رؤى جمالية على وقع الثورة اللبنانية | ميموزا العراوي | صحيفة العرب

  • 7/24/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

“كان يا مكان ثورة في لبنان” هو أول معرض تقيمه صالة “جانين ربيز” بعد انتشار فايروس كوفيد – 19 بلبنان، وما اقتضاه الأمر من إغلاق شامل للبلد وصالات العرض الفنية. معرض أتى ثائرا ومذكّرا بالثورة اللبنانية التي ألهمت الفنان اللبناني سليم معوض إعادة تشكيل رؤاه الجمالية على وقع أحداث 17 أكتوبر 2019 وما تلاها. بيروت- بعد انقطاع طويل عن النشاط الفني تقدّم صالة “جانين ربيز” البيروتية معرضا للناشط الاجتماعي والفنان التشكيلي اللبناني سليم معوض تحت عنوان “كان يا مكان ثورة في لبنان”. عنوان مستفز المعرض الذي يستمر حتى نهاية شهر يوليو الجاري يضم مجموعة من اللوحات المشغولة بمادة الأكريليك على قماش وعلى ألواح خشبية أعطتها فجاجة طازجة وكأنها اقتطعت للتو من الشارع، حيث رسم الفنان على جدار من جدران الثورة في وسط بيروت، كمثل العديد من الفنانين، أفكاره السياسية المناهضة للسلطة الحاكمة. وكانت للفنان اللبناني قبل معرضه الفردي الأول هذا، مشاركة في معرض جماعي خلال أيام احتدام الثورة. يومها وضع سليم معوض لوحة له بعنوان “دراجة الثورة الهوائية” مشغولة أيضا بمادة الأكريليك على قماش. قال عنها “إنها دراجة خاصة جدا، لأنها كانت خلال أيام وليالي الثورة تأخذني إلى ساحات المظاهرات قبل أن تُسرق مني”. أما اليوم فيذكر الفنان أنه أنجز رسمة كتب فيها “ردولنا الأموال المنهوبة وما تنسو البيسيكلات” (أرجعوا لنا الأموال المنهوبة ولا تنسوا الدراجة). عنوان معرض سليم معوض الحالي “كان يا مكان ثورة في لبنان”، هو من دون شك مستفز لكل من شارك في انطلاقة ثورة 2019، لأنه عنوان يرثي ثورة عنت له الكثير وشارك فيها بشكل يومي. ولكنها ومن جهة أخرى ثورة لم يكن عمرها طويلا ولم تحقّق أهدافها، بل على العكس اجترّت عن غير قصد سلطة أكثر فسادا وطائفية عمّا سبقها وأفرزت إلى جانب آفاتها المزمنة، أزمة اقتصادية خانقة لم يعرفها لبنان المعاصر من قبل. وبسبب هذا الوضوح المؤلم حول ما آلت إليه الثورة يمكن لزائر معرض الفنان سليم معوض أن يتغاضى عن مشاعره المختلطة تجاه الثورة وتجاه اعترافه الضمني بإخفاقها. لم تقدّم أعمال سليم معوض الجديد لا في المضمون لناحية استخدام الثور كرمز للشعب والثورة، ولا تشكيليا لناحية الأسلوب الفني اللصيق بأسلوب الفنان الشهير بابلو بيكاسو، غير أن الفنان أضاف خاصية مبتكرة للثور/الشعب في جعله متحولا ومتبدل الأدوار في لوحاته من الضحية إلى الجزار، ومن العامة الثائرة إلى الفئة الحاكمة والمثيرة للنعرات الطائفية والممتصّة لخيرات البلد. وضع الفنان نصا مقتضبا عبّر فيه عن رؤيته لثورة 17 أكتوبر. نص فيه الكثير من الإجحاف والاستهتار بما عنت هذه الثورة، وقد تشارك من هذه الزاوية مع فئة من السلطة حول رفض تسميتها بـ”ثورة”، لأنها “مجرد” انتفاضة لا عنف فيها. ويبقى المعنى واضحا للثائر السلمي التوجه (الذي يدرك أنه، تاريخيا، الثورات اللاعنفية حقّقت النتائج الأصعب)، وإن حاول الفنان التحايل بكلامه حول ما يعني موقفه من غياب العنف في هذه الثورة بهذه الكلمات “في ثورة لبنان لم يذهب العنف في أي اتجاه. ولست أعني العنف الدموي، بل العنف ضد الذات والممارسات المدمرة”. ربما سيستغرب الكثير من مُشاهدي الأعمال الفنية ما صرّح به الفنان/الناشط الاجتماعي الداعي إلى محو الانقسامات ومن ضمنها التصدّي للطائفية، حينما “قسم ظهر” الثورة في ذكره لسبب اختياره جدارا دون غيره من الجدران لكي يرسم غرافيتي ثائرا ولافتا بتعبيريته، قائلا “اخترت المكان الذي يحتجّ فيه أناس ‘أشداء’، فالناس المتظاهرون في رياض الصلح لا يريدون ما يريده أولئك الجالسون على بعد نحو 400 متر منهم في ساحة الشهداء. في رياض الصلح يهتفون باسم النبطية وصور ويطالبون بإقالة رئيس مجلس النواب نبيه بري. أما ساحة الشهداء ففيها مواطنون أكثر مدنية وتقدمية وفيها الذين يريدون أن يرقصوا ويغنوا..”. وبنفس إستراتيجية التلطيف ينهي كلامه قائلا “والمشهدان جميلان”، أي مشهد ساحة رياض الصلح من جهة ومشهد ساحة الشهداء من جهة أخرى. قدّم الفنان سليم معوض في معرضه “كان يا مكان ثورة في لبنان” نموذجا مهمّا عن تورّط الفن في القضايا السياسية والاجتماعية، خاصة أنه عرف عنه انخراطه في العمل مع منظمات حقوقية تعنى بالمواطنة وحل النزاعات ونشر ثقافة السلام، كما أمضى سنوات في إدارة مشاريع بحثية، تهدف لخلق نماذج للتعامل مع ماضي المجازر الجماعية والإبادة في بلدان أفريقية مثل رواندا وكونغو. وهو الذي قال في نص كتبه من وحي كلمات الشاعر ت.س.إليوت، علّقه إلى جانب الأعمال الفنية، يقول “للأسف! فأنا لا أرقص. أنا أنتفض. لقد أطلقوا ثورتهم في هذا البلد وفي بلدان أخرى. متسرعين كانوا يستهلكونها مثل الوجبات السريعة. متسرعين أعلنوا إلغاء الطائفية. ولكنهم رقصوا. رقصوا باسم الحرية والمدنية”. ويسترسل النص/البيان “جمهور متراقص على مقربة من الساحات العامة، في يوم من أيام أكتوبر، مثلما تتراقص الدببة. شعب ثرثار يختنق بالبروباغندا، على عمق سطح الساحات العامة، مثلما تثرثر القرود. شعب يبكي على ثورات عديدة في زوايا منازل مظلمة، مثلما تتباكى الببغاوات. كفى طائفية. خذ خنجرك واشطبها. ارقص فوقها. يجب ذبحها. الطائفية الباغية في داخلك يجب أن تقتل”. “كان يا مكان ثورة في لبنان” هو معرض فني يقدّمه الفنان سليم معوض بعيدا عن ساحة رياض الصلح، حيث كان يتظاهر “الأشداء” من الثوار. معرض قدّمه في صالة تعدّ واحدة من أهم الصالات الفنية اللبنانية التي تؤمن بأهمية الثورة السلمية، لأنها خلافا للثورة التي تعتمد العنف هي ثورة لا تأكل أطفالها.

مشاركة :