تحدث الدكتور إبراهيم محمد مرجونة، أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية، رئيس قسم التاريخ كلية الآداب بدمنهور عن تصور الفيلسوفُ أبو نَصر الفَارَابيْ للمدينة الفاضلة.وقال مرجونة: يقدِّم الفيلسوفُ أبو نَصر الفَارَابيْ تَصوُّره لـ المدينة الفاضلة ، ولا ننْفي التَّأثيرُ البَالغُ لأفلاطونْ في جُمهوريتهِ المثاليَّة على الفَارَابيْ، إلَّا أن فيْلسوفنا لمْ يشيِّد هذا التَّصُور من فَرَاغ، جاءتْ فِكرتُه نَتِيجة للأوضاعٍ الاجتماعيَّة والسِياسيَّة في ذلكَ الزَّمان، ونتيجةََ للتَفكيرِ الفلسفيّ في مَرامِي السياسَة وغاياتِ الوُجودِ البَشَريّ، المدينة الفاضلة يَسُودُها العَدلُ والاجتماعُ الفَاضِل، بمثابةِ الجَسَدِ التَّام السَّليم من الأمراضِ ومُتناسقُ الأعضَاء، مدينةٌ قائمةٌ على التَّعاونِ والتَّضَامُن، وَسُكَّان المدينةِ الفاضِلة يتَّصِفُونَ بِصِفاتٍ مُشْتركة، ويُزَاوِلون أنشطةً مختلِفة، ويشترطُ في أنْ يكونَ حكامها جيِّد الفِهْم والحِفْظ والفِطْنة، حَسَن العِبارة، محبًا للعلمِ والمَعْرفة، محبًا للعَدل مُبغضًا للجُور، وأنْ يَكُون بالفِعْل حكيمًا محبًا للفلسفة وسليمَ الجَسَد، حافظًا لسُنَنٍ وشرائعَ الأوَّلين، بعيدًا عن الشَرَه والنَّهَم، معتدلَا في المَلذَّات والشَهواتِ الحِسيَّة البَدنيَّة، بارعََا في فنونَ الحَربِ والقِتال".وتابع: "، ومِن أهمِّ الشُّروط التي ينُصُّ عليْها الفَارَابِي؛ الحِكمةُ والتَّبَصُّر، وجاءتْ المدينةُ الفاضِلَةُ ثَمرةَ التَّفكيْرِ في النَّموذجِ الأرْقى للعَيْش السَّليم، والبِناءِ الذي يَكتَمِلُ مَع سَيْرورَةِ الزَّمَن حَتَّى تنسَجِمَ الرُّؤَى بينَ أفرَادِ المدينة، ولا يَغْفَلُ الفَارَابيْ أن للمَدينَة الفاضِلة مُضادَّاتُها من المُدُن الأُخْرى؛ ومِنها المَدينَة الجَاهلَةُ والمَدينَةُ الضَّالة، والمديْنة المُتبدِّلة والمدينَة الفَاسِقة، نماذجُُ مِن المُدن المُضادَّة التي لا يَسُوْدُها الاجتماعُ الفَاضِل، ولا تَعْرف تعاونًا وتماسكًا بين أفرادِها".وأضاف: "تُرى هل بذلك تصبح مدينة فاضلة رغم ما بها من تناقضات كثيرة جداً، ولماذا وقع الفلاسفة في التناقض، والتمييز العنصري؛ عندما ميّزوا بين البشر، بين اليونان والبرابرة، بين الأحرار والعبيد، بين الإنسان القوي، والإنسان الضعيف، فمالوا نحو الإنسان الكامل، بإغفالهم الاهتمام، ورعاية ذوي الاحتياجات الخاصة من المعاقين، والمعوزين، وأصحاب العاهات؟!".وتساءل: "وهل تكون المدينة فاضلة بنبذ الآخر وغياب التكافل ورعاية المحتاج، حتى من حلم بالكمال والمثالية جاء منقوص عنصري يعتمد على نفي الآخر...المدينة الفاضلة لن تتحقق إلا بداخلك حيث تشيد مدينتك الفاضلة عندما تحقق الأتي : التصالح مع النفس، والتوازن مع الآخرين، الشخص الذي يمتلك المدينة الفاضلة هو الذي تتطابق صورته الخارجية لدى جميع الناس، فهو شخص دائم التصالح مع نفسه، ومع المجتمع، والأهم قدرته على حب الآخرين إلى جانب حبه لنفسه".وتابع: " يملك القدرة على الاعتماد على الذات بحيث يفكر بمشاكله، ويختار بين البدائل فلا يرجئ اتخاذ القرارات، فهو متحمل لمسؤولياته... واقعي ويعيش الواقع بتقبل، فهو يعلم أن الحياة كفاح واجتهاد والأهم أنه شخصية ممتصة للصدمات، ومتفائل ويعرف جيدا أن الحياة مليئة بالتغيرات الإيجابية والسلبية".وأكمل: " متكيف مع الأحداث، فهو يتمتع بمرونة شديدة, كما أنه عقلاني ومسيطر جيد على انفعالاته، فهو يتدبر الأمور ويدرسها قبل أن يقدم على أي فعل، أو يتخذ قرارا فهو لا يسمح بأن يتسلط عليه الهوى أو الانفعال، لا يخلق لنفسه أعداء، كما أنه صادق ولبق، وغير أناني يتقبل النقد بصدر رحب.– يمتلك القدرة على فلسفة الحياة، وهي الفلسفة التي ترفعه فوق مستوى التعقيدات التي تعترض طريقه في الحياة اليومية، والإنسان السوي هو الذي يكتسب الحكمة من تجارب الماضي وأخطائه".واختتم: "إذا صار معظم الأشخاص اسوياء واتصفوا بالصفات السابقة وقتها فقط سينظر الجميع حوله ويتيقن أنه يحيا وسط المدينة الفاضلة الحقيقة بلا زيف أو وهم أو خداع".
مشاركة :