عقدت القمة العالمية للصناعة والتصنيع 2020 رابع جلساتها النقاشية ضمن سلسلة الحوارات الافتراضية تحت عنوان: «الأمن السيبراني: حماية مستقبل القطاع الصناعي»، بمشاركة نخبة من كبار الشخصيات والخبراء في مجال الأمن السيبراني من كل من الاتحاد الدولي للاتصالات، و«جنرال إلكتريك» و«يونايتد إيرلاينز» و«جوود هاربور سيكيوريتي» وجامعة دبلن.وفي الكلمة التي ألقاها في الجلسة، صرح هولين جاو الأمين العام للاتحاد الدولي للاتصالات بأن وباء كورونا أسفر عن ارتفاع كبير في عدد الجرائم الإلكترونية، مشيرًا إلى أن القطاع الصناعي يأتي على رأس القطاعات المستهدفة، وخاصة أن الشركات الصغيرة والمتوسطة معرضة بشكل كبير للهجمات الإلكترونية.وقال جاو: «ينبغي لجميع الشركات تبني ممارسات أقوى لتعزيز أمنها السيبراني إذا ما أردنا حماية القطاع الصناعي وضمان مستقبل آمن لهذا القطاع. ويعتبر الاتحاد الدولي للاتصالات أن وضع القوانين التنظيمية أمر أساسي بالإضافة إلى المعايير التي تضعها الشركات غير الحكومية، حيث تشكل هذه المعايير أداة مهمة في حماية أمن القطاع الصناعي».وأشار جاو إلى أن وباء كورونا سلط الضوء على أهمية التقنيات والخدمات الرقمية للاقتصادات والمجتمعات في مختلف أنحاء العالم. ونوه إلى أن التقنيات الجديدة مثل شبكات الجيل الخامس (5 جي)، والذكاء الاصطناعي، والروبوتات، وإنترنت الأشياء، وغيرها من التقنيات، ستسهم في إحداث نقلة نوعية هائلة في القطاع الصناعي.ويرى جاو أن التكنولوجيا الرقمية باتت أساس «الواقع الجديد» للعديد من الأفراد والحكومات والشركات حول العالم، مشددًا على ضرورة الاستفادة من دروس الأزمة الصحية العالمية وتوظيف الجهود لتطوير مجتمع رقمي متكامل وتوفير التقنيات والخدمات الرقمية للجميع حول العالم. وقال: «نعيش اليوم لحظة حاسمة، فمع فقداننا الكثير من الأرواح بسبب وباء كورنا ومعاناة الكثير من الشركات والأفراد من هذه الأزمة، هناك الكثير من المجتمعات حول العالم لا تتمتع بالقدرة على الاتصال بشبكة الإنترنت».وعبّر جاو عن رفضه القاطع لنظريات المؤامرة وخصوصًا تلك التي تزعم أن فيروس كورونا ينتقل عبر شبكات الجيل الخامس (5 جي)، مؤكدّا الدور الكبير والمهم لانتشار هذه الشبكات في دعم الابتكار الصناعي وحشد الجهود الرامية إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وقال: «لا يمكن للفيروسات الانتقال عبر موجات الراديو وشبكات الهواتف المحمولة. إن هذه الادعاءات ليس لها أي أساس علمي على الإطلاق. ونحن في الاتحاد الدولي للاتصالات ندين الهجمات على البنية التحتية الحيوية التي تلعب دورًا كبيرًا في التصدي للوباء والحفاظ على نشاطاتنا الاقتصادية والاجتماعية».الاستثمار في الأمن السيبرانيمن جانبه، أكد إميليان بابادوبولوس رئيس شركة «جوود هاربور سيكيوريتي» أن الوباء أثر بشدة على الشركات وعرضها للكثير من الضغوط المالية، الأمر الذي سيدفع العديد من الشركات إلى خفض استثماراتها في الأمن السيبراني وتوجيهها إلى نشاطات أخرى على الرغم من أن خطر وقوع الهجمات الإلكترونية ارتفع بشكل كبير خلال انتشار الوباء. لذلك يرى بابادويولوس أن على كبار مسؤولي أمن المعلومات تشجيع شركاتهم على الاستثمار في الأمن السيبراني على الرغم من الظروف الحالية.وقال بابادويولوس: «لا يزال خطر الهجمات الإلكترونية قائمًا. وقد أظهر لنا وباء كورونا أن علينا أن نتعامل بجدية مع المخاطر المحتملة حتى لو كانت احتمالية حدوثها منخفضة. لذلك، فإنه من غير المناسب في الوقت الحالي تخفيض الإنفاق على أمن المعلومات في الشركات، بل يجب أن نرفع حجم الاستثمار في مجال الأمن السيبراني».من جهتها، حذرت دينين ديفيور نائب الرئيس وكبير مسؤولي أمن المعلومات في شركة «يونايتد إيرلاينز» الشركات من التغاضي عن أهمية الأمن السيبراني، مؤكدةً أن قراصنة الإنترنت يسعون لاستغلال الأزمة وأن تقارير القطاع الصناعي أظهرت ارتفاع المخاطر الإلكترونية بنسبة 1000%.وقالت ديفيور: «سيعرض خفض الميزانية المخصصة للأمن السيبراني الشركات لخطر الهجمات الإلكترونية. وبالتالي، فإن على الشركات مضاعفة إنفاقها على الأمن السيبراني للتأكد من إغلاق كافة الفجوات التي قد يستغلها قراصنة الإنترنت. وقد لا يعني ذلك بالضرورة استثمار ملايين الدولارات، بل إن الشركات تستطيع سد الثغرات الأمنية وتعزيز أنظمتها المعلوماتية قدراتها من خلال استثمارات منخفضة».معايير عالميةوشدد جستن جون المدير التنفيذي للتكنولوجيا في «جنرال إلكتريك» على أهمية تعزيز المعايير التي تحكم الأمن السيبراني وتقنيات الثورة الصناعية الرابعة وحث المزيد من الشركات على تبنيها. وقال: «لم تصل بعض المعايير المستخدمة إلى مرحلة النضوج، كما تفتقر إلى القوانين التنظيمية. فمع أن الكثير من هذه المعايير جيدة وملائمة لكنها غير ملزمة».واتفق راي والش، الأستاذ في جامعة دبلن ومسؤول معايير التكنولوجيا لدى المفوضية الأوروبية، والقمة الاقتصادية العالمية، والأمم المتحدة، مع «جاستن جون» على أهمية تطوير المعايير الدولية، وخاصة في ظل انتشار التقنيات الحديثة وتطور سلاسل التوريد العالمية.وقال والش: «لقد تغير النظام البيئي الذي نعيش فيه بالكامل، فالتقنيات الناشئة باتت جزءًا لا يتجزأ من القطاع الصناعي. وتسهم المعايير الدولية في المواءمة بين مختلف النشاطات وخاصة في الشركات التي تتبنى مفهوم العمل عن بعد في مختلف أنحاء العالم. ولا شك أن المعايير تسهم في تمكين النظم البيئية المختلفة من التفاعل الآمن مع بعضها البعض».بدورها، ضربت دينين ديفيور مثالا على قطاع الطيران لكونه أحد القطاعات التي نجحت في تبني المعايير الدولية، مشيرةً إلى أن القطاعات الأخرى يمكن أن تستفيد من تجربة قطاع الطيران، وقالت: «يعتبر أمن الشركات انعكاسًا مباشرًا لأمن أنظمتها البيئية. ويتميز قطاع الطيران بنظام بيئي واسع ومتنوع, حيث إن الطائرات منتجات ضخمة تنتقل عبر الحدود الدولية. لذلك، يعتبر الأمن السيبراني عنصرًا بالغ الأهمية في هذا القطاع، ولا تقل أهميته عن المعايير الأخرى المطبقة في القطاع والتي يجب على كافة شركات الطيران الالتزام بتطبيقها».تعاون كافة الجهات من جانبه شدد «جستن جون» على أهمية التعاون بين كافة الجهات ذات العلاقة بالقطاع الصناعي لمواجهة تهديدات قراصنة الإنترنت، واستشهد بالنموذج الأمريكي القائم على الشراكة في مجال الأمن السيبراني بين الحكومة والأوساط الأكاديمية والمختبرات الوطنية وشركات القطاع الصناعي ودورها في صد هجمات القراصنة. وقال إن المعامل والمؤسسات الأكاديمية الوطنية تواصل إجراء الأبحاث المتقدمة في تقنيات التعلم الآلي بالذكاء الاصطناعي في مجال الأمن السيبراني. وتقوم الشركات الصناعية بنشر التكنولوجيا في الأسواق فيما تسلط الحكومات الضوء على الهجمات التي تحدث على المستوى الوطني. وأوضح: «باستطاعتنا دمج كل هذه العناصر معًا ومواكبة ما يفعله القراصنة. ويتمثل دور الحكومة في نشر هذه التكنولوجيا في الشركات لرفع مستوى الأمن السيبراني في جميع أنحاء العالم، مما سيمكن الجميع من تعزيز الأمن السيبراني».ويرى والش أن التعاون في توحيد المعايير على المستوى الدولي أمر ضروري من أجل تسهيل التجارة العالمية، مشيرًا إلى أن اللجنة الفنية المشتركة بين كل من المنظمة الدولية للتوحيد القياسي (ISO) واللجنة الدولية للتقنية الكهربائية (IEC) تعمل على وضع معايير للأمن السيبراني لاعتمادها من قبل الاتحاد الأوروبي.وقال والش: «بمجرد الانتهاء من وضع هذه المعايير، ستقوم جميع الهيئات الوطنية الأعضاء في الاتحاد الأوروبي باعتمادها كمعيار وطني، ليستخدم بعد ذلك كآلية للتنظيم والتصديق والتشريع في القضايا المتعلقة بالأمن السيبراني. لذلك، فإن وضع المعايير الدولية يعتبر خطوة أساسية ومهمة لحماية وتعزيز التجارة الدولية».من جهته، أشار بابادوبولوس أن على الحكومات توجيه تركيزها إلى إدارة المخاطر التنظيمية ومحاولة إيجاد حلول للعناصر التي تشكل خطرًا على سلاسل التوريد الرقمية وتحديد نقاط الضعف في البنية التحتية التي تعتمد عليها العديد من الشركات الصغيرة والصناعية. وقال: «لا بد للحكومات من إيجاد حلول للمخاطر التنظيمية، وخاصة أن تفاقم المخاطر سينعكس سلبًا على الدولة نفسها وبالتالي على المجتمع الدولي».وعقدت الجلسة الافتراضية، التي أدارها ديكلان كاري الصحفي السابق في هيئة الإذاعة البريطانية، تحت عنوان «الأمن السيبراني: حماية مستقبل القطاع الصناعي»، وتعتبر جلسة النقاش الرابعة ضمن سلسلة الحوارات الافتراضية التي تقام بشكل أسبوعي تمهيدًا لانطلاق المؤتمر الافتراضي للقمة العالمية للصناعة والتصنيع يومي 4 و5 سبتمبر 2020. وتجمع القمة العالمية للصناعة والتصنيع المبادرة المشتركة بين دولة الإمارات العربية المتحدة ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو) كبار قادة الصناعة من القطاعين العام والخاص والمؤسسات الأكاديمية والمنظمات غير الحكومية والدول النامية والمتقدمة بهدف عقد حوار عالمي لمناقشة أبرز القضايا المؤثرة في القطاع الصناعي وتوظيف تقنيات الثورة الصناعية الرابعة تماشيًا مع أهداف التنمية المستدامة. ومن خلال مشاركتهم في سلسلة الحوارات الافتراضية، سيقوم خبراء دوليون بارزون بتحليل أبرز التوجهات التكنولوجية التي تلعب دورًا في تطوير القطاع الصناعي مثل القوانين التي توحد المعايير الرقمية، والمصادر الجديدة للطاقة، ودور تقنيات الثورة الصناعية الرابعة في إعادة صياغة مستقبل العمل. وستتضمن سلسلة الحوارات الافتراضية عددًا من النشاطات مثل جلسات النقاش والعروض التقديمية وورش العمل التفاعلية ومقابلات مع أبرز المتحدثين في القطاع، والتي تقام كلها عبر منصات التواصل الرقمية.
مشاركة :