الفن مرآة المجتمع ، أم رسالة هادفة ووسيلة لتوجيه المشاهدين للطريق الصحيح ومسئولية على كل فنان للتوعية وتوجيه للحقيقة.سنوات طوال كافحت خلالها للتمسك برفضي لمنطق المدرسة المستخدمة للتعريف الأول "مرآة للمجتمع"، أو على الأقل كافحت في تقديم دلائل على أن اعتناق مذهب الفن مرآة الحضارة نسبي ويجب أن لا يكون مطلق، في تقديم محتوى مبتذل أكتر ومتدني أكتر بحجة أن صناع المحتوى كان كل ما يقدمونه من رحم المجتمع وليس من وحي تخيلاتهم.معتمدين في ذلك على جهل المتلقي في تقدير مدى حقيقة ما يتم تقديمه ومدى تطابقه هذا الطرح مع الواقع، إضافة لحجم تجاهل قضايا مجتمعية وأخلاقية يمكن عرضها عبر أعمال فنية على الشاشة، والتركيز على محتوى فارغ لتسالي العقول. وذلك بحجة أن العمل الفني يلزمه في الوقت الحالي عدة عناصر رئيسة لتحقيق نجاح بشباك التذاكر، هذه العناصر التي حددها المنتجون من وجهة نظرهم تشمل المشاهد الخارجة، والفرح الشعبي، وعنترة الحواري المصرية، المنتصر للضعيف والثائر ضد سطوة الطبقة الارستقراطية في سبيل استجداء تعاطف هزلي، تكرر في ملايين المناسبات وآلاف الأعمال السابقة، ناهيك عن ما تتركه هذه الأعمال على مدار سنوات من طابعة مشوه في أذهان وعقول المشاهدين من مختلف الأعمار.وذلك في تجاهل لتقديم القصص المستوحاة من النماذج المضيئة في مجتمعنا، النماذج اللي قدمت انجازات ف العلوم والفنون والأدب، مثل المسلسلات التي كانت تطرح في ماضي على شاكلة "قاسم أمين" لكمال أبور رية، ومسلسل "رجل من هذا الزمن" الذي قدم قصة العالم مصطفى مشرفة عام 2011 من بطولة النجم التليفزيوني أحمد شاكر، كما أن مسلسل عن قصة حياة العالم الدكتور مصطفى محمود من بطولة النجم خالد النبوي، كان على وشك الطرح، نجهل الآن مصيره.فكانت حجة "الفن مرآة المجتمع" ذريعة لتقديم كل شئ دنيوي، وترتب عليه ظهور المهرجانات والمروجين ليها و وشخصيات الحواري الشعبية والعشوائيات كرموز للبطولة والكفاح، مع والمشتقين منه بحجة أن هؤلاء هم مرآة المجتمع.وقبل هذه الساعة مع الاسف لم أكن أمتلك دليل قوي قادر على ضحد هذا التوجه، حتى لاحظت توجه في تصريحات متكررة لعدد من نجوم ونجمات هوليوود في الاسابيع الاخيرة، على خلفية احداث الغضب اللي اندلعت بسبب وفاة "جورج فلويد". حصل ان الفنانين الكبار بهوليوود ضربوا بقاعدة حرية التعبير وتنوع وجهات النظر عرض الحائط، وكسروا تابوه الفن مرآة المجتمع حتى تحول لشظايا، بمطالبتهم صراحة وقف بث كل الافلام والمسلسلات كلاسيكية أو جديدة التي قدمت نماذج عنصرية تقلل من شأن اصحاب البشرة السمراء بأي شكل وأي صورة وفي كل عصر.وهذه المطالبات طالت أفلام استوحت من التاريخ، وكانت بتعبر عن قصص حقيقية ، وليست من مخيلة المؤلف، واستجاب لهذه المطالبات بالفعل شبكات بث إلكتروني مثل شبكة HBO التي ازاحت من قوائم أفلامها المطروح للعرض الفيلم الكلاسيكي GONE OF THE WIND، فتغلبت هنا القيم على حرية التعبير، وانتصر السمو الأخلاقي على مرآة المجتمع.وحتى أن المطالبات بالحذف ووقف العرض، طالت أفلام كانت تنتصر لقضية أصحاب البشرة السمراء والعنصرية ضدهم ضمن مجرياتها. فكان الرفض شامل وكامل لكل هذه الافلام حتى لو كان الهدف منها دعم القضية، وفي مقدمة الداعمين لهذا التوجه الفنانة الأمريكية اللي حصدت الأوسكار "فايولا ديفيس"، التي أدلت بتصريحات تصب في هذا السياق نشرت لها مع عدد أغسطس القادم 2020 من مجلة Vanity Fair.وكانت قدمت فايولا أول أدوارها الهامة في مسيرتها في فيلم بعنوان THE HELP، اتكلم عن العنصرية ضد الخادمات صاحبات البشرة السمراء العاملات في منازل سيدات من البيض، في أشد أوقات انتشار العنصرية ضد السود في تاريخ الولايات المتحدة ما بين الخمسينيات والستينيات. وكان الفيلم مقتبس من رواية بنفس العنوان للروائية كاثرين ستوكيت، وفي حوارها مع المجلة، أعترفت فايولا ديفيس صراحة أنها نادمة على هذا الدور، وقال "انا خنت نفسي بتقديم هذا الدور" .رغم أن الفيلم والرواية كشفوا عن بشاعة عنصرية البيض بشكل فج غير مسبوق، ولكن فكرة العرض نفسها والترويج العكسي للممارسات العنصرية بطريقة غير مباشرة من خلال الفيلم من الاسباب في نشرها وانتشارها بشكل مباشر، وباساليب مختلفة منها الرغبة الانتقامية التي تولدت لدى من شاهدوا الفيلم من البيض ولم يتقبلوا تصوريهم بهذا الشكل، فزاد تعصبهم لانفسهم من رغبتهم في الاقبال على الممارسات العنصرية.فكانت الخلاصة ان الفن يجب أن ييكون دوره نبذ الأفكار والتصرفات المتطرفة، وعدم تسليط الضوء على الشاذ والخارج عن الإطار رغم انتشاره، لما يتسبب فيه ذلك من زيادة انتشاره بشكل غير مباشروذلك كله بحجة "مرآة للمجتمع".
مشاركة :