السيادة السورية إذ تحميها موسكو | مرح البقاعي | صحيفة العرب

  • 7/16/2020
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

إذا كان هناك من عنوان للنفاق السياسي على أعلى مستوياته، وبمشهد من العالم أجمع ودوله الكبرى، فعنوانه سيكون السياسة الروسية بلا منازع، وخاصّة في تناولها شؤون وشجون الملف السوري. فقد أحبطت روسيا الأسبوع الماضي باستخدامها للمرة 16 حق النقض (الفيتو) ضد إجماع أعضاء مجلس الأمن، وتصويت 13 عضوا منهم بالإيجاب على قرار ساري المفعول منذ العام 2014، يتعلّق بتوصيل المساعدات الإنسانية للشعب السوري في الداخل، وهو بأمس الحاجة اليومية لها، وتضاعفت تلك الحاجة مع ما حملته جائحة كوفيد – 19 من مستلزمات صحية وأدوية لتأمين حماية وعلاج مئات الألوف من المدنيين، في المخيمات ومواقع النزوح، من خلال توفير الاحتياجات الطبية والغذائية والوقائية الصحية لهم. وقد انضمت الصين إلى شريكتها الضمنية روسيا، في استخدامها لحق النقض رقم 10، لدعم موقف الأخيرة في هذا الشأن. واستطاع الفيتو المزدوج، للدولتين دائمتي العضوية في مجلس الأمن، أن يحبط مشروع قرار تقدّمت به ألمانيا وبلجيكا لتمديد إرسال المساعدات إلى الشمال السوري، الأكثر احتياجا، عبر معبرين هما باب الهوى وباب السلامة، لعام كامل. وطالبت روسيا بأن يقتصر التمديد لمدة ستة أشهر فقط، وعبر معبر وحيد هو باب الهوى، بينما يتم إغلاق باب السلامة الذي يوصل المساعدات إلى ما يزيد على مليون ونصف المليون من المدنيين في شمال حلب. حياة الأفراد هي أقدس المقدّسات على الأرض، ويجب على الدول التي تنطّحت لتسيّر شؤون العالم في أروقة الأمم المتحدة، أن تكون بحجم المسؤولية الأخلاقية والتاريخية عن أرواح السوريين النفاق السياسي، الذي أتحدّث عنه تجلّى بأوقح صوره في الحجة التي ساقتها موسكو وراء طلبها الاقتصار على معبر باب واحد لمرور المساعدات، بأن دخول المساعدات من عدة معابر غير مصرّح بها، وخارجا عن إرادة “حليفها” في دمشق، إنما يتنافى مع معايير السيادة السورية. فتصوّر يا رعاك الله، أن روسيا التي تحتل سوريا بعتادها وعديدها، ومستشاريها السياسيين المسيطرين على القرار السوري في القصر الجمهوري، هي عينها من يريد حماية وصون السيادة السورية! أيّ سيادة تتحدّث عنها موسكو، وهي أول من اخترق تلك السيادة، واستخدم طائرات حربية انطلقت من قاعدة حميميم الكبرى، التي أقامتها في ميناء طرطوس، لدكّ البيوت، والمستشفيات، والمدارس في المدن السورية الثائرة على جلادها وحلفائه، وحوّلتها إلى ركام تساقط فوق رؤوس ساكنيها؟ وأيّ سيادة تلك التي قايض بها بشار الأسد الميليشيات الإيرانية، المصنفة إرهابية، والمتطرفين الذين أطلقهم من سجونه لتأسيس بؤر الإرهاب، والذبح على الهوية، فكان داعش والنصرة وأخواتها من قوى الشر والظلام؟ أيّ سيادة يمكن أن نتحدث عنها ورأس النظام السوري وزوجته يخضعان لعقوبات “قانون قيصر” الأميركية وقد جرّا كل الشعب السوري، موالاة ومعارضة، إلى دائرة المعاناة وضنك العيش نتيجة هذه العقوبات وهما السبب والمسبّب الوحيد لها؟ الأمم المتحدة تقف مرتبكة أمام فيتو روسيا والصين المزدوج، وهي التي تستعد لإرسال المساعدات في أكثر الأوقات حرجا إلى الشمال السوري. وقد أعرب المتحدّث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجيريك، عن إحباط المؤسسة الأممية نتيجة تعطيل عمليات الإغاثة للسوريين قائلا “إن إيصال المساعدات عبر الحدود أمر حيوي لصالح المدنيين في شمال غرب سوريا.. فالأرواح تعتمد على ذلك”. بينما أبدت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتّحدة كيلي كرافت عن معارضتها خفض المساعدات الإنسانيّة التي تقدّمها الأمم المتّحدة لسوريا عبر الحدود، وقالت “نعلم أنّ الشيء الصحيح الذي يجب فعله هو أن يبقى المعبران الشماليّان في شمال غرب سوريا مفتوحَين من أجل الوصول إلى أكبر عدد ممكن من السوريين الذين يحتاجون إلى مساعدات إنسانيّة”. وعلى الرغم من أن مجلس الأمن كان قد أقرّ في يناير من هذا العام استمرار توصيل المساعدات الأممية إلى الداخل السوري، عبر المعبرين مع الحدود التركية وهما باب الهوى وباب السلام، إلا أنه أسقط نقطتي عبور مع العراق والأردن بسبب معارضة شديدة من روسيا والصين في ذلك الوقت، واللتان عادتا واعترضتا على إعادة فتح نقطتي العبور الأخيرتين عندما اقترحت ألمانيا وبلجيكا فتح ممر واحد على الأقل من العراق لمدة ستة أشهر، لمساعدة سوريا على مكافحة فايروس كورونا. استطاع الفيتو المزدوج، للدولتين دائمتي العضوية في مجلس الأمن، أن يحبط مشروع قرار تقدّمت به ألمانيا وبلجيكا لتمديد إرسال المساعدات إلى الشمال السوري وتمّ للأسف حذف ذلك من مشروع القرار الأخير الذي قدمه ممثلا ألمانيا وبلجيكا للتصويت، علما أن إغلاق معبر النقطة الحدودية السورية مع العراق سيخفّض من نسبة المساعدات الملحّة لشمال غرب سوريا بما يعادل 40 في المئة وسط تعاظم عدد الإصابات بفايروس كورونا في المناطق التي تخضع لسيطرة المعارضة. فصل المقال، أنه في الوقت التي تحتاج فيه منظمة الأمم المتحدة إلى إصلاح شامل من حيث آليات اتخاذ القرار فيها، وضرورة تحقيق التوازن في العلاقة الجدلية بين أعضاء مجلس الأمن الدائمين، فإنه لا بدّ من فصل مجريات عملية إنسانية خالصة لإيصال مساعدات معيشية إلى المدنيين المحاصرين بظروف العيش الضيقة والاستثنائية في سوريا، عن تجاذبات سطوة وازدواجية المعايير للقوى المتنازعة على النفوذ السياسي في المجلس وخارجه. حياة الأفراد هي أقدس المقدّسات على الأرض، ويجب على الدول التي تنطّحت لتسيّر شؤون العالم في أروقة الأمم المتحدة، أن تكون بحجم المسؤولية الأخلاقية والتاريخية عن أرواح السوريين، الذين علقوا بين فكي كماشة التطرّف من جهة، والنظام الدموي من جهة أخرى، ولا بد لطريق آخر تسلكه المساعدات غير طريق مجلس الأمن، الذي يبدو أنه تحوّل إلى مجلس ليّ ذراع بين الكبار.

مشاركة :