«حصاد القيم» مع أجمل أيام العمر

  • 11/8/2013
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

هو ماضٍ ذهب ولن يعود بنا إلى تاريخه، وأيامه، وما تبقى من ذكرياته، ولكنه حتماً ترك فينا إرثاً وموروثاً نتناقله جيلاً بعد آخر، نحمل فيه هويته، وتراثه، ومقتنياته، وبساطته، وأهم من ذلك قيمه الإنسانية التي سكنت عمق جوارحنا فكراً وسلوكاً نهتدي بهما إلى سبل الحياة المعاصرة. صورة الماضي هي أجمل ما نتخيله، ونحلم بعودته، بل وأجمل ما يمكن أن نسكن فيه، ونعبّر عنه؛ لأنه يتنفس فينا حباً، وشوقاً، وما بينهما روح معلقة تحتضر حينما يغيب عنها، وتفيق لحظة ما تتذكر معه أجمل أيام العمر. الماضي الذي وثّقنا تاريخ صوره، وحديث مؤرخيه هو ما نتمنى أن نعيش في كنفه اليوم؛ ليس بحثاً عن مظاهر حياته البسيطة وتعلق البعض بها، أو رغبة الآخرين العودة للعيش فيها، أو حتى الاكتفاء بمقارنة «كيف كنّا وأين وصلنا»، وإنما نعيش في كنفه لأننا تعبنا كثيراً من مظاهر حياة اليوم التي تركتنا في حالة سباق لا نعرف نهايته مع المادة، والحضارة، ونسينا «حائط الصد» الأهم وهي القيم التي تزرع فينا الصدق والأمانة والتواضع وحب الناس وعدم غشهم أو ظلمهم أو التطاول عليهم وعدم احترامهم. الماضي الذي أكتب عنه، وأنقل صوره هو «ماضي القيم» التي كانت ولا تزال -إذا تمسكنا بها- هي أساس الحياة، والتعامل، والتكافل، وبناء العلاقات، والتصالح مع الذات، وهو أيضاً مصدر الفخر والاعتزاز حينما نروي مواقف رجاله ونسائه في لحظات تكريم تاريخية غابوا عنها اليوم لكنها بقيت أمثالاً، وشعراً، ونثراً، وقصصاً نرويها للأجيال. القيم.. ثم القيم التي افتقدناها اليوم رغم كل مظاهر الحياة المدنية، والتطور، والرفاه، ووسائل التواصل؛ هي عمق المشكلة بل مشاكل التأزيم النفسية والاجتماعية التي نعاني منها اليوم.. كثير من غش، وظلم، وتطاول، وكذب، ونصب واحتال، وتحرش بأعراض الناس، وكثير أيضاً من اعتقد أن حياته لا تستقيم إلاّ بذلك، ولا يمكن أن يعيش من دون ممارسة سلوكه الرخيص.. ولكنه مع كل ذلك التسطيح -فكراً وسلوكاً- لا يرى من الحياة إلاّ ما تبقى من يومه، ولا يسعى فيها إلاّ بحثاً عن عنترياته، ولا يصبح في غده إلاّ على ما هو أسوأ من ماضيه.. الصور التي نترك لك فيها تفاصيل ماضيك، وتراها بين يديك؛ هي صورة من سبقوك ليس في تاريخ الميلاد، أو تجارب الحياة، وإنما من سبقوك تحصيناً للقيم؛ حين تمسكوا بها منهجاً في علاقاتهم مع الآخرين، وساد بينهم ما هو جميل، وحصدوا ما هو أجمل وهو الاحترام الذي هو جوهر الحياة، وماضيها، وحاضرها، وسر تقدمنا للأمام المتحضّر مع العالم الأول.

مشاركة :