صناعة الأسلحة تكشف الوجه القبيح للتكنولوجيا | علي قاسم | صحيفة العرب

  • 10/11/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

هل خربت التكنولوجيا حياتنا، وهل هي المسؤولة عن الملايين من الضحايا التي تسببت بها الحروب؟ وماذا عن وسائل النقل، أليست هي إلى جانب أجهزة التبريد والتكييف مسؤولة عن تدمير الغلاف الجوي؟ إذا كان الحال هكذا، لماذا لا نعيد عقارب الساعة إلى الوراء، ونستغني عن التكنولوجيا؟ المدافعون عن التكنولوجيا يؤكدون أن العيب في البشر، وأن الحل يكمن في تبني سياسة أخلاقية تفرض على الجميع. المقولة الشهيرة “لكل شيء وجهان” تصح على التكنولوجيا أكثر مما تصح على أي شيء آخر في الحياة. إنها ثنائية الخير والشر، الصواب والخطأ، الظلم والعدل. صناعة الموت مع انتشار كورونا وتحوله إلى جائحة قاربت عدد الإصابات فيها 04 ملايين على مستوى العالم، وفاق عدد ضحاياها المليون، برز الوجه الإيجابي للتكنولوجيا التي ظهرت، خاصة، من خلال استخدام الروبوتات والذكاء الاصطناعي، بينما واصلت شركات أخرى في إغراق العالم باختراعات عسكرية، غالبا ما يقول منتجوها ومستهلكوها إن الغرض منها الدفاع عن النفس ومكافحة الأشرار. مثل هذه الظواهر ليست وليدة اليوم، في عام 1867، اخترع العالم السويدي ألفريد نوبل الديناميت، وكان الغرض منه أن يستخدم في مجال التعدين وشق الطرقات. ولكن، سرعان ما اكتشفت الحكومات ومن خلفها الشركات أهمية هذه المادة في الصناعات الحربية. تسبب الديناميت في قتل الملايين من البشر، بطريقة مباشرة وغير مباشرة، نصفهم على الأقل إن لم يكن 80 في المئة منهم طيبون، وخيرون، ذهبوا ضحية أطماع الشركات الكبرى والحكومات التي تدعمها، وإن جرت العادة على تغطية الدوافع بشعارات أيديولوجية تلبس لبوسا إنسانيا. الشيء الوحيد الذي استطاع نوبل أن يعمله لمسح شعوره بالذنب، لاختراعه الديناميت، هو أن يكرس ثروته، التي جناها من استثماراته في حقول النفط على طول بحر قزوين، وإصداره 350 براءة اختراع دولي، لتمويل جائزة تحمل اسمه، تمنح لأفضل إسهامات، علمية وإبداعية وإنسانية، تخدم البشرية. مقابل نوبل واحد عرفه العالم، هناك عشرات الآلاف من تجار الموت، يوظفون خيرة العلماء ومراكز البحث للاستفادة من التكنولوجيا الحديثة في صناعة الموت. ومع الأسف، فإن أعظم الابتكارات الحديثة التي عرفها العالم خدمة للصناعات الحربية، بعد الديناميت، هو الذكاء الاصطناعي. نحن نقرأ يوميا عن التطبيقات السلمية لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والخوارزميات. وستطول القائمة كثيرا لو أردنا تعداد هذه التطبيقات، التي تبدأ بإنترنت الأشياء، ولا تنتهي، حتما، بالحفاظ على كوكب الأرض والفضاء المحيط به. قد يكون مثال مواجهة كورونا واحدا من أكثر الأمثلة حضورا للذهن حاليا، حيث نرى تلك التطبيقات من حولنا أين اتجهنا. الجميع يعقد اليوم الآمال على الخوارزميات للتسريع من عملية اكتشاف لقاح للفايروس. إن كان هذا هو الوجه الإنساني للتكنولوجيا، فإن وجهها القبيح أكثر بروزا وحضورا؛ الذكاء الاصطناعي، الذي يعتمد عليه لتقديم حلول للمشكلات التي تعاني منها البشرية، يستخدم لخدمة آلة القتل العملاقة، التي لا يمكن أن تجمل مهما اجتهدت الأطراف المشاركة فيها بالبحث عن شعارات ومبررات لها. أشهر سلاح حربي فردي، استخدم لقتل الأفراد، على مدى 79 عاما، هو بندقية “إيه كيه – 47” المعروفة باسم “كلاشنيكوف”، نسبة لمخترعها الروسي ميخائيل كلاشنيكوف، الذي صممها خلال وجوده في المستشفى عام 1941، وجربت لأول مرة من قبل الجيش الروسي عام 1947. تستخدم بندقية كلاشنيكوف في أكثر من 40 جيشا حول العالم، وتعتبر السلاح المفضل لدى الحركات الثورية والتحررية، لسهولة استخدامها وفاعليتها الكبيرة أثناء القتال وقلة أعطالها. أسلحة ذكية خلال شهر أغسطس الماضي، قامت شركة كلاشنيكوف، وهي شركة لصناعة الأسلحة الحربية الخفيفة، أنشأت في البداية خصيصا لإنتاج البندقية “إيه كيه – 47″، بالإعلان عن إنتاج بندقية ذكية حديثة. ونشرت مقطع فيديو تظهر فيه البندقية الجديدة، مشيرة إلى إمكانية ربط البندقية المبتكرة بالهاتف الذكي “سمارت فون”، عبر الشاشة التي تحملها البندقية، والتي تظهر فيها المعلومات عن الوقت ومكان وجود صاحب البندقية والصور التي تلتقطها الكاميرا. وقال دميتري تاراسوف، المدير العام للشركة “هناك المزيد من المبتكرات، هذا هو المنتج الأول في هذا الاتجاه، وسنقوم بتطويره”. وتخطط الشركة لطرح البندقية للبيع في أوائل عام 2021. لم ننتظر طويلا، لنسمع ونرى المزيد مما تحدث عنه تاراسوف. هذه المرة لا يتعلق الأمر بالبندقية، وإنما بدرون انتحاري من طراز “لانتسيت”، يبقى على اتصال دائم مع مشغله حتى ضربه هدفه المعين. وأضاف أن الدرون الانتحاري الذي يعتبر حلقة في سلسلة الدرونات “زالا لانتسيت” يعرض لأول مرة في روسيا. وكان سيرغي تشيميزوف، مدير عام شركة “روستيخ” التي تعد شركة “كلاشنيكوف” فرعا لها، قد أعلن في وقت سابق أن أسطول الدرونات “زالا لانتسيت” يضم أسرة من الدرونات الذكية، بما فيها درون للاستطلاع وآخر للاتصال والملاحة. وهي قادرة، في ظروف القتال الحديث، على توجيه ضربات إلى الأهداف الجوية والبرية والبحرية، كونها لا تحتاج إلى بنية تحتية برية أو بحرية. وتتفوق بفعاليتها عن مثيلاتها. قيّم خبراء استطلعت آراءهم صحيفة “ذي واشنطن بوست” الأميركية عاليا الدرون الانتحاري، الذي كشفت عنه شركة كلاشنيكوف، وقالت الصحيفة إن الشركة التي اخترعت رشاش “إيه كيه – 47” الأسطوري عرضت سلاحا جديدا بمقدوره تغيير العالم. ويمتلك الدرون حسب خبراء الصحيفة كل الإمكانات ليحقق ثورة حقيقية في مجال الآليات الحربية والتكتيك العسكري. وقال كاتب المقال الذي نشرته الصحيفة “على الرغم من اختفاء الدرون وراء الدبابات والمدرعات والمقاتلات، إلا أن قدرته على تغيير طبيعة الحرب لا تقل عن قدرة تلك الأسلحة مجتمعة”. وأكد البروفيسور من جامعة إلينوي الأميركية، نيكولاس غروسمن، أن “من يشتري هذا السلاح يستطيع التحكم في قنبلة ذكية فائقة الدقة لا مثيل لها، باستثناء بعض القنابل الذكية الأميركية”. وأضاف البروفيسور قائلا إن “الدرون الجديد، شأنه شأن رشاش كلاشنيكوف، سيكون رخيصا وفعالا وسهل الاستخدام”. وتتراوح سرعة الدرون الانتحاري بين 80 و130 كيلومترا في الساعة. وبمقدوره أن يبقى محلقا في الجو لمدة 30 دقيقة. وتسمح منصة ذكية صممها مركز “زاسلون” العلمي التقني الروسي بإطلاق الدرونات الصغيرة الانتحارية. كل ما تحتاجه هو جهاز لاب توب واحد يستطيع أن يعيد برمجة نظام التحكم في الدرونات. قرار أخلاقي الدرون الانتحاري، باختصار شديد، سلاح فتاك صغير الحجم يمكن التحكم به بسهولة، وهو فوق هذا كله زهيد الثمن. هل راودتكم نفس الأفكار؟ أعتقد نعم. الدرون سلاح خطير وعواقبه سيئة جدا، في حال وقع بأيدي منظمات متطرفة وجماعات إرهابية. أشد ما يجب أن يخشاه العالم هو أن يكون البشر، باختراعات مثل هذه، يمهدون لكوارث لن يستطيعوا ردها إن هي خرجت عن سيطرتهم. أثبتت التجربة أن السلاح الذري استخدم مرة واحدة عندما انفردت الولايات المتحدة بامتلاكه، وأنه فقد ميزته، كسلاح يمكن أن يهدد به، عندما نجحت بامتلاكه عدة دول. الرقابة المفروضة على مثل تلك الأسلحة منعت دولا من حيازتها، بينما تتيح التكنولوجيا الرقمية، حتى لمجرد هواة، امتلاك الدرون الانتحاري. كل ما يحتاجه المخربون من معلومات ومواد للتصنيع متوفر عبر الإنترنت. ما هي الضمانات التي يمكن أن يقدمها المصنعون، وتقدمها الحكومات للشعوب، بأن هذه التكنولوجيا، التي يحتفل بها اليوم، لن تنتهي بيد الأشخاص الغلط؟ عندما يخرج المارد من القمقم، تصعب، بل تستحيل إعادته إليه ثانية. أليس هذا أول درس تلقيناه ونحن أطفال؟ لن يكون بالإمكان السيطرة على مارد التكنولوجيا، ما يمكننا السيطرة عليه، هو الإنسان. تبني الوجه الخير للتكنولوجيا، ورفض الوجه الشرير لها، قرار أخلاقي أولا وأخيرا.

مشاركة :