المخرج وينتر بوتوم على طريق مايكل مور

  • 7/13/2015
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

يعتبر مايكل وينتر بوتوم من أكثر المخرجين البريطانيين راديكالية في نقده السياسة البريطانية، وهو من القلائل في بريطانيا الذي يواصلون إخراج الأفلام الوثائقية، رغم ما حققه من نجاح كبير في مجال السينما الروائية. أخرج بوتوم (54 سنة) حتى الآن أربعة أفلام وثائقية طويلة، كما أنه يمزج في الكثير من الأفلام الروائية التي يخرجها بين الوثائقي والخيالي أو التمثيلي على غرار الدراما التسجيلية (دوكيودراما). في فيلمه الوثائقي الشهير مبدأ الصدمة (2009) (The Shock Doctrine) يوجه نقدا شديدا للرأسمالية الأميركية استنادا إلى كتاب الباحثة الكندية نعومي كلاين الذي يحمل العنوان الفرعي صعود الرأسمالية الكارثية. وفي الكتاب تحذر كلاين مما تصفه باستشراء نفوذ الاحتكارات الأميركية في العالم وفرضها سياسة السوق المفتوحة على بلدان العالم الثالث من أجل استغلالها، وكيف تتعمد إثارة القلاقل واختلاق الحروب مثل حرب العراق كي تفرض نمطا اقتصاديا لا يناسب تلك البلدان الضعيفة، وتوقعها في دائرة الاستغلال. ويعتبر فيلمه الجديد ملابس الإمبراطور الجديدة (2015) امتدادا لفيلم مبدأ الصدمة، فهو يتناول ما أطلقت عليه مارغريت تاتشر الثورة الرأسمالية بعد تحالفها مع الرئيس الأميركي رونالد ريغان في اتباع سياسة اقتصادية مشتركة تفتح الباب واسعا دون قيود أمام السوق المفتوحة، استنادا إلى نظريات الخبير الاقتصادي ميلتون فريدمان. ويوضح الفيلم عبر الكثير من الأرقام والإحصائيات كيف أنتجت هذه السياسة طبقة من كبار الأثرياء في بريطانيا لا تتجاوز 1% من السكان تضخمت ثرواتها بطريقة هائلة في الـ35 عاما الأخيرة، بينما بقيت الأغلبية وهي 99% تراوح مكانها. استخدام الممثل يستخدم وينتر بوتوم الممثل الكوميدي والناشط السياسي البريطاني الشهير راسل براند بطلا لفيلمه، يظهر ليتحدث ويشرح ويحلل، يواجه الكاميرا أحيانا، وفي معظم الأحيان ينزل إلى الشارع، يلتقي مباشرة بالناس. يدخل براند منازل الأسر من الطبقة الفقيرة، يداعب أطفالهم، يستمع جيدا إلى ما يقومون به في حياتهم من أعمال، كم يحصلون من دخل، وكيف يضطر معظمهم إلى القيام بأعمال إضافية من أجل تدبير نفقات الحياة الضرورية. وهو أسلوب شبيه بأسلوب مايكل مور في أفلامه المثيرة للجدل خاصة فيلمه الرأسمالية: قصة حب (2009). يركز الفيلم على جانبين يوليهما الأهمية الكبرى، الأول: الآلية التي تعمل بها البنوك وشركات المال وجمعيات الإسكان في تعاملها مع المجتمع، حيث يثبت أنها لا تولي أدنى اهتمام سوى لرفاهية مديريها من التكنوقراط الذين يثبت كيف تضاعف دخلهم وأصبح يوازي ثلاثمئة مرة متوسط الدخل في بريطانيا منذ وصول تاتشر للحكم، بينما ظل دخل العاملين البسطاء دون أي تغيير. وهنا يتطرق الفيلم إلى ما تسببت فيه سياسة البنوك من كوارث اقتصادية، منها الانهيار المالي الذي أدى إلى الكساد القائم منذ 2008، وكيف تدخلت الحكومة لتجعل المواطنين البسطاء من دافعي الضرائب يتحملون تعويض خسارة البنوك، في حين استمرت رواتب ومكافآت مديري البنوك ترتفع دون سقف! وفي مشهد مكون من لقطات من عدد من الأفلام الروائية والتسجيلية القديمة، يسرد براند بصوته كيف أن عامل النظافة البسيط في البنوك لو افترضنا أنه بدأ يعمل منذ كانت أميركا جزءا من الإمبراطورية البريطانية، مرورا بالثورة الفرنسية ثم حروب نابليون ثم العصرالفيكتوري بكامله وحرب البوير في جنوب أفريقيا ثم استمر في العمل أثناء الحرب العالمية الأولى ثم أثناء الكساد الاقتصادي الكبير في الثلاثينيات، ثم الحرب العالمية الثانية، وصولا إلى الستينيات والثورة الجنسية، وحتى يومنا هذا، فسيظل يحقق دخلا سنويا يوازي ما يحققه رئيسه في يوم واحد! أما الجانب الثاني فيتعلق بالنظام الضرائبي الذي يسمح بتهرب كبار الأثرياء من دفع الضرائب من خلال ذلك النظام الذي أنشأته السياسة الاقتصادية ويعرف بالمناطق الخارجة عن نطاق النظام المالي (أوف شور). ويكشف الفيلم بالأسماء والأمثلة كيف يتهرب كبار الملاك من دفع الضرائب، سواء بتهريب أموالهم أو بادعاء عدم إقامتهم في بريطانيا. وفي مشهد طريف يتوجه راسل براند -الذي أطلق شعره ولحيته- إلى منزل اللورد روثرمور مالك صحيفة ديلي ميل في لندن ويقرع الجرس فترد عليه امرأة تؤكد أن الرجل يقيم فعلا في هذا المنزل لكنه ليس موجودا، وعندما سألها لماذا لا يدفع ضرائب، تغلق المرأة الخط. يقفز براند من فوق سور المنزل، يتسلق أعمدة حديدية لكي يعلق لافتة تقول أنت تقيم هنا.. ادفع الضرائب! إيقاع سريع لا يتوقف براند عن التحرك في الفيلم، فهو يستأجر شاحنة صغيرة يحولها إلى وسيلة للدعاية، يصممها على غرار ما فعله المحافظون وقت اندلاع أعمال الشغب في لندن ووضعوا فوقها شعار أمسك اللص عام 2011، لكن براند يضع شعارا يقول أمسك المصرفي، أي ابحث عن موظف البنك الذي يسرقك ويسرق قوتك وقوت أولادك، ويفوز بالنصيب الأكبر من الكعكة بينما تدفع أنت ثمن أخطائه، وهي المعاني التي يرددها عبر مكبر للصوت يقبض عليه ويجوب بالشاحنة الصغيرة شوارع لندن، ويغشى حي المال ببناياته العملاقة المصنوعة، ويقول إن أعلى البنايات في المدن الأوروبية وأكثرها فخامة هي بنايات البنوك. وهي مصنوعة من الزجاج والحديد، لكن الزجاج هنا لا يكشف بل يعكس الرؤية. يبدو براند تلقائيا بشكل كبير سواء في القبض على ثنايا الموضوع بمادته الثرية أو في علاقته بالناس الذين يتعاطف معهم بشكل حقيقي، وكذلك في تعليقاته التي لا تتوقف، وتحذيراته الخطيرة التي تقترب من الدعاية الحزبية السياسية، وكأنه يخوض حملة دعائية مضادة لسياسة المحافظين. ويستخدم المخرج وينتر بوتوم الكثير من لقطات الأرشيف من مؤتمرات المحافظين الانتخابية، كما يستخدم الغرافيكس والمقابلات المباشرة مع الكثير من الشخصيات، ويعود في مقارنات مستمرة بين ما كانت تعيشه الطبقات العاملة في الستينيات والسبعينيات وما أصبحت عليه اليوم. كما ينتقل أيضا بين الولايات المتحدة (التي يراها السبب الرئيسي للأزمة) وبريطانيا التي تتبع الخط الأميركي في الاقتصاد، ويكشف كيف أن هناك اتفاقا سريا يحدد المسار الاقتصادي بما لا يهدد الاحتكارات الأميركية. ويتميز الفيلم بإيقاعه السريع، وبانتقالاته الكثيرة بين الأماكن المختلفة، ومتابعة الشخصيات التي تظهر وتتكلم وتشارك براند قصتها وحياتها، وبين آونة وأخرى، ننتقل إلى براند أمام مجموعة من أطفال المدارس يشرح لهم غياب العدالة عن النظام الاقتصادي البريطاني. كما يتميز الفيلم بالطرافة والقدرة على الإقناع والتنوع في مادته المصورة، من مظاهرات طلاب الجامعة، إلى متابعة عمال تنظيف نوافذ مكاتب البنوك، والمقارنة بينهم وبين مديري البنوك وما يحصلون عليه، ومن لندن إلى نيويورك، ومن الخارج إلى الداخل. ________________ كاتب وناقد سينمائي

مشاركة :