الفنان، وخاصة الرسام، إما أن يكون مبتكرا وخلاقا، وإلا سينتهي في أعماله الروتينية، هذا ما دفع الفنان الجزائري إلى العمل في ديكورات البيوت وتحويلها إلى متاحف وجدرانها لوحات فنية تنطق إبداعا. الجزائر – تتحوّل جدران البيوت بين يدي الفنان الجزائري الهاني بومحروق إلى لوحات تسحر عيون الناظرين، وتمنح الأرواح المتعة والراحة والطمأنينة، بمحمولاتها التي تنهل من عجائب الطبيعة وأسرارها، ومن صفحات التاريخ وما سطّرته يدُ الإنسان وأبدعته في مجالات العمران والفنون. ومع أنّ هذا الفنان تلقّى تحصيله الجامعيّ في مجال الإلكتروميكانيك، إلا أنّ ذلك لم يمنعه من الانخراط بكلّ شغف في مجال الفن، فراح يُبدع لوحات مستوحاة من التراث والتاريخ، ويُزيّن بها جدران البيوت، فتغدو الحيطان أشبه بصالة عرض تحتضن خلاصة ما أبدعته أنامل أمهر التشكيليين. يقول الهاني بومحروق، لوكالة الأنباء العمانية، إنّ جذور شغفه بالفن تعود إلى أجواء قرية بوحاتم التابعة لمحافظة ميلة، شرق الجزائر، والتي وُلد فيها عام 1971، حيث شكّل بيتُ جدته الريفي أول فضاء يدفعه إلى حبّ الفن والتعلُّق به، قبل أن ينتقل لاحقا للعيش في المدينة. ويضيف بومحروق “في صغري، كان والدِي ينحتُ لي اللُّعب من الخشب، وأنا أراقبه طوال الوقت وهو يصنع لي أشياء رائعة، حيث لم تكن الألعاب متاحة للجميع“. وكنوعٍ من المحاكاة، حاول الفنان في صباه تقليد والده في نحت الألعاب وصناعتها. ولدرجة إتقانه لهذه المهمّة، كان أترابُه يُسارعون إلى سرقتها منه، فيُعاود الكرّة، ويقوم بصناعة غيرها. وعندما يحلُّ فصل الصيف يعود إلى الريف، وإلى حضن جدته التي كانت تصطحبه إلى مكان الأحفار، التي تجمعُ منها مادة الطين المستعملة في صناعة الأواني الفخاريّة والقلال. وما إنْ تمنحْه بعض الطين، حتى يُسارع إلى تحويله إلى أشكال حيوانات، أو يصنع منه بعض الأواني الصغيرة. ولم يتوقّف شغفُ بومحروق عند هذا الحدّ، بل تعمّق أكثر برؤية الجدّة وهي تُزيّن مصنوعاتها الطينيّة برسم تشكيلة من الأوشام البربرية، وكأنّها تحفرُ له عميقا في عقله الباطن حبّ الرسم والنحت، والتعلُّق بهما. ويوضح الفنان أنّ المدرسة وثّقت صلته بالفن، وغرست في نفسه عشق الرسم والأشغال اليدوية التي كان يستعمل فيها الصلصال ومواد أخرى، حيث كان ينزوي بعيدا عن الآخرين، بسبب خجله الشديد، ليمارس الرسم والنحت في أجواء من السعادة الغامرة. وفي المرحلة الثانوية، شهدت أعمالُه تطوُّرا ملحوظا، بتأثير من صُور المنحوتات الرومانية والإغريقية التي تحتويها كتب التاريخ المدرسيّة، والتي كان يُسارعُ إلى تقليدها ونحْت نماذج شبيهة بها. ويقول بومحروق إنّه مُعجب بأعمال الفنانين الإيطاليين ميكيلانجيلو ودوناتيلو، رأى منجزاتهما فسارع إلى بذل المزيد من الجهد لتطوير نفسه فنّيّا. وفي منتصف تسعينات القرن الماضي، اتّخذ بومحروق النحت مهنة، ثم خاض مغامرة التجوال واكتشاف عوالم فنيّة جديدة، وراح ينحتُ الوجوه تحت الطلب لكسب المال، ثم تخلّى عن نحت التماثيل وتجسيد الوجوه، واقتصر في أعماله على رسم المناظر الطبيعية، وتشكيل الأعمال الزخرفيّة على جدران المنازل، فضلا عن المشاركة في ترميم المباني التاريخيّة التي تركها المستعمر الفرنسي خلال احتلاله للجزائر. ومن خصوصيات أعمال الهاني بومحروق اعتمادُها على مواد بسيطة مثل الجبس الأبيض والإسمنت والخشب، ومُحاكاتها للمناظر الطبيعية الصحراوية مثل واحات النخيل وشواطئ البحر.
مشاركة :