استفاق العالم في بدايات هذا العام على جائحة فيروس كورونا المستجد الذي انتشر حول العالم وتسبب في تعطّل الحركة الاقتصادية والاجتماعية على مستوى العالم حيث بات يجري الحديث مؤخراً عن ضرورة التعايش مع الواقع الجديد الذي فرضه هذا الوباء والذي يبدو أنّ انعكاساته الاقتصادية والاجتماعية ستبقى قائمة وقابلة للتفاقم ما لم يتدخّل قادة العالم على الفور لمواجهة تداعياته على مختلف نواحي الحياة اليومية للمواطنين والدول حول العالم، ومع تزايد المخاوف من موجة ثانية من انتشار العدوى، نعيد ونؤكد على أن التعاون بين الدول والمجتمع المدني ومجتمع الأعمال هو السبيل الوحيد لمواجهة التحديات لا بل سيشكل دلالة على مدى التزام الأطراف للعمل معاً لمعالجة الأزمة وصناعة مستقبل أفضل للجميع. لقد أثبت هذا الفيروس أنه قادر على زعزعة الركائز التي لطالما قامت عليها الدول والمجتمعات والتي يتعين عليها المبادرة الفورية إلى وضع خطة منظمة للتعافي منه فيما ينتظر العالم توصّل العلماء إلى لقاح ناجع لهذا الوباء غير المسبوق، وقد بادرت مجموعة الأعمال السعودية في ظل رئاسة المملكة العربية السعودية لمجموعة العشرين إلى اعتماد التحول من خلال النمو الشامل كخطوة أولية في معالجة هذه الأزمة ودعت قادة العالم إلى تبني ستة متطلبات أساسية وتوصيات أدرجت في التقرير الذي قدمته تحت عنوان: "الانطلاق السريع في مرحلة ما بعد فيروس كورونا المستجد" والذي يتضمن توصيات تعالج الآثار المترتبة عن الجائحة من منظور مجتمع الأعمال العالمي. كما أطلقت مجموعة الأعمال السعودية في مارس مبادرة لمعالجة تأثير فيروس كورونا المستجدّ على عالم الأعمال، وكان الهدف منها تحديد ما يتعين على الشركات والحكومات فعله مستقبلاً لرسم مسار الانتعاش. وانطلاقاً من هذه المبادرة، تواصلت المجموعة مع قادة الأعمال والشركاء وصانعي السياسات الدوليين لتحديد أفضل سبل التعاون والحصول على إجماع من عالم الأعمال حول كيفية دعم الحكومات للقطاع الخاص بشكل أفضل أثناء الأزمة وحماية الاقتصاد والاستعداد للأزمات المستقبلية. كما ويتطلب التصدي لأزمة عالمية بهذا الحجم مرونة في اتخاذ القرارات وتعديل السياسات مع أخذ آراء الشركاء بعين الاعتبار والعمل بشكل عاجل على المدى القصير لاحتواء التداعيات والاستثمار في المرونة الشاملة على المدى الطويل. وتعدّ مواجهة هذا التحدي مسؤولية مشتركة بين كافة الدول والهيئات العالمية ومنها مجموعة العشرين ومجموعة الأعمال السعودية التي أولت تضافر الجهود أولوية كبرى من أجل التوصل إلى حلول تساعد المجتمع الدولي على تجاوز الأزمة بأقلّ خسائر ممكنة. ولا شك أنّ تعزيز المرونة في أنظمتنا الصحية لا يزال يشكّل أولوية رئيسة وكذلك ضرورة تطوير لقاح آمن وموثوق لعلاج فيروس كورونا المستجد، ولا بدّ لي في هذا الإطار من التشديد على أهمية دعم مجموعة العشرين والمجتمع الدولي الوصول العادل إلى اللقاح فور التوصّل إليه وبأسعار معقولة. وتشمل جهود تعزيز المرونة أيضًا التخطيط لمواجهة الأوبئة في المستقبل حيث يتعين على مجموعة العشرين إشراك منظمات عالمية كالأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية في جهود إنشاء آلية إنذار مبكر يتيح للدول الإبلاغ عن تفشي الأمراض المعدية، كما يجدر بالدول أن تتعاون مع منظمة الصحة العالمية وتتيح الوصول المبكر إلى المواقع التي تعاني من تفشي وباء معدٍ، ذلك أنّ الحل الأمثل للحدّ من آثار الفيروسات المعدية هو العمل المبكر والفعال. ومع استمرار تراجع قيود الحظر حول العالم، يتعين على الحكومات العمل معًا لضمان عدم انتقائية التدابير المقيّدة لحركة الأشخاص عبر الحدود. كذلك، لا بد من إعادة إطلاق حركة سلاسل التوريد العالمية والسماح بالتداول الحر للسلع. إنّ مجموعة العشرين هي المنصة الأمثل للتوصل إلى اتفاق بشأن الحلول السياسية التي تعلو على المصالح السيادية من أجل الصالح العام، وأنا أحث في هذا الإطار رؤساء الدول على التعاون بشأن هذه القضية على الفور. وأخيرًا، يجب أن يراعي التحول السريع في تبني التقنيات الرقمية مبادئ الحق في الخصوصية والأمن لكافة المستخدمين، كما يجدر بنا إنشاء آلية عالمية لإدارة البيانات توجه وتنظم وتراقب الخصوصية والأمن ومشاركة البيانات والوصول إليها، فمن شأن هذه الخطوة أن تعالج مخاوف الأمن القومي لدى الحكومات في جميع أنحاء العالم. إنّ التحديات التي تطرحها أزمة فيروس كورونا المستجدّ متعددة الجوانب ولا يتوفر حلٌ واحد محدد لتخفيف آثارها الاقتصادية والاجتماعية، ومع ذلك، آمل أن تساهم الإجراءات التي أوجزتها اليوم باسم مجتمع الأعمال الدولي في بدء التعافي. فالتحرك واجب الآن وضرورة العمل من خلال التعاون باتت أكثر إلحاحاً من أيّ وقت مضى. *رئيس مجموعة الأعمال السعودية (B20)، الممثل الرسمي لمجتمع الأعمال أمام مجموعة العشرين يوسف البنيان *
مشاركة :