مقتل الباحث العراقي المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية المتطرفة هشام الهاشمي يعتبر مأساة بالنسبة للعراق، ولكنه في الوقت نفسه يمثل اختبار قيادة، وربما فرصة سياسية لرئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي لتقليم أظافر إيران، بحسب المحلل السياسي والكاتب الصحفي الأمريكي من أصل هندي بوبي جوش.وكان مسلحون أطلقوا النار على الباحث العراقي هشام الهاشمي فأردوه قتيلًا الأسبوع الماضي. والهاشمي كان باحثًا متخصصًا في تنظيمي داعش والقاعدة الإرهابيين، وعمل مستشارًا للحكومة العراقية في شؤون الإرهاب والجماعات المتطرفة. وخلال العام الماضي بدأ يركز على الميليشيات الشيعية المسلحة المدعوم أغلبها من إيران والمتغلغلة في النظامين الأمني والسياسي للعراق.الميليشيات متهمةوأثارت انتقاداته المتكررة لهذه الميليشيات غضبها وكراهيتها له. ويقول أصدقاء الهاشمي إنه تلقى تهديدات بالقتل من هذه الجماعات. وتمثل عملية قتله جريمة اغتيال كاملة. ورغم أنه لم يعلن أحد مسؤوليته عن الحادث فإن الميليشيات الطائفية التابعة لإيران يجب أن تكون المشتبه فيه الأول. وتعهّد رئيس الوزراء العراقي الكاظمي بتقديم قتلة الهاشمي للعدالة. وتمثل الميليشيات أكبر تهديد للنظام الاجتماعي والسياسي في العراق.وحاول رؤساء الوزراء السابقون بدرجات متفاوتة من الحماس التصدي لنفوذ هذه الميليشيات، ولكن أيًا منهم لم يحقق تقدمًا يُذكر في هذا الاتجاه. ولكن يمكن للكاظمي النجاح فيما فشل فيه رؤساء الحكومة السابقون إذا استطاع الاستفادة من مجموعة من الظروف المواتية - بالإضافة إلى جريمة قتل الهاشمي المؤسفة.الفريق الساعديويقول بوبي جوش في التحليل الذي نشرته وكالة بلومبرج للأنباء إن خلفية مصطفى الكاظمي تجعله مؤهلًا بشكل فريد للقيام بهذه المهمة. فهو كرئيس سابق للمخابرات العراقية يعرف عن هذه الميليشيات أكثر مما يعرفه أي سياسي عادي. كما أن وظيفته السابقة جعلته يطور علاقات قوية مع واشنطن أو بشكل أكثر دقة مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وكذلك مع طهران.وهناك عنصر آخر حاسم وهو اختيار كاظمي لمن يقود عمليات مكافحة الإرهاب في البلاد، حيث أعاد تعيين الفريق عبدالوهاب الساعدي الذي كان رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي قد خفّض رتبته وأطاح به في العام الماضي استجابة لضغوط من إيران فيما يبدو.خسارة إيرانويرى جوش الذي يعمل منذ 2017 رئيسًا لتحرير صحيفة هندوستان تايمز الهندية أنه يمكن للكاظمي الاستفادة من المشكلات التي تواجهها طهران. فما بين العقوبات الأمريكية وجائحة فيروس كورونا المستجد، تجد إيران نفسها غير قادرة على مواصلة دعمها السخي لعملائها في العراق. وبالفعل خفضت إيران مدفوعاتها الشهرية للميليشيات العراقية.ولم تتمكن إيران من تعويض خسارة قائدها العسكري قاسم سليماني الذي كان يدير التنظيمات الخارجية الموالية لطهران، إلى جانب رجله القوي في العراق أبو الهادي المهندس واللذين قتلا في غارة أمريكية بالقرب من مطار بغداد في بداية العام الحالي. ويكافح إسماعيل قاآني خليفة سليماني للسيطرة على الميليشيات العراقية والذي لم يتمكن من تجميعها حول زعيم محلي جديد مثل المهندس.ومنذ توليه رئاسة الحكومة في مايو الماضي، يحاول كاظمي بقوة تفكيك بعض هذه الميليشيات. وأمر بشن هجمات ضد جماعات بارزة مثل كتائب حزب الله، ولكن سرعان ما تم إطلاق سراح عناصر هذه الكتائب الذين تم القبض عليهم. كما حذر هذه الجماعات من استمرار هجماتها الصاروخية على الأهداف الأمريكية لكنها استمرت.مواجهة الإيرانيينولكن ما يفتقده الكاظمي هو الدعم البرلماني الكامل، حيث يتلقى أغلب السياسيين الشيعة العراقيين أوامرهم من طهران ومن العراقيين العاديين. ورغم أنه تعهد بحل مشكلات المحتجين من الشباب العراقيين الذين أطاحوا بسلفه فيما يُعرف باسم «ثورة أكتوبر»، فإن الشباب العراقيين يشككون فيه باعتباره صنيعة للمؤسسة السياسية المشوهة.وحتى يتمكن رئيس الوزراء من مواجهة الميليشيات وسادتهم الإيرانيين، فإنه يحتاج إلى المزيد من دعم العراقيين من مختلف الطوائف ومن المجتمع الدولي.والحقيقة أن مقتل الهاشمي يمكن أن يخدم موقف أي سياسي بارع. فقد كان الباحث العراقي يحظى بشعبية واسعة بين المتظاهرين الذين واجهوا رصاص وهراوات الميليشيات التي كانت تحاول فض مظاهراتهم. ورغم تراجع زخم ثورة أكتوبر منذ أوائل الربيع الماضي نتيجة جائحة فيروس كورونا وانسحاب دعم القيادات السياسية والدينية الشيعية، يمكن لمقتل الهاشمي إشعال جذوة الاحتجاجات مرة أخرى.تقليم الأظافروأدانت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا وغيرها من الدول والمؤسسات الدولية مقتل الهاشمي، بل إن إيران وجدت نفسها مضطرة لإعلان أسفها على مقتله. ويمكن للكاظمي دعوة هذه الدول والأطراف الدولية لتحويل أقوالها إلى أفعال وزيادة الدعم المخابراتي لبلاده وتشديد الضغوط الدبلوماسية على إيران. ولكن يظل السؤال: هل يمكن أن يفشل الكاظمي في ذلك؟ بالطبع يمكن ذلك، لأن إيران تمتلك نفوذًا قويًا في بغداد وسوف تستخدمه. وحتى مع انخفاض الدعم الإيراني للميليشيات العراقية، فإن الأخيرة ما زالت قادرة على إلحاق الأذى بأي قوة عراقية أخرى يمكن أن يستخدمها الكاظمي ضدها. في الوقت نفسه ما زال على الكاظمي إبراز المظلومية السياسية المطلوبة لتحويل مأساة اغتيال الهاشمي إلى فرصة لتقليم أظافر إيران في بلاده.
مشاركة :