يستطيع المؤمن أن يجعل لكل ثانية من عمره ثوابًا وأجرًا، وأن يجعل كل عمل من أعماله فضيلةً وبرًّا، إذا احتسب ذلك عند الله جلّ وعلا، فعن أبيّ بن كعب - رضي الله عنه - قال: كان رجل من الأنصار بيته أقصى بيت في المدينة، فكان لا تُخطئه الصلاة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: فتوجعنا له، فقلت له: يا فلان لو أنك اشتريت حمارا يقيك من الرمضاء ويقيك من هوام الأرض، قال: أما والله ما أحب أن بيتي مطَّنَبٌ ببيت محمد - صلى الله عليه وسلم -، قال: فحمَلتُ به حِملا حتى أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته، قال فدعاه، فقال له مثل ذلك وذكر له أنه يرجو في أثره الأجر، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: ( إن لك ما احتسبت ) رواه مسلم، أي لك أجر ما احتسبت. هذا الحديث العظيم جامعٌ في باب الاحتساب، دالٌّ على أن من احتسب عملَه كُتبَ له أجر عملِه وأجر حِسْبته. والمقصود بالاحتساب هو احتساب الأجر من الله تعالى عند القيام بعمل الطاعات أو العادات المباحة، فإذا استحضر الإنسان ذلك فإنه سيدفع عن نفسه خواطر السوء من السمعة والرياء وطلب المدح والثناء من الناس، إلى غير ذلك من الآفات التي تُحبط العمل أو تنقص الأجر، وكذلك تجعله يصبر على البلايا والمكاره عند وقوعها ويطلب الأجر من الله تعالى على ذلك. من صنوف الاحتساب وأنواعه ما يلي: 1- الصبر على المصيبة وتحمل البلاء: يتحصل العبد المؤمن على أجور عظيمة إذا صبر عند نزول البلاء به، يقول الله تعالى: {الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} (البقرة: 156-157)، أي أن ذلك فعل المحتسبين الصابرين. 2- إتقان العبادة وإجادتها: إذا استشعر المرء مراقبة الله جلّ وعلا فإن ذلك سيدفعه إلى الإحسان والقيام بالعبادة على أحسن وجه، ومن ذلك أن يسبغ الوضوء على المكاره، وأن يمشيَ في الظُلم إلى المساجد. 3- فعل أو ترك المباح بنية القُربة: يؤجر المرء على ما يفعله من المباحات إذا احتسب ذلك عند الله تعالى، روى البخاري في صحيحه أن معاذ بن جبل وأبا موسى الأشعري - رضي الله عنهما - تذاكرا قيام الليل، فقال أحدهما: «أما أنا فأقوم وأنام وأرجو في نومتي ما أرجو في قومتي». 4- اجتناب المعاصي والآثام: إذا ترك العبد المعصية امتثالاً لأمر الله وخوفًا من عقابه فإنه يؤجر على نيته، روى مسلم في صحيحه أن الملائكة قالت: ربِّ ذاكَ عبدك يريد أن يعمل سيئة - وهو أبصر به -، فقال: ( ارقبوه، فإن عملها فاكتبوها له بمثلها، وإن تركها فاكتبوها له حسنة، فإنما تركها من جرّاي ) أي تركها من أجلي. ثمرات الاحتساب الاحتساب يُعزِّز الإخلاص لله تعالى ويورث محبته، ويحوِّل العادات إلى عبادات، كما أنه يمنع تحول العبادات إلى عادات، ويدعو إلى الصبر والتصبر، ويهوِّن المشاق ويلذِّذ المكاره، ويدفع الحزن ويجعل العبد راضيا بقضاء الله محسنا الظن به سبحانه وتعالى. ومن الأسباب التي تدفع المرء للاحتساب: علمه بأجور العمل، وحرصه على مضاعفة الأجر، فالاحتساب تجارة المخلصين، وكلما علم العبد أجر العمل زاد احتسابه للعمل، كما أن الاحتساب يُكسب محبة الله تعالى، وكلما استشعر العبد محبة الله له في العبادة زاد من احتسابه لها وأدائها على الوجه الأكمل.
مشاركة :