حث وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، أمس، السلطات اللبنانية على الإسراع في تنفيذ إصلاحات «طال انتظارها» خلال زيارة إلى بيروت، هي الأولى التي يجريها مسؤول أجنبي رفيع منذ أشهر إلى البلد الذي يأمل الحصول على دعم خارجي يُنقذه من دوامة الانهيار الاقتصادي. وأكد لودريان أنه «ليس هناك حل بديل لبرنامج صندوق النقد الدولي للسماح للبنان للخروج من الأزمة، خصوصاً عبر التنفيذ الفعلي للتدقيق في مصرف لبنان»، مشدداً على ضرورة إعادة إطلاق المفاوضات مع صندوق النقد، التي شهدت تباينات بين المفاوضين اللبنانيين أنفسهم، إن كان على حجم الخسائر المالية أو إصلاح القطاع المصرفي. والتقى لودريان، الذي وصل مساء أمس الأول إلى بيروت في زيارة تستمر يومين، كلا من الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس الحكومة حسان دياب ورئيس مجلس النواب نبيه بري. وقال لودريان في مؤتمر صحفي، بعد لقائه نظيره اللبناني ناصيف حتي: «هناك أفعال ملموسة طال انتظارها»، مضيفاً: «من الملح والضروري السير عملياً على درب الإصلاحات، هذه الرسالة التي جئت أحملها لكل السلطات اللبنانية ومجمل القوى السياسية». وأوضح أن «فرنسا مستعدة للتحرك بشكل كامل وأن تحشد شركاءها كافة، لكن يجب تنفيذ إجراءات تصحيح جدية وذات مصداقية»، لافتاً إلى أن مطالب المتظاهرين اللبنانيين بالتغيير والشفافية لم تلق آذاناً صاغية حتى الآن. وكرر لودريان ما كان قاله سابقاً هذا الشهر: «ساعدونا لكي نساعدكم»، موضحاً أن هذا هو شعار الزيارة إلى بيروت. وتأتي زيارة لودريان في وقت يشهد فيه لبنان الانهيار الاقتصادي الأسوأ في تاريخه الحديث. ولم توفر تداعياته أي طبقة اجتماعية، خصوصاً مع خسارة الليرة أكثر من ثمانين في المئة من قيمتها أمام الدولار، وهو ما تسبب بتآكل القدرة الشرائية للمواطنين. وخسر عشرات الآلاف وظائفهم أو جزءاً من رواتبهم. وبات نصف اللبنانيين تقريباً يعيشون تحت خط الفقر، ولامس معدل البطالة 35 في المئة. وفي مارس الماضي، تخلّف لبنان للمرة الأولى في تاريخه عن تسديد ديونه الخارجية، ثم طلب مساعدة صندوق النقد الدولي معتمداً على خطة إنقاذ اقتصادية وضعتها الحكومة. لكن بعد جلسات عدة بين ممثلين عن الطرفين، لا تزال المفاوضات تراوح مكانها. وكان المجتمع الدولي وعلى رأسه فرنسا وضعت شرطاً لتقديم أي مساعدة مالية للبنان يتمثل في تنفيذ إصلاحات جدية على الأرض. وأعلنت الحكومة اللبنانية الأسبوع الحالي تعاقدها مع شركة «الفاريز ومارسال» للتدقيق المالي الجنائي في حسابات مصرف لبنان. وتطرق لودريان بشكل أساسي إلى قطاع الكهرباء، الذي كبّد خزينة الدولة اللبنانية أكثر من 40 مليار دولار منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975-1990). وقال: «أقولها بوضوح ما تم حتى الآن في هذا المجال ليس مشجعاً». وشدد لودريان أيضاً على ضرورة أن يحترم لبنان سياسة النأي بالنفس عن الصراعات في المنطقة. ويطمح لبنان إلى الحصول على دعم خارجي بأكثر من 20 مليار دولار، بينها 11 ملياراً أقرها مؤتمر «سيدر» الذي انعقد في باريس في 2018 مشترطاً إصلاحات. ويعتمد لبنان في مفاوضاته مع الصندوق على خطة تقشفية أقرتها الحكومة في نهاية أبريل، وتمتد على مدار خمس سنوات، إلا أنها لاقت انتقادات من أطراف سياسية عدة كما من المصارف، التي يعود إليها القسم الأكبر من ديون الدولة. وتقترح إصلاحات على مستويات عدة بينها السياسة المالية وميزان المدفوعات والبنى التحتية، وإعادة هيكلة للديون والمصارف. كما تنص على إصلاحات أساسية في البنى التحتية، بينها في قطاع الكهرباء. ومن المقرر أن يلتقي لودريان أيضاً البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي. كما يزور اليوم الجمعة مستشفى رفيق الحريري في بيروت، حيث تتركز جهود مكافحة فيروس كورونا المستجد في لبنان. وفي أكتوبر الماضي، انتفض مئات آلاف اللبنانيين ضد الطبقة السياسية، واتهموها بالفساد والعجز. وتراجع زخم التحركات مع تفشي فيروس كورونا المستجد، الذي سجل حتى الآن 3102 إصابة بينها 43 حالة وفاة. وتُعد زيارة لودريان الأولى لمسؤول أجنبي رفيع المستوى إلى لبنان منذ تشكيل حكومة دياب قبل أشهر وبدء انتشار فيروس كورونا المستجد حول العالم.
مشاركة :