اتصل بخادم الحرمين الشريفين العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، لبحث الاتفاق النووي الإيراني الذي أبرم أمس، وهو على متن طائرة الرئاسة في طريقه إلى فيلادلفيا. وعقد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف وممثلة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني مؤتمراً صحفياً في العاصمة النمساوية فيينا أمس، أعلنا فيه رسمياً التوصل إلى الاتفاق بعد جلسة مغلقة لوزراء خارجية إيران والدول الست «الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وروسيا، والصين، وألمانيا». وقالت موغيريني «إنه يوم تاريخي، نعلن التوصل إلى اتفاق بشأن الملف النووي الإيراني، بشجاعة وإرادة سياسية والتزام مشترك بالسلام». وأعلنت المسؤولة الأوروبية أن الاتفاق - الذي يتألف من نص رئيسي و5 ملاحق فنية بشأن الملف النووي والعقوبات وتطبيق الاتفاق - سيقدم إلى مجلس الأمن الدولي للتصديق عليه. وأكدت أن الاتفاق يضمن أن يكون البرنامج النووي الإيراني سلميا بشكل كامل، وإخضاع كل البرامج النووية المستقبلية لإيران لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وقالت موغيريني إن الاتفاق سيؤدي إلى رفع كل العقوبات الدولية المفروضة على إيران في ما يتعلق بالبرنامج النووي وقطاعات الطاقة والمالية. وبحسب نص الاتفاق الذي نشرت عدة مصادر أجزاء منه، تلتزم إيران بالحد من أنشطتها النووية لأكثر من 10 سنوات مقابل رفع العقوبات المفروضة عليها من قبل الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ووافقت طهران - بحسب الاتفاق - على آلية تسمح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالدخول إلى المواقع النووية المشتبه بها في إيران خلال 24 يوماً، وستسمح طهران أيضاً بدخول المفتشين الدوليين إلى موقع بارشين العسكري. ويقضي الاتفاق بالعودة السريعة لفرض العقوبات على إيران خلال 65 يوماً، إذا لم تلتزم بتنفيذ تعهداتها. وبحسب نص الاتفاق، ستتمكن إيران من مواصلة تخصيب اليورانيوم، والاستمرار في أبحاث وتطوير أجهزة الطرد المركزي «بما لا يسمح بتراكم اليورانيوم المخصب». وستقتصر أنشطة البحث والتطوير الإيرانية على أجهزة الطرد المركزي «آي أر 4، وآي أر 5، وآي أر 6، وآي أر 8»، وذلك لمدة 10 سنوات، «وبما يتفق مع خطتها لأنشطة البحث والتطوير الخاصة بالتخصيب». وينص الاتفاق على استمرار حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على إيران 5 سنوات، بينما سيستمر الحظر على الصواريخ 8 سنوات. وقالت مصادر من فيينا إن الاتفاق يسمح لإيران ببيع إنتاجها من اليورانيوم ومنتجات معمل آراك التي تعمل بالماء الثقيل، وهو ما يجعلها عضوا في نادي الدول التي تتاجر في المنتجات النووية لأغراض سلمية. وأضاف أن الاتفاق يسمح لإيران بالإبقاء على كل مواقعها النووية ولا يجيز تفكيكها، وهو ما عُدّ تراجعا عما طالبت به بعض الدول الكبرى أثناء المفاوضات. وذكرت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية - نقلاً عما وصفته بملخص الاتفاق - أن «العقوبات الاقتصادية والمالية المفروضة من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة سترفع عندما يبدأ تطبيق الاتفاق، والحظر والقيود المفروضة على التعاون الاقتصادي مع إيران سترفع في جميع المجالات بما في ذلك الاستثمار في النفط والغاز». وأضافت أنه سيجري الإفراج عن مليارات الدولارات من أرصدة إيران المجمدة، كما سيرفع الحظر المفروض على الطيران الإيراني منذ 3 عقود، والحظر المفروض على البنك المركزي الإيراني وشركة النفط الوطنية الإيرانية وخطوط الملاحة الإيرانية والكثير من المؤسسات الأخرى والأشخاص. وأشارت إلى أن «حظر شراء بعض التقنيات والآلات ذات الاستخدام المزدوج سينتهي، ويمكن لإيران أن تحصل على ما تحتاجه من خلال مفوضية مشتركة بينها وبين مجموعة الدول الست». ودافع الرئيسان الأمريكي والإيراني عن الاتفاق النووي الذي أبرمته القوى الكبرى مع طهران بشأن برنامج طهران النووي في فيينا بعد مفاوضات شاقة. وأعلن كلا الطرفين تحقيقهما انتصاراً ومكاسب في المفاوضات. من ناحيته، أشاد المرشد الأعلى في إيران آية الله علي خامنئي بـ «الجهود المضنية والصادقة» للمفاوضين الإيرانيين الذين تمكنوا من التوصل إلى اتفاق حول الملف النووي الإيراني مع القوى الكبرى. وجاء كلام خامنئي على حسابه الرسمي على تويتر إثر لقائه الرئيس حسن روحاني وحكومته على إفطار. واعتبر الرئيس الأمريكي باراك أوباما في كلمة متلفزة من البيت الأبيض أن ما وصفه بالاتفاق التاريخي بين إيران والدولة الكبرى قطع كافة الطرق أمام إمكانية امتلاك طهران أسلحة نووية وأوقف انتشار الأسلحة النووية في منطقة الشرق الأوسط، كما تعهد باستخدام حق النقض ضد أي محاولة من الكونغرس لوقف تمرير الاتفاق النووي مع إيران. وأشار إلى أنه على الرغم من أن الاتفاق لم يحل كل الخلافات مع إيران فإنه أزال احتمال اللجوء إلى القوة، معتبرا أن بدون الاتفاق لم يكن بالإمكان تقييد البرنامج النووي الإيراني. وفي هذا السياق، أكد أوباما أنه بموجب الاتفاق ستتخلص إيران من 98% من مخزونها من اليورانيوم المخصب، كما أنها لن تنتج اليورانيوم المخصب لعشر سنوات، وأوضح أن الاتفاق يتضمن عدم بناء إيران مفاعلات للماء الثقيل لمدة 15 عاماً، مشيراً إلى أن إجراءات الشفافية ستستمر لمدة 25 عاماً. كما شدد أوباما في كلمته على أن الاتفاق لم يبنَ على أساس الثقة وإنما على أساس التحقق، والسماح لمفتشي الأمم المتحدة بالدخول للمواقع المشتبه فيها في أي وقت على مدار 24 ساعة، على حد تعبيره. وفي نفس الإطار، أوضح أوباما أن كل تفاصيل الاتفاق ستصدر في قرار لمجلس الأمن الدولي قريبا، مشيراً إلى أن العقوبات سترفع تدريجياً عن طهران مع تحقيق إيران مطالب المجتمع الدولي والتزامها بتطبيق الاتفاق. وحذر أوباما من أن العقوبات سيعاد فرضها على إيران بمجرد انتهاكها الاتفاق. ورغم تلك التحذيرات فإن الرئيس الأمريكي أكد أن الاتفاق النووي مع إيران يتيح الفرصة لاتباع اتجاه جديد في العلاقات مع طهران، لكنه في المقابل وعد إسرائيل المشككة في الاتفاق بعدم التخلي عنها، وعدم التخلي عن الحلفاء في الخليج بمواجهة أي تهديدات إرهابية. ولم يغفل أوباما انتقاده لإيران برفضه دعم إيران للإرهاب واستخدام من وصفهم بوكلاء لزعزعة استقرار المنطقة. وعلى عكس ما قاله أوباما اعتبر الرئيس الإيراني الاتفاق مع القوى الكبرى بمثابة «نقطة انطلاق» لبناء الثقة طالما تم الالتزام بتطبيق الاتفاق. وقال حسن روحاني في كلمة مباشرة نقلها التلفزيون الإيراني «إذا تم تطبيق هذا الاتفاق بالشكل السليم يمكننا أن نزيل انعدام الثقة بشكل تدريجي»، مشيراً إلى التوتر الذي طغى على العلاقات مع الغرب. واعتبر روحاني أن الاتفاق حقق جميع الأهداف المرجوة من المفاوضات مع القوى الكبرى وتشمل الحفاظ على التكنولوجيا النووية والنشاطات النووية داخل الأراضي الإيرانية والاستمرار بها، إضافة لإلغاء الحظر والعقوبات وإلغاء كل القرارات التي صدرت عن مجلس الأمن، وأخيراً إخراج الملف النووي الإيراني من تحت الفصل السابع. وفي هذا السياق، أوضح روحاني أن طهران رفضت الاستغناء عن الماء الثقيل في مفاعل آراك، مشيرا إلى أن الاتفاق يقر بذلك في النهاية. كما اعتبر أن الاتفاق فتح صفحة جديدة في تاريخ المنطقة تقوم على الحوار لحل الأزمات، مشيراً إلى أن نتائج الاتفاق بعد 23 شهراً من المفاوضات متبادلة ولا يوجد فيها ربح أو خسارة للأطراف.
مشاركة :