واشنطن في مواجهة حلف الخصوم | مرح البقاعي | صحيفة العرب

  • 8/5/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تسعى الصين بشكل متعاظم لأن ترفع تصنيفها العالمي من موقع القوّة الإقليمية الأكبر في آسيا، إلى مقام الدول الكبرى المهيمنة في العالم مقارَنة بالولايات المتحدة، الخصم اللدود، وقد أطلقت بكين في دائرة تلك المساعي مبادرة “الحزام والطريق” في العام 2013. تغطي هذه المبادرة ما يزيد على 85 دولة، وما نسبته 65 في المئة من سكان العالم، الأمر الذي ساعد على إدراجها ضمن كبرى مشاريع البنية التحتية والاستثمار في التاريخ بما يشمل قطاعات التعليم، ومواد البناء، والسّكك الحديديّة والطرق السريعة، والسيارات والعقارات، وشبكات الطّاقة والغاز، وكذا قطاع الحديد والصلب. للمبادرة كما يشير اسمها مساران: الأول برّي (الحزام) والثاني بحري (الطريق)، وللمسارين أهداف جيوسياسية تبتعد بشوط كبير عن ظاهر المبادرة الذي يبدو للوهلة الأولى مجرد مسعى لإحياء طرق التجارة القديمة البحرية والبرية. غير أن المبادرة لا تتعلق بالتجارة والاستثمار وحسب، بل ستتجاوزهما نحو التأسيس لتحالفات دولية جديدة تعتمد على الكتلة البشرية الضخمة التي تنضوي تحت مظلة المبادرة، ما يضمن للصين هدفها البعيد المدى في ولوجها حلبة الدول الكبرى المؤثّرة، وتحقيق التوازن الاستراتيجي مع أوروبا بعامة، ومع الولايات المتحدة بشكل خاص. وفي حين تصف حكومة بكين “الحزام والطريق” بأنها “محاولة لتعزيز الاتصال الإقليمي وتبنّي مستقبل أكثر إشراقا”، يبدو المشروع الصيني العابر للقارات أقرب إلى خطة متكاملة الأطراف للسيطرة على العالم من خلال شبكة تجارية عالمية يديرها الحزب الشيوعي الحاكم في الصين، ناهيك عن الهدف البعيد المدى في استخدام هذه المبادرة لخدمة أغراض عسكرية لم يعلن عنها. وسيكون العام 2049 عام استكمال المشروع، وهو يتزامن مع الذكرى المئة لقيام جمهورية الصين الشعبية. دول الاتحاد الأوروبي لا تخفي قلقها من امتدادات الصين وغاياتها، لاسيما أن مبادرتها تلك يعتريها الكثير من الغموض، الذي تختفي وراءه رغبة جامحة صينية في إحكام السيطرة المطلقة والبروز دوليا قطبا منافسا للقطب الأميركي؛ فالمبادرة ستُلحق حيزا واسع النطاق من البنية التحتية في أوروبا الشرقية والوسطى تحت المظلة الصينية. وها هو مرفأ بيرايوس في اليونان، أحد أهم المرافئ في العالم، قد انتقل إلى يد الصين منذ العام 2016، ما دقّ جرس الإنذار في العديد من دول أوروبا النافذة اقتصاديا مثل فرنسا والدنمارك وألمانيا. وقد سبق أن عبّرت ألمانيا عن قلقها من التمدّد الصيني على لسان وزير خارجيتها الأسبق زيغمار غابرييل، حين قال “ستنجح الصين في تقسيم أوروبا إذا لم تكن لدينا إستراتيجية موحّدة للوقوف بوجهها”. الولايات المتحدة بدورها في حالة ترقّب لمآلات هذه المبادرة، وهي التي لا تخفي عداءها المستشري للصين، وقد تبدّى بأخطر صوره في الأسبوع الماضي حين تم إغلاق القنصلية الصينية في هيوستن – تكساس إثر اتهام واشنطن القنصلية بأنها طرف من شبكة تجسس صينية واسعة على أراضي الولايات المتحدة تستخدم مرافق دبلوماسية (قنصليات صينية في 25 مدينة أميركية). وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية رسميا أن الإغلاق تمّ “من أجل حماية الملكية الفكرية الأميركية والمعلومات الخاصة”. وقد سبق هذه المواجهة الدبلوماسية المباشرة تدهور لافت في العلاقات بين البلدين، إثر اتهام واشنطن الصين بمسؤوليتها عن انتشار جائحة كوفيد – 19 وإخفائها المعلومات عن طبيعة المرض والمريض رقم 1، ناهيك عن الحرب التجارية بينهما وانتقادات واشنطن اللاذعة لانتهاكات بكين المستمرة لحقوق الإنسان في هونغ كونغ، واضطهادها للأقلية المسلمة من الإيغور. من نافلة القول أن الأهمية الإستراتيجية للشرق الأوسط، بصفته مصدرا للطاقة والاستثمار فضلا عن كونه وجهة لرأس المال والعمال الصينيين، قد دفعت بكين إلى توطيد وجودها في المنطقة، ولم تجد أفضل وأسرع من البوابة الإيرانية لتحقيق هذا الغرض نظرا لعلاقات الصداقة والتحالف بين البلدين؛ وبدت الصين متجاهلة تماما لعلاقاتها مع الدول العربية ولاسيما دول الخليج، وضاربة بعرض الحائط بموقف هذه الدول من تمكين حلفها مع إيران التي تعيث فسادا وإرهابا في المنطقة بأسرها وتستهدف دولها استهدافا مباشرة. من أهم ما يجمع الصين وإيران في أجندة واحدة بعيدة التأثير والمدى هو اشتراكهما في العداء لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب؛ فكلا البلدين يقع في دائرة استهداف العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية الأميركية، وهما تسعيان للاتكاء على بعضهما بعضا، من أجل التخفيف من وطأة هذه العقوبات عن طريق تصريف النفط الإيراني إلى الصين ما يشكل مهربا لطهران من محاولة واشنطن تصفير صادراتها النفطية. أما الصين، فهي تسعى لاستخدام حلفها مع إيران في الضغط على إدارة ترامب لتحقيق أكبر المكاسب الممكنة في المفاوضات التجارية المعقدة، وفي المعارك الرقمية التي تقودها أميركا ضدها، وآخرها ما صرّح به الرئيس ترامب عن نيته إغلاق منصة تيك توك الصينية على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي يستخدمها 80 مليون مواطن أميركي. تقاطعت المصالح الصينية الإيرانية بشكل دفع إلى مشاركة الأخيرة بحصة الأسد في المشاريع الإقليمية للصين، والتي كانت فاتحتها مبادرة الحزام والطريق وما تلاها من اتفاقات ثنائية عريضة الطيف. ولا ننسى المواقف السياسية للبلدين الحليفين من نظام الحكم في دمشق ومحاولة دعمه بشتى السبل السياسية والدبلوماسية واللوجستية العسكرية، وهو أمر يضاف إلى قائمة الخصومات الطويلة مع واشنطن، التي تعمل، من خلال عقوبات موازية على دمشق، أن يدفع نظام بشار الأسد ثمن جرائم ارتكبت ضد الشعب السوري. فصل المقال أن الصين التي لم تشرك أي دولة عربية في طريق الحرير الجديد، رغم أن معظم هذه الدول كانت جزءا من طريق الحرير القديم، وقد تفادت ضمن خارطة الممرات البرية الستة التي رسمتها المرور بأي بلد عربي بالرغم من أنها تحصل على ما نسبته 40 في المئة من نفطها من الدول العربية، نجدها تهيئ موقعا متقدّما لطهران في مشاريعها الإقليمية، ما سيحمل معه تأثيرا سلبيا على ديناميات دول مجلس التعاون الخليجي. الحلف المستجدّ سيجعل من إيران مركزا للوجستيات والنقل والتبادلات التجارية، ولاسيما تصريف النفط الإيراني الذي تلاحقه العقوبات الأميركية أينما كان. وبينما تحاول الصين الالتفاف على تلك العقوبات وإعطاء الاقتصاد الإيراني قبلة الحياة قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، تتجاهل عمْدا الثقل العربي الإقليمي والمالي، وتضرب بعرض الحائط بعلاقات التعاون والصداقة والمصالح المتبادلة التي تربط دول الخليج العربي بالولايات المتحدة. إلا أن واشنطن لن تلين في مواجهة التغوّل الإيراني المسلّح والتخريبي في المنطقة والعالم، وهي ما انفكّت تعدّ له، ولمن يقف معه ويدعمه، عقوبات من سجّيل.

مشاركة :