآلاف من الرجال والمراهقين البوسنيين (المسلمين) بأيدي القوات الصربية في بضعة أيام خلال يوليو 1995. ومع اقتراب إحياء الذكرى الخامسة والعشرين للإبادة السبت، يرى الناجون منها أن “إنكار” سقوط ثمانية آلاف ضحية يشكّل جزءا لا يتجزأ من المجزرة، ويمثّل العائق الرئيسي أمام تهدئة العلاقات بين المجموعتين. وأدى النزاع الذي شهدته البوسنة بين الصرب والمسلمين بين العامين 1992 و1995 إلى أكثر من 100 ألف قتيل، ولكن وحدها مجزرة سريبرينيتسا في شرق البلاد، اعتُبِرَت عملَ إبادة، وهو التوصيف الذي أقرّته أولا محكمة الجزاء الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة في 2001 ثم محكمة العدل الدولية في 2007. وحُكِم على القائد السابق للقوات الصربية في البوسنة الجنرال راتكو ملاديتش بالسجن المؤبد عام 2017، ويتوقع أن يصدر قرار عن محكمة الاستئناف في شأن هذه القضية. وبعد ربع قرن، لا تزال المجزرة أحد أسباب الانقسام الرئيسية بين البوسنيين المسلمين والصرب المسيحيين الأرثوذكس. ويعتبر البوسنيون أن الإقرار الكامل بالمجزرة شرط لبناء سلام دائم. في المقابل، ترى غالبية صرب البوسنة، وخصوصا مسؤوليهم، أن استخدام توصيف “إبادة” غير مقبول. في جمهورية صربيا، يرى الرئيس ألكسندر فوتشيتش أن ما حصل في سريبرينيتسا أمر لا يدعو إلى الفخر. ويقول “سريبرينيتسا أمر يجب ألا نفتخر به ولا نستطيع أن نفتخر به”، لكنه يتجنب لفظ الكلمة التي يتمنى البوسنيون سماعها. وكان رئيس صربيا شدد في العام 2017 على أن “ما بين ثمانين وتسعين في المئة من الصرب لا يرون أن جريمة كبرى ارتُكِبت” في سريبرينيتسا. اليوم، تبدو المدينة التي يرأس صربي مجلسها البلدي، ويعينه نائب رئيس بوسني، أشبه بمدينة منكوبة. فالحياة معدومة كليا في وسطها، والمتاجر فيها نادرة، ويعيش فيها الآلاف من الصرب والبوسنيين لكنهم لا يتخالطون فعليا. ويرى رئيس المجلس ملادن غرويتشيتش الذي انتُخِبَ في هذا المنصب عام 2016 بعد حملة ارتكزت جزئيا على إنكار المجزرة، أن حصيلة الضحايا غير “صالحة” لإثبات حصول مجزرة. بعد ربع قرن، لا تزال المجزرة أحد أسباب الانقسام الرئيسية بين البوسنيين المسلمين والصرب المسيحيين الأرثوذكس أما الزعيم السياسي لصرب البوسنة ميلوراد دوديتش الذي عبّر عن دعمه ترشيح غرويتشيتش، بحضوره لقاء انتخابيا ضمن حملته، فقال يومها “أؤكد هنا أن ما من إبادة ارتُكِبَت”.والعام الماضي، كرر دوديتش خلال مؤتمر جمع مؤرخين صربا وهدف إلى “معرفة الحقيقة” في شأن سريبرينيتسا “كل شعب يحتاج إلى أسطورة. لم يكن لدى البوسنيين أسطورة، وهم يحاولون بناء أسطورة حول سريبرينيتسا”. وصوّت النواب الصرب في برلمان البوسنة الفيدرالي أكثر من مرة ضدّ مشاريع قوانين تمنع الإنكار. إلى اليوم، عُثر على رفات نحو 6900 من ضحايا المجزرة في أكثر من ثمانين حفرة جماعية، وحُدِدَت هويات أصحاب هذه البقايا. ودُفِن معظم هؤلاء في مركز النصب التذكاري في سريبرينيتسا، حيث سيوارى السبت رفات تسع ضحايا حُدِدَت هوياتهم في يوليو. ويأسف النائب البوسني لرئيس بلدية سريبرينيتسا حمدية فييتش، لهذا الموقف الصربي، ويقول في تصريحات صحافية “إنكار الإبادة هو آخر فصولها. نحن نواجه هذا الأمر كل يوم”. ويرى المفوض الأوروبي لتوسيع الاتحاد الأوروبي أوليفر فارهيليي أن سريبرينيتسا “تبقى جرحا مفتوحا في قلب أوروبا”. ويضيف أن “هذا الجزء من تاريخ أوروبا يجب أن يحصّن من أي محاولة للنفي والتحريف”. لكن راتكو ملاديتش والزعيم السياسي السابق لصرب البوسنة رادوفان كارادجيتش، المحكوم أيضا بالسجن المؤبد، يبقيان “بطلين” في نظر قسم كبير من مواطنيهما. وقد أطلق اسم كارادجيتش على مدينة جامعية في بالي، معقل صرب البوسنة خلال الحرب، وتولى ميلوراد دوديتش عام 2016 رفع الستارة عن اللوحة التذكارية الموضوعة على مدخل المدينة الجامعية. ويرى أمير سولياجيتش مدير المركز التذكاري للمجزرة، وهو نفسه من الناجين، أن هذه الذكرى الخامسة والعشرين هي أيضا “الذكرى الخامسة والعشرون للإنكار”. ويضيف “رغم الأدلة الكثيرة (…) وقرارات المحاكم الدولية، أصبح الإنكار أقوى”. لكنّه يحذّر من أن “إنكار الإبادة هو دائما إعلان عن عنف مستقبلي”. ومثلت المجزرة منعطفا في حرب البوسنة التي تواجه خلالها البوسنيون والصرب والكروات بين 1992 و1995، وأودت بحياة أكثر من 100 ألف شخص وخلفت 2.2 مليون لاجئ ونازح. واتهم المجتمع الدولي باستمرار بالتخلي عن الضحايا، خاصة عبر عدم إصدار قرار بتنفيذ ضربات جوية. وفي تقرير نشر للعموم في 2000، ألقى الأمين العام للأمم المتحدة حينها كوفي عنان، باللوم على كامل الأسرة الدولية لفشلها في حماية سريبرينيتسا. بعد ذلك بعام، خلص تقرير لجنة تحقيق شكلتها الجمعية الوطنية الفرنسية إلى تحميل المسؤولية للصرب، وكذلك للأمم المتحدة ودول من بينها فرنسا، شاركت في عمليات حفظ السلام في البوسنة.

مشاركة :