الوجه الآخر المظلم للتكنولوجيا | علي قاسم | صحيفة العرب

  • 7/20/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

ما زالت انعكاسات التطور المتسارع للتكنولوجيا على حياتنا اليومية تفاجئنا كل يوم بالجديد، ورغم تأثيراتها الإيجابية على الجانب الاقتصادي والاجتماعي، وحتى السياسي، والذي رأينا البعض منه في أزمة كورونا التي نعيش تفاصيلها حتى الآن، إلا أن لهذه التكنولوجيا جانبها المظلم، الذي يجب أن نخشاه. في جانبها الإيجابي لعبت ثورة التكنولوجية والمعلومات دورا هاما في حياتنا اليومية، وساهمت في تغييرها نحو الأفضل، ولكن هذا ليس دون ثمن، حيث رافقت ازدياد عدد منتجات التكنولوجيا زيادة هائلة من النفايات، بلغت ملايين الأطنان، من أجهزة مستعملة وأخرى انتهى عمرها الافتراضي، وشكلت مشكلة جعلت الحكومات تسعى للتخلص منها. صيحة فزع وأطلق تقرير، صادر عن الأمم المتحدة، صيحة فزع من التلوث الجديد الذي يغزو العالم، وجاء في التقرير السنوي أن 17 في المئة فقط من 50 مليون طن من النفايات الإلكترونية، من هواتف وأجهزة كمبيوتر وأدوات منزلية وغيرها، أعيد تدويرها، ورمي ما تبقى وقيمته حوالي 50 مليار يورو. وتعتبر النفايات مصدرا غنيا بالخامات الثمينة على المستوى العالمي، فهي تحتوي على الذهب، والفضة، والنحاس، والبلاتين، وفلزات الأتربة النادرة التي ينبغي استغلالها لإنتاج أجهزة جديدة. ولا يتم حاليا استرداد سوى 10 إلى 15 في المئة فقط من الذهب في النفايات الإلكترونية بنجاح، بينما ينتهي الباقي من هذه النفايات منثورا في البيئة مسببا مشكلة يصعب حلها. ولمعرفة حجم الخسارة الناتجة عن ذلك نسوق أرقاما تبين، ليس حجم فقط المفارقة، بل حجم الاستهتار في التعامل مع خيار تدوير هذه النفايات أيضا، حيث تؤكد أرقاما نشرت مؤخرا أن النفايات الإلكترونية تحتوي على خمسين ضعفا مقارنة بالخامات المستخرجة من الأرض. النفايات الإلكترونية أكثر ثراء بالمعادن الثمينة بأضعاف تصل إلى 50 مرة مقارنة بالخامات المستخرجة من الأرض بالطبع الأمر لا يقتصر على ضياع هذه المعادن الثمينة التي تحتويها النفايات؛ المشكلة الأكبر هي المواد السامة غير المتحللة والتي تهدد صحة الإنسان، مثل الزئبق، والرصاص، والزرنيخ. وعندما تجد النفايات الإلكترونية طريقها للمكبات الخاصة، تتسرب المواد السامة وتسبب تلوثا للتربة والماء والهواء. وأشارت الأمم المتحدة إلى أن التراكم ونسبة إعادة التدوير المتدنية يفاقمان المشكلة. قائمة النفايات الإلكترونية طويلة وتشمل أشكالا مختلفة من الأجهزة الكهربائية والإلكترونية، التي لم تعد ذات قيمة لمستخدميها، أو لم تعد قادرة على القيام بالمهام المطلوبة منها بكفاءة. وتشكل النفايات الإلكترونية أكثر من 5 في المئة من إجمالي النفايات الصلبة، وتتزايد هذه النسبة مع ارتفاع مبيعات المنتجات الإلكترونية في البلدان النامية والناشئة صناعيا بشكل خاص. ومع دورة حياة قصيرة نسبيا، تتحول الأجهزة الإلكترونية إلى نفايات بوتيرة سريعة، وتشير التقديرات إلى أن ما يقرب من 500 مليون قطعة من الهواتف المحمولة، التي أحيلت على التقاعد، تتراكم في المنازل، وتصل ملايين الأجهزة الإلكترونية مثل الهواتف المحمولة، وأجهزة التلفزيون، وأجهزة الكمبيوتر المحمولة، والأجهزة اللوحية، والطابعات، والبطاريات وغيرها، في كل عام، إلى نهاية عمرها الافتراضي، وغالبا ما يتم رميها في حاويات النفايات دون أي فرز. ويدفع العالم اليوم ثمنا باهظا لهبوط أسعار السلع التكنولوجية، وكانت دراسات سابقة، أجريت بدعم خاص من الأمم المتحدة، قد أوضحت أن تراجع أسعار العديد من المنتجات من الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر، وحتى أجهزة التكييف والتبريد، تسبب في زيادة كميات النفايات الإلكترونية. ولسوء الحظ، فإن غالبية هذه المنتجات الإلكترونية ينتهي بها المطاف إلى مدافن النفايات، وتتم إعادة تدوير حوالي 15 في المئة فقط منها، بحسب منظمة “جرين بيس” الناشطة في مجال البيئة. مصدر دخل وجاءت آسيا على رأس قائمة الدول المسببة للتلوث، منتجة أكبر كمية من النفايات الإلكترونية، قدرت بـ25 مليون طن، تليها القارة الأميركية بـ13 مليون طن، فأوروبا بـ12 مليون طن، إلا أنها تسجل أكبر معدل فردي، ثم أفريقيا بـ2.9 مليون طن. ونصح الأمين العام المساعد، وعميد جامعة الأمم المتحدة، ديفيد مالون، بضرورة “زيادة الجهود للتوصل إلى إنتاج أكثر استدامة للتجهيزات الكهربائية والإلكترونية”. وشدد أنتونيس مافروبولوس، رئيس الجمعية الدولية للنفايات الصلبة، على أن “كمية النفايات الإلكترونية ازدادت بسرعة تفوق سرعة نمو سكان العالم بثلاث مرات، ونمت بـ13 في المئة أكثر من إجمالي الناتج العالمي في السنوات الخمس الأخيرة”. ووفقا لتقرير صدر في يناير 2019، عن المنتدى الاقتصادي العالمي، فإن النفايات الإلكترونية أسرع النفايات نموا في العالم، حيث قارب حجمها 50 مليون طن سنويا، ومن المتوقع أن تصل الزيادة إلى 120 مليون طن في الثلاثين سنة القادمة. وقد أصبحت إعادة تدوير العناصر القيّمة الموجودة في النفايات الإلكترونية مثل النحاس، والذهب مصدر دخل للكثيرين في البلدان النامية أو الصناعية الناشئة. ومع ذلك، فإن تقنيات إعادة التدوير البدائية، تعرّض العمال البالغين والأطفال وكذلك أسرهم لمجموعة كبيرة من المواد الخطرة. وتنجم المخاطر الصحية المرتبطة بالنفايات الإلكترونية عن الاتصال المباشر بمواد ضارة مثل الرصاص، والكادميوم، والكروم، أو استنشاق الأبخرة السامة، وكذلك من تراكم المواد الكيميائية في التربة والمياه والطعام. ويسبب استرجاع النحاس القابل لإعادة التدوير عن طريق حرق الأسلاك اضطرابات عصبية، ويمكن أن يؤدي التعرض الحاد للكادميوم الموجود في أشباه الموصلات والرقائق، إلى تلف الكلى والكبد والتسبب في هشاشة العظام، كما أن التعرض على المدى الطويل للرصاص الموجود على لوحات الدوائر الإلكترونية المطبوعة، وشاشات الكمبيوتر، والتلفزيون يمكن أن يضر بالجهاز العصبي المركزي وكذلك الكليتين، والأطفال هم أكثر الفئات عرضة لهذه الآثار الضارة. وعادة ما تلجأ الدول إلى حرق النفايات الإلكترونية في الهواء الطلق، وهذا يزيد من تركيز مركبات الديوكسين في الهواء المحيط، ويتسبب ذلك في زيادة خطر الإصابة بالسرطان، في حال استنشاق هذه الغازات من قبل العمال والسكان المحليين، ويمكن أيضا أن تدخل المعادن السامة إلى مجرى الدم أثناء الاستخراج اليدوي للمعادن الثمينة. توفير موارد الطبيعة كما يمكن أن تؤدي عملية استخراج المعادن الثمينة من النفايات الإلكترونية بشكل غير مدروس، إلى تسرب مواد كيميائية سامة، تصل إلى طبقات المياه الجوفية وتؤثر بشكل خطير على جودتها، ما يجعل المياه غير صالحة للاستهلاك البشري أو للأغراض الزراعية. تختلف مراحل عملية إعادة تدوير الأجهزة الإلكترونية اعتمادا على المواد التي تتم إعادة تدويرها والتقنيات المستخدمة، وقد تكون إعادة تدوير الإلكترونيات أمرا صعبا لأن الأجهزة الإلكترونية المهملة هي أجهزة متطورة، ومصنوعة من عدة مواد يصعب فصلها، وبنسب متفاوتة من الزجاج والمعادن والبلاستيك، وتتم عملية إعادة تدوير الإلكترونيات بشكل عام من خلال عدة مراحل تبدأ بالتجميع والنقل، حيث يضع القائمون على إعادة التدوير صناديق تجميع أو كبائن لاسترجاع الأجهزة الإلكترونية في مواقع محددة، ويتم نقل النفايات الإلكترونية المجمعة من هذه المواقع إلى منشآت ومرافق إعادة التدوير. بعد ذلك تتم معالجة المواد الموجودة وفصلها إلى منتجات نظيفة يمكن استخدامها لصنع منتجات جديدة، ومواد أخرى مهملة، ويعتبر الفصل الفعّال للمواد أساس إعادة تدوير الإلكترونيات، حيث يتم فصل البلاستيك والمعادن المختلفة والزجاج، ثم تتم إعادة بيع المواد المفصولة كمواد خام قابلة للاستخدام لإنتاج أجهزة إلكترونية جديدة أو غيرها من المنتجات. تمكننا إعادة تدوير النفايات الإلكترونية من استرداد مختلف المعادن الثمينة وغيرها من المواد، وتوفير الموارد الطبيعية (الطاقة)، والحد من التلوث، والحفاظ على المساحات المخصصة لمكبات النفايات، وخلق فرص العمل. ووفقا لوكالة حماية البيئة الأميركية، فإن إعادة تدوير مليون كمبيوتر محمول يمكن أن يوفر طاقة كهربائية لأكثر من 3600 منزل لمدة عام. ويمكن أيضا بإعادة تدوير مليون هاتف محمول استرداد 34 كيلوغراما من الذهب، و3500 كيلوغراما من الفضة، و16 طنا من النحاس. وتشكل إعادة تدوير النفايات الإلكترونية جزءا هاما من عملية إدارة النفايات الصلبة، بسبب انفجار النمو في صناعة الإلكترونيات، بالإضافة إلى دورة حياة المنتج القصيرة التي أدت إلى تصاعد سريع في توليد النفايات الصلبة. من ناحية أخرى، تساعد عملية إعادة تدوير النفايات الإلكترونية على التقليل من نفايات الإنتاج، حيث يتطلب تصنيع جهاز كمبيوتر واحد نحو 1.5 طن من الماء، و240 كيلوغراما من الوقود الأحفوري، و18 كيلوغراما من المواد الكيميائية. ويؤدي نقل النفايات الإلكترونية خارج حدود الدول الغنية، إلى البلدان ذات العمالة الرخيصة والأساليب البدائية في إعادة التدوير، إلى مخاطر صحية عابرة للحدود قد تصعب السيطرة عليها. ويقترح خبراء في الدول التي ما زالت فيها فرص إعادة تدوير النفايات الإلكترونية محدودة، أو تتم بظروف بدائية وأساليب غير فعالة، الحد من انتشار هذه النفايات السامة، والحد من وصول الأجهزة الإلكترونية إلى مكب النفايات، من خلال تقليل شراء الأجهزة الأحدث، إن لم تكن هناك ضرورة فعلية للشراء، والاستفادة من الأجهزة القديمة إذا كانت صالحة للاستخدام لكنها لا تلبي المتطلبات الحالية للمستخدم، وذلك ببيعها للآخرين، أو التبرع بها لجمعيات خيرية تقوم بصيانتها وتوزيعها على الفئات المحتاجة.

مشاركة :