بات من شبه المؤكد أن الأزمة المالية المقبلة ستكون من صنع مؤشرات الأسهم والصناديق المدرجة على تلك المؤشرات. وبات ذلك حتمياً لأن حصة الصناديق المدرجة من تدفق الاستثمارات تضخمت جداً ، كما اتسعت دائرة الإقبال عليها كأوعية تستخدمها صناديق التحوط. لكن العنصر الذي لا يزال أقل وضوحاً ويخضع لكثير من الجدل، هو ما إذا كانت تركيبة الصناديق المدرجة سوف تفاقم الأزمة المقبلة أو أنها سوف تكون السبب في حدوثها فقط. وتبدي هيئات التنظيم القلقة من تنامي دور الأوعية المالية المستحدثة في تطور الأزمات السابقة، قلقاً جديداً من قدرة الصناديق المدرجة على التسبب بأزمة أخرى. لكن أصحاب الصناديق يدعون أنهم يزيدون السيولة في الأسواق المالية ويقلصون احتمالات هشاشتها أمام الصدمات المفاجئة. ويتهمون هيئات التنظيم بأنها تسهم في تطوير أزمات يفترض فيها أن تعالجها. وتدير الصناديق المدرجة ما يصل إلى 3 تريليونات دولار من الأصول المدارة. لكن هذا يطرح سؤالاً مهماً حول ما إذا كانت تلك الصناديق قادرة على قيادة السوق أم أنها تبقى تابعة له. وهذا يتجلى على صعيدين. أولاً يخشى من أن تكون المؤشرات قد أفسدت الأسواق مع الزمن ، وثانياً قد تكون آلية عمل الصناديق المدرجة هي التي تفاقم أزمات المؤشرات عندما تحدث. ويطال تأثير المؤشرات من الناحية النظرية كافة الصناديق المدارة مؤسساتياً. وقد اتسعت دائرة المقارنة لدى الاستشاريين الذين تعتمد عليهم المؤسسات المالية عند اختيارها مديراً لأصولها لدرجة أن انشط مديري الأصول لم يعد لديهم خيار سوى متابعة المؤشر الذي تجري مقارنة أدائهم به عن كثب والالتزام بأدنى تغيير يسجله. وعندما يتم تحديث مؤشرات راسيل سنوياً ، وهي الأكثر متابعة من قبل مديري الصناديق في الولايات المتحدة، فإن تلك المؤشرات تؤثر بقوة في حجم التداولات. وقد هبطت أسهم الفئة الممتازة الصينية في يونيو/حزيران الماضي عندما قررت شركة مؤشر مورغان ستينلي للأسواق الناشئة تأجيل إدراج تلك الأسهم على المؤشر، وشكل ذلك مفاجأة كبرى. وتدخلت الحكومة الصينية بقوة لدعم إدراج تلك الأسهم على المؤشر كونه يحفز تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى فئة الأسهم الصينية الممتازة.ويجتهد القائمون على المؤشرات لخفض تأثيرها في الأسواق. ويكشف مؤشرراسيل معادلاته الحسابية للجمهور بحيث يتعرف المستثمرون إلى اتجاهات التغيير المحتمل قبل أسابيع من حدوثه. أما مؤشر مورغان ستينلي فيجري كافة تحليلاته واستشاراته علناً. ولكن مع انتشار سطوة المؤشرات ومعايير المقارنة بات تحاشي سطوة تلك المؤشرات اقرب إلى المستحيل. وفيما يخص المستثمر السلبي لا بد أن تكون قواعد عمل المؤشر واضحة إلى أبعد حد ممكن. وبالنسبة لمديري الأصول قد يكون الحل في تغيير قواعد لعبة المقارنة. وبدلاً من متابعتهم أداء المستثمرين في الماضي ينبغي على الاستشاريين متابعة سلوك المستثمرين وتصنيفهم طبقا لدرجة انضباطهم. ثم هناك قضية هيكلية السوق حيث أثارت حادثتان خلال عام 2015 مخاوف المتداولين. ففي الرابع والعشرين من أغسطس/آب هبطت أسعار الأسهم الأمريكية عند افتتاح بورصة نيويورك ولم تكن اسهم الصناديق المدرجة متاحة للتداول لفترة قصيرة. وفي ديسمبر /كانون الأول تحولت موجة بيع في سندات الخزانة الأمريكية عالية معدلات العائد إلى فوضى في تداول سندات الصناديق المدرجة التي تملك تلك السندات. ولا شك أن الحوار في هذه القضية واسع ومتشعب. ولا تزال أصداء الأوعية المسمومة التي تسببت في أزمة عام 2008 ماثلة أمام الجميع. وخارج إطار الخلل الاستثنائي لا يمكن اختبار قدرة الأوعية المالية على الصمود في وقت الأزمات وتحت الضغط. ولهذا يبقى من الأفضل لكافة الأطراف التسلح بالحيطة والحذر بمن فيهم مديرو صناديق إدارة الأصول.
مشاركة :