أتت جائحة كورونا على القطاع السياحي البيئي في كينيا وأصبح سكان المحميات البرية يعانون من البطالة ومسهم الوباء في مورد رزقهم المتمثل في قدوم السياح لمواكبة هجرة الحيوانات الأفريقية إلى أرض كينيا متوغّلة في سهول ماساي مارا. تاليك (كينيا) - وسط سهول ماساي مارا الرائعة في كينيا تخلف جائحة كورونا دمارا اقتصاديا، وتؤثّر على نظام حماية الثروة الحيوانية الخاص جدا في هذه المنطقة، مع تراجع جذري لسبل عيش جماعة ماساي المعتمدة على السياحة. فحتى قبل الظهور الرسمي للفايروس في كينيا منتصف مارس كانت السياحة، وهي من أسس الاقتصاد الكيني، قد عانت كثيرا من إلغاء حجوزات في يناير وفبراير خصوصا من أسواق أساسية كالصين وأوروبا والولايات المتحدة. وتكبّد القطاع حتى الآن ربحا فائتا قدره 750 مليون دولار لهذه السنة أي نصف إجمالي عائدات عام 2019، وفقا لوزارة السياحة. ويوضح جيمي ليمارا (40 عاما)، وهو مدير نزل “لودج” المراعي للبيئة في محمية أول كينيي الخاصة، “عادة ما تكون الغرف محجوزة بالكامل في يونيو، لكن لا حجوزات لدينا الآن إطلاقا. هذا أمر فظيع”. مع اقتراب نهاية شهر أكتوبر من كل عام تكون رحلة الكثير من الحيوانات المألوفة في أفريقيا دون غيرها من قارات العالم قد شارفت على الانتهاء. رحلةٌ تبدأ من شهر يوليو وتنتهي في أكتوبر من كل عامٍ لآلافٍ من الحيوانات البرية، تقصد أرض كينيا، وتتوغل في سهول ماساي مارا ووديانها بحثًا عن الماء والطعام، في الهجرة العظيمة لتلك الحيوانات من تنزانيا إلى كينيا. ويحضر الملايين سنويا إلى كينيا بغرض السياحة، ورؤية مشاهد تسر الناظرين في محميات المنطقة التي حولتها كينيا إلى منتجعٍ سياحيٍ رائع يخطف قلوب الزوار، وينسيهم صخب الحياة وضوضاء الكون في عصره الحديث، ويعيدهم بالزمن إلى الماضي البعيد. في هذه المنطقة التي أمن لها تنوعها الحيوي، قطاعا سياحيا مزدهرا باتت إتنية ماساي التي تربي المواشي خصوصا، تعتمد بشكل شبه تام على السياحة. ويبلغ عدد أفراد هذه الإتنية نحو 1.2 مليون شخص في كينيا ويشكلون 2.5 في المئة من سكانها. وتستمد عائداتها من إيجار الأراضي التي تشكل من خلال جمعها ببعضها البعض المحميات الخاصة، ومن الأجور التي تدفعها النُزل إلى العاملين لديها وغالبيتهم من الماساي من طباخين ومرشدين وحراس، فضلا عن بيع المنتجات الحرفية والزيارات السياحية إلى المواطن التقليدية. وفي بلدة تاليك الصغيرة المغبرة الواقعة عند أحد المداخل الرئيسية لمحمية ماساي مارا الوطنية، تجد وجوه الناس مكفهرة بانتظار تحسن الوضع. يقول إبراهيم ساميري (38 عاما) “منذ ديسمبر، النشاط محدود جدا ونحن الآن في مرحلة صمود ونأمل بكسب 150 إلى 200 شيلينغ (بين 1.5 و2 دولار) في اليوم لتأمين وجبة طعام” في حين أن مشغله لتصليح السيارات كان يدر عليه حوالي 30 دولارا في اليوم، في موسم الذروة. أما نالوكيتي ساياليل البالغة 45 عاما، فتبيع عادةً العقود والأسوار التقليدية للسياح، لكنها الآن تؤكد “لم أبع أي قطعة منذ ثلاثة أشهر”. ويضيف الدليل السياحي بيترو نوتوري (44 عاما) “هذا أمر رهيب؛ كل شيء متوقف وكل شيء مغلق. لم يسبق لي أن رأيت شيئا من هذا القبيل”، وهو لم يعمل منذ يناير. وتستكمل محمية ماساي مارا الوطنية التي تديرها سلطات منطقة ناروك، عدة محميات خاصة يستأجر القيمون عليها الأراضي من مالكيها الماساي في مقابل تحويلها إلى محمية لضمان موطن آمن للحيوانات. وبدأ هذا الإجراء في عام 2005 ما سمح بمضاعفة المساحات المخصصة لحماية الثروة الحيوانية في هذه المنطقة. وبمعدل وسطي يتقاضى كل صاحب أرض حوالي 22 ألف شيلينغ شهريا (220 دولارا) أي أكثر بمرتين من الحد الأدنى للأجور الرسمي في هذا الجزء من البلاد. الشركات المديرة للمحميات تؤكد أنها تعاني أزمة بسبب اضطرارها إلى تعويض الدفعات المسبقة للرحلات التي ألغيت لكن في أول كينيي كما في محميات خاصة أخرى مجاورة، خُفض الإيجار إلى النصف. وتؤكد الشركات المديرة للمحميات أنها تعاني أزمة بسبب اضطرارها إلى تعويض الدفعات المسبقة للرحلات التي ألغيت، ودفع التكاليف الثابتة ومنها إيجار الأراضي خصوصا. وقد خفضت أيضا أجور العاملين في النُزل السياحية (لودج) بنسبة 50 في المئة أيضا. ويعاني الوضع هشاشة كبرى حيث أن الكثير من عائلات الماساي مضطرة إلى بيع البعض من رؤوس الماشية لديها لتحقيق بعض الدخل. ويوضح يوليوس ساناره (41 عاما)، كبير الطهاة في النزل الذي يعمل فيه جيمي ليمارا، “الأجر الزهيد الذي نتلقاه لا يكفي لسد حاجات العائلة واضطررت إلى بيع عنزتين بسعر 12 ألف شيلينغ تقريبا حتى أتمكن من الاستمرار إلى نهاية الشهر”. وبسبب جائحة كورونا أغلقت أسواق المواشي واضطر الماساي، حسب قول الكثير من أبناء المنطقة، إلى بيع حيواناتهم سرا وبأسعار زهيدة. ويرى موهانجيت برار المدير العام لشركة “بوريني سافاري كامبس”، التي تدير محميتين خاصتين وعدة نُزل في مارا، أن الوضع “كارثي” وقد يهدد استمرار بعض المحميات في حال تواصله. ويوضح “ما لم يحصل أصحاب الأراضي على الإيجار (…) فلن يكون لهم خيار آخر سوى استخدامها بطرق أخرى من خلال تسييجها أو بيعها أو إقامة نشاط ما عليها، وكلها خيارات لا تراعي الحياة البرية ولا الفيلة والحيوانات المفترسة. سنفقد كل ذلك”. لذا تحاول شركته التخفيف من وقع الصدمة وتنويع عائداتها فأطلقت برنامج “تبن هكتارا” لجمع الأموال وتحاول إيجاد وسيلة لكسب المال من خلال جهودها في مجال حماية البيئة في سوق أرصدة الكربون.
مشاركة :