في حفلة إفطار دعت إليها جمعية الصداقة التركية، السبت الماضي، حصل تراشق خطابي غير ديبلوماسي بين الرئيس رجب طيب أردوغان، وسلفه عبدالله غل الذي تحدّث في البداية قائلاً: أعتقد بأن من المفيد مراجعة سياستنا في الشرق الأوسط والعالم العربي عبر مقاربة أكثر واقعية. وأضاف: في حال حدثت فوضى كبيرة، ربما نواجه مفاجآت لم نتوقعها. ونصح بـ معاودة النظر في السياسة الخارجية لتركيا، خصوصاً في ما يتعلق بمصر وسورية، من أجل عودة تركيا إلى دورها المحوري في المنطقة، بوصفها دولة وسيطة وراعية سلام. فرد الرئيس أردوغان على نصيحة عبدالله غل قائلاً إن الأساس في سياسات الدول الكبرى هو الثّبات وعدم التغيير... تركنا وراءنا الخونة والجبناء والمتردّدين والمتمسّكين بمصالحهم الشخصية في عالم السياسة، وأكملنا طريقنا السياسي من دون تغيير. أما هم فباتوا الآن خارج السياسة. أنصار أردوغان برّروا كلامه بأنه يقصد آخرين، مثل فتح الله غولِن وجماعته، وأن عبدالله غل غير مقصود بهذا الوصف، لكن أسلوب التعميم الذي انتهجه اردوغان، ووجود غل أمامه في القاعة، لم يدعا مجالاً لحسن الظن في مضمون كلامه. بعدما أنهى أردوغان كلمته، ساد جو من التوتُّر بين الحاضرين، وانتقل إلى وسائل الإعلام التركية، ونظر إليه بعضهم باعتباره صِداماً علنياً بين الصّديقين اللذين كانا شريكين في تأسيس حزب العدالة والتنمية. هل هو كذلك بالفعل؟ قبل الإجابة عن السؤال، لا بد أن نتذكّر أن الأزمة بين أنقرة والقاهرة بدأت أثناء فترة حكم الرئيس عبدالله غل، وهو وصف ما حدث في 14 آب (اغسطس) 2013، في منطقة رابعة العدوية، بأنه عار على الإسلام والعالم العربي. كما أن تبادُل أنقرة والقاهرة استدعاء السفراء تم في عهده، فضلاً عن أن الموقف التركي من أحداث سورية سابق على وصول أردوغان إلى الرئاسة. هل ما حصل محاولة لتغيير السياسة التركية تجاه مصر وسورية والمنطقة؟ أم دعوة حزبية إلى تغيير أردوغان وما يمثّل؟ أم هي مجرد مناكفة بين السّلف والخلف؟ يصعب تبسيط الموضوع واختصاره بمناكفة بين سلف وخلف، في هذه الظروف التي يواجه فيها حزب العدالة والتنمية منافسة شديدة. القضية أبعد من ذلك، وأكثر عمقاً، وتؤشر إلى أزمة عنوانها ضرورة مراجعة السياسة الخارجية لتركيا. لا شك في أن خطاب غل، ودعوته إلى مراجعة سياسة أنقرة في المنطقة تعبير عن تململ، وضجر من سياسة أردوغان تجاه مصر وسورية والمنطقة، ودليل على أن تفرُّد الأخير بسياسة تركيا لم يعد مقبولاً، حتى لدى بعض المقرّبين إليه. الأكيد أن أردوغان يسيطر على أدق التفاصيل في حزب العدالة والتنمية، ورجال الأعمال يقفون معه، ومؤسسات أخرى تركية مهمة، لكن العودة بتركيا إلى الاستبداد باتت صعبة، وما حدث ربما يفضي إلى تطورات تتجاوز النقد والكلام. نقلا عن الحياة
مشاركة :