بعد أن أعلنت البحرية اليونانية نشر بوارج عسكرية في بحر إيجه ودخولها حالة التأهب بسبب الأنشطة التركية لاستكشاف موارد الطاقة، يتوقع المتابعون اندلاع مواجهة وشيكة بين تركيا واليونان، قد يصعب احتواؤها، ما سيفاقم من منسوب التوتر ويؤجج النزاعات الإقليمية أكثر فأكثر. إسطنبول - يحذر متابعون من أن خطر المواجهة المباشرة بين دول شرق البحر المتوسط يتزايد في ظل استمرار سياسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الاستفزازية، وتأتي التحذيرات بعد أن أطلقت البحرية التركية إخطارا يُعرف باسم نافتكس لإجراء مسوح اهتزازية في المنطقة بين قبرص وكريت. وأكدت مصادر عسكرية يونانية لصحيفة كاثيميريني أنه إذا لامست سفينة الأبحاث السيزمية التركية “أوروج ريس” الجرف القاري اليوناني، فستتحمل تركيا المسؤولية “الكاملة والحصرية” عمّا سينجر عن ذلك. وأوضحت المصادر نفسها أن القوات المسلحة اليونانية ضاعفت من استعدادها ردا على قرار أنقرة بإرسال ثلثي الأسطول التركي إلى بحر إيجه. كما أشارت إلى أن الإخطار جاء بعد فترة وجيزة من الذكرى 46 للتدخّل التركي في قبرص تحت اسم “عملية سلام قبرص”، وفي فترة كان يجب أن تقتصر على إجراءات بناء الثقة بين اليونان وتركيا. وطالبت الخارجية اليونانية تركيا “بالوقف الفوري لأنشطتها غير القانونية التي تنتهك سيادة اليونان وتقوّض السلام والأمن في المنطقة”. وفي هذه الأثناء أكدت تركيا رفضها لموقف اليونان التي تؤكد أن أنشطة الاستكشاف التركية في شرق البحر المتوسط تمثل انتهاكا لسيادة الأراضي اليونانية، ما يعني أن التوترات ستظل مرتفعة في المنطقة. وكانت التحركات التركية للتنقيب عن الغاز شرقي البحر المتوسط قد أثارت انتقادات كبيرة من اليونان وقبرص ومصر، خصوصا بعد توقيع أنقرة مذكرة تفاهم لترسيم الحدود البحرية مع حكومة الوفاق الليبية نهاية العام الماضي في انتهاك للسيادة الليبية. وإضافة إلى أنشطة التنقيب عن النفط والغاز قبالة قبرص والدعم العسكري لحكومة طرابلس، أثارت تركيا غضب اليونان والاتحاد الأوروبي في وقت سابق هذا العام عندما توقفت عن منع المهاجرين من التوجه إلى أوروبا، ما تسبب في تدفق عشرات الآلاف من المهاجرين إلى الحدود اليونانية. تصعيد مستمر أمام تواصل التوترات، يتوقع الباحث في جامعة ساو باولو والخبير في الشؤون التركية، كارابكير أكويونلو، في حوار مع ياوز بيدر رئيس تحرير أحوال تركية، أن نذر حرب تلوح في أفق أردوغان، قد تندلع مع التنافس بشأن حقوق التنقيب عن المواد الهيدروكربونية والحدود البحرية، “حتى لو لم يكن أي من الأطراف مهتما بها”. ورأى إن التوتر بين الدول المعنية، وخاصة تركيا واليونان وقبرص وإسرائيل ومصر، قد يصل إلى ذروته “ويصبح من المستحيل احتواؤه”، ليتحول إلى نوع من الديناميكيات “التي قد تتجه نحو المواجهة المباشرة”. وأفادت صحيفة بيلد الألمانية أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أبطلت مواجهة عسكرية محتملة بين تركيا واليونان مساء الثلاثاء. وإضافة إلى التصعيد في شرق المتوسط يشير أكويونلو إلى أن الحروب بالوكالة مستمرة في سوريا بالفعل، “لكننا نتحدث عن تطور محتمل للمواجهة المباشرة بين الجيشين السوري والتركي هناك وهو ما حدث إلى حد ما”. وأضاف أن الوضع في بحر إيجه وليبيا “ليس بالضرورة علامة على رغبة مصر أو اليونان في شن حرب مباشرة”، ولكنه تطوّر لا مفر منه. وقال إن شبح هذه المواجهة أصبح أكثر وضوحا. وتصاعدت التوترات بين تركيا واليونان مرة أخرى حول حقوق التنقيب عن المواد الهيدروكربونية في شرق البحر المتوسط. حيث تؤكد تركيا أن لها وللدولة القبرصية التركية الانفصالية في ثلث الجزيرة الشمالي الحق في حدود مياه إقليمية أوسع. وأطلقت البحرية التركية إخطارا يُعرف باسم نافتكس لإجراء مسوح اهتزازية في المنطقة بين قبرص وكريت. وتعد تلك المسوحات جزءا من التحضير لعمليات التنقيب في شرق المتوسّط. وقالت الخارجية اليونانية إن نافتكس يشمل جزءا من الجرف القاري اليوناني. ويلفت أكويونلو إلى إن ميول تركيا العسكرية العدوانية الحالية تذكرنا بالتسعينات، حيث عادت بعض من أبرز أطراف تلك الحقبة إلى اللعبة اليوم. ويشكل الإسلاميون السياسيون وأنصار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع طائفة واسعة من القوميين الأتراك، الكتلة التي تحكم البلاد. وتابع أنه إذا تغيرت الظروف، فسينعكس التحول السريع بين شركاء الائتلاف على السياسة الخارجية. لكن أردوغان سيستمر في نهجه ما دام على رأس السلطة تحت الخطاب الإسلاموي القائم على أيديولوجيته الذي يشكّل التحالفات ويكسرها. يعتبر قرار الرئيس التركي الأخير بإعادة تحويل آيا صوفيا من متحف إلى مسجد وإقامة صلاة الجمعة الأولى فيه انتصارا لأتباع الإسلام السياسي الذين دعوا إلى هذا القرار. ويصادف التاريخ الذكرى السنوية لمعاهدة لوزان، التي أنهت الأعمال العدائية رسميا بين الحلفاء والدولة التركية الوليدة التي خلفت الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى. وكانت رابطة شباب الأناضول قد نظمت احتجاجات وصلوات خارج مبنى آيا صوفيا، في حين نظمت مجموعات أخرى حملات قانونية لتحقيق هذا الهدف. وبيّن أكويونلو أن أردوغان يهدف إلى استخدام قرار آيا صوفيا لإعادة تأكيد موقفه كزعيم للمسلمين في تركيا وخارجها، وكزعيم للإسلام السياسي في العالم. لكن هذه الخطوة خلقت قلقا كبيرا سيبعد تركيا عن أصدقائها السابقين في الغرب. حيث أثار قرار تحويل هذا المعلم إلى مسجد انتقادات في الخارج خصوصا من روسيا واليونان، وأعرب البابا فرنسيس عن “حزنه العميق” لهذا القرار. كما انتقدته نائبة رئيس البرلمان الألماني، كلاوديا روت، معتبرة إياه “إعلانا للحرب على تركيا العلمانية” وإساءة استخدام للدين. وينتهك قرار الحكومة التركية بتحويل آيا صوفيا إلى مسجد مادتين من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان وهما المادة 8 والمادة 2 من البروتوكول الإضافي الأول الملحق بالاتفاقية. من جهة أخرى، يبقى أكويونلو غير متأكد من الفوائد المادية التي يمكن للحكومة جنيها من هذه الخطوة. وقال إن هذا الانتصار قد يكون باهظ الثمن محليا. حيث أراد أردوغان استخدام سلاح مهم في ترسانة الحكومة التركية بطريقة لن تؤدي إلى نتائج تعكس أهمية هذه الخطوة. ويرى أن القرار قد يعكس الأزمة التي تتخبط فيها هذه الحكومة أكثر من أي شيء آخر. فقد حاول أردوغان تعزيز قاعدته الإسلامية، ولكن استخدامه لورقة آيا صوفيا في هذه الفترة لا أهمية له، كما يجد صعوبة في رؤية فوائد هذه الخطوة من منظور انتخابي. وكانت محكمة تركية عليا قد أعلنت هذا الشهر إبطال قرار تحويل آيا صوفيا إلى متحف والذي صدر في ثلاثينات القرن الماضي. وفور صدور الحكم أعلن أردوغان إعادة المبنى – الذي كان في الأصل كنيسة تعود إلى العصر البيزنطي قبل 900 عام قبل أن يستولي عليه العثمانيون – إلى مسجد وهو ما كان عليه منذ ذلك الحين وحتى عام 1934. اقرأ أيضا: فوضى أردوغان تزعزع القوقاز من أبواب أذربيجان
مشاركة :