خصص الملتقى الافتراضي الأول للقصة والرواية الذي ينظمه اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، يومه الثاني، أمس الأول، لحوار مع الكاتب والناقد السعودي د. محمد العباس، تحت عنوان «موت الناقد»، قدمته فيه د. مريم الهاشمي. وقدّم العباس استهلالاً تاريخياً، مروراً بأرسطو وأفلاطون والمناهج النقدية اللاحقة، متوقفاً عند مرحلة دخول النقد في مأزق الأكاديمية من خلال حالة من الاستعلاء والقطيعة مع الجمهور، كما عرض لمراجعات الصحف النقدية، وعالم «السوشيال ميديا»، ونقّاد المدوّنات الذين أداروا ظهورهم للممارسة النقدية الحقيقية، في ظلّ تحول الجيل الحالي جميعه على هذه الوسائل الرقمية إلى نقاد. كما تحدث عن نظريتي «موت المؤلف» لرولان بارت، و«موت الناقد» لرونان ماكدونالد، مبيناً أنه، وبالرغم من كلّ هذه الـ «إماتات»، ما يزال النقد يؤدي دوره، ولنا أن نقارن بين رؤيتنا للنقد ونظرة الغرب له، وذكر أنّ كثيراً من النقاد الموجودين على الساحة، تنطبق عليهم سمة الباحثين أكثر من كونهم نقاداً، ومع ذلك، حذّر العباس من حالة التلطف أو الاستخفاف بمقولة موت الناقد، لأنّ النقد على صلة بالذات الناقدة وليس بالضرورة أن يكون للنصوص، منتقداً المؤسسة الثقافية العربية التي تولي عناية كبيرة بالأدب، مقابل إهمالها الواضح للنقد. وحول النص والقارئ والجمهور وعدم وعي المبدع بما يكتبه الناقد، رأى العباس أنّ المأزق لا يتحمله الناقد وحده، مفرقاً بين الكتابات النقدية المُلغزة التي لا يتقاطع معها الكاتب، والأخرى التي تجاور النص أو تشعرنه، داعياً الكاتب إلى أن يتجاوب مع الناقد بتوسيع معرفته واطلاعه. وتطرق الحوار إلى موضوع الاشتباك النقدي بين المبدع (المؤلف) والناقد، حيث عرض العباس لنصوص الشاعر محمود درويش وردّه على نقد «تخليه عن الفَلسْطنة» مثلاً، فيما درويش يؤكد رومانسياته وإنسانيّاته بمعزل عن جنسيته، وكذلك نقد مدى تمثيله للسلطة. كما تحدث عن الطاقة التعبيرية التي أوصلها النقد للجمهور، متمثلاً برواية «البحث عن الزمن المفقود»، للفرنسي مارسيل بروست، وهي الرواية التي لم تكن لتصل إلى جمهور القراء، لولا وجود نقاد حقيقيين رأوا فيها ما يستحق، وينطبق ذلك على أعمال الروائي المصري نجيب محفوظ. وعاب العباس على نقدنا العربي أنه لم يعتن بالنص الإبداعيّ في مستواه الإنساني، منبهاً إلى نقطة مهمة، وهي أنّ وصول النص الرقمي لمتصفحيه وليس لقرائه، لا يعني أنّه تمّ تفكيكه أو أنّه قُرئ على هذه الوسائل، منتقداً الجيل الجديد بضعفه وعوزه الشديد إلى قراءة أعمال الأجيال السابقة إبداعياً. ورأى العباس أنّ النقد قراءة عميقة للنص، مثلما هو فعل حبٍّ وجادٍّ للنص وذواته المنتجة أيضاً، مبيناً أنّ مشكلة من يعادون النقد، هي أنّهم ينظرون إلى عدم تناول منتجاتهم، أو أنّهم يمتلكون قراءةً مغلوطةً لواقع النقد وإمكانياته ومنهجياته، فكثير من المبدعين النقاد أوجدوا نصّاً موازياً للنص الأصلي. وقال العباس: إنّ نصوص شكسبير، مثلاً، لا تزال مفتوحةً على القراءة والتأويل، وهو ما رآه سرّ احترامها وخلودها في أذهان النقاد والقراء.
مشاركة :