مع تباطؤ الحركة السياحية في جزيرة مايوركا الإسبانية التي كانت تكتظ بالزائرين خلال موسم الصيف، استفاد البعض مثل السياح الذين حلوا بالجزيرة الخالية فاستمتعوا بسحرها، كما استفاد أيضا السكان الذين يشتكون عادة من الزحمة والفوضى، لكن خسر البعض مصالحه وخاصة أولئك العاملين في القطاع السياحي. مايوركا (إسبانيا) - هذا الضوء الهادئ الذي يغمر المكان، ومياه البحر الصافية كالبلور، والقرى الناعسة في حضن الجبل، أجزاء من صورة جزيرة مايوركا الإسبانية ذائعة الصيت والمحبوبة خاصة من السياح الألمان. يقول سائح ألماني زار الجزيرة مؤخرا بعد التخفيف من قيود السفر التي فرضت لمواجهة جائحة كورونا، “أنا أحد المولعين بجزيرة مايوركا، وبعد الاضطرابات التي أحدثتها الجائحة، شعرت بشغف يدفعني لزيارتها، وعقدت العزم على العودة إليها مرة أخرى في أسرع وقت ممكن”. ويضيف، “اتجهت جنوبي الجزيرة إلى المنطقة المفضلة لديّ، منتجع كولونيا دي سانت جوردي، لأكون بعيدا عن أي زحام محتمل. وبدلا من حجز غرفة في فندق فضل الألماني أن ينزل في شقة بمجمع سكني صغير، قائلا، “كنت حريصا على دعم الأسرة التي تديره، وقالت لي أبولونيا بونيت صاحبة المجمع، سيأتي زوجان وأسرتان للإقامة وبخلاف ذلك، فإن جميع شقق المجمع خالية، وكذلك حوض السباحة وساحة انتظار السيارات وأرائك حمام الشمس”. عدم وجود السياح في الجزيرة يثير مشاعر موحشة لدى المرشدين السياحيين والعاملين في القطاع السياحي وليست صاحبة المجمع هي الوحيدة التي تعاني من المتاعب الاقتصادية، فكثير من فنادق مايوركا، وهي إحدى جزر البليار الإسبانية، ما زالت أبوابها مغلقة، وكذلك العديد من المتاجر والمطاعم، كما توقفت الحفلات الشهيرة التي تجذب الزوار، حتى اتخذت الجزيرة التي يدللها المعجبون الألمان بإطلاق لقب “ماليه” عليها، طابعا وقورا. يقول السائح الذي كان من أوائل السياح الذين قصدوا إسبانيا، “شعرت بارتياح بالغ مع هذه الطلة الجديدة لمايوركا، بل أحسست بالمتعة لأكون هنا في ظل هذه الظروف والأوقات التي قد لا تتكرر، ومثل ذلك فرصة نادرة لاستكشاف الجزيرة في وضعها الحالي المستجد”. ويروي الألماني رحلته، “بدأت أول علامة فارقة في الرحلة أثناء السفر بالطائرة، فمع وضع الكمامة شعرت أنني أشمّ رائحة المطهرات في أول مذاق لهذه الأزمنة الجديدة”. ويضيف، “بعد الهبوط في المطار مررت ببوابتين مزودتين بكاميرات للتصوير الحراري لقياس درجة حرارتي دون تدخل بشري، لأخرج بعدها إلى أشعة الشمس المشرقة”. عدم وجود السياح وخلو الأمكنة في الجزيرة الإسبانية منهم، يثيران مشاعر موحشة لدى المرشد السياحي ميجويل أنجل بلتران، الذي افتقد “الجو العام والضجيج وشرفات المطاعم المكتظة بالرواد”. قال بلتران، إن بعض الحانات أغلقت أبوابها بشكل نهائي بسبب الأزمة الناتجة عن الجائحة. وأضاف، أن السوق الكبيرة التي تعقد في يوم الأربعاء من كل أسبوع ببلدة سينيو، صارت ظلا لوضعها السابق المكتظ بالسياح، ولم تعد موجودة بها سوى بضعة أكشاك، ووصف الحال بأنه “محزن للغاية”، معربا عن أمله في تحسن الوضع. ومن الغريب وسط هذه الظروف رؤية بعض الشعارات الرافضة لقدوم السياح، مدوّنة على الجدران إلى جانب عدد من الملصقات الشبيهة بتلك الشعارات، ويبدو أن رغبات من كتبوها تحققت بطريقة ما. ويتابع السائح الألماني رواية رحلته قائلا، “قبل أن أهبط إلى مطار الجزيرة، كنت أتخيل أنني سأرى بلدات أشباح ليس فيها أحد، وسأعيش قيودا على تحركاتي بين منطقة وأخرى، ورجال أمن يفرضون النظام على الشواطئ ويراقبون الرواد وربما باستخدام الطائرات المسيرة، غير أنني أدركت أني شطحت بعيدا بهذه التخيلات لأنها ليس لها وجود”. وكل ما ينظم سلوك الأفراد في الجزيرة هو خوفهم من الفايروس، فأعداد السياح تراجع حتى من دون وجود هذه الإجراءات التنظيمية الاحترازية. والجانب المشرق من انخفاض حركة السياحة هو خلو الشواطئ من الرواد، وعادة ما ينجذب السياح إلى الخلجان والرمال ولكن الزحام كان يبعد السائح الألماني عن هذه الأماكن الرائعة، والآن لا يوجد ذلك التدافع السابق المعتاد من جانب الزوار، ولم تعد ثمة حاجة للانتظار لخلو مرآب السيارات في الساحة، ولم يعد هناك شعور لدى السائح بأنه محشور مثل السردين بين أشخاص آخرين. وإلى جانب ذلك نجد أن المسعفين من أمثال أينهوا سبينوزا أصبحت لديهم مهمة إضافية، وهي مراقبة التزام الرواد بمسافة التباعد الاجتماعي في حالة اقترابهم من بعضهم البعض، قال سبينوزا وهو ينظر إلى شاطئ سامارادور بمحمية موندراغو الطبيعية إن الناس هنا يلتزمون بالقواعد، وينطبق الوضع ذاته على الشواطئ الأصغر مثل كالا سا ناو أو مثل الأكبر حجما مثل إس ترنك. يقول السائح الألماني، إن الشواطئ باتت مهجورة إلى درجة أن سائحا ارتعدت فرائصه، عندما سمع صوتي وأنا اقترب منه ماشيا على الحصى في فناء متحف “خوان ميرو”، وإنه لأمر محزن الاعتقاد بأن الناس أصبحوا يخافون من بعضهم البعض. ويضيف، دخلت المتحف دون دفع أيّ رسوم، حيث إنه يسمح بالدخول المجاني للجميع بعد ظهر أيام السبت، ولا أذكر أنني استمتعت طوال حياتي بالأعمال الفنية بنفس الدرجة التي عهدتها وسط هذه الحالة من الوحدة، وكان الحال مماثلا أيضا في متحف الفن المعاصر. ويتابع قائلا، توجهت في نهاية الجولة إلى بلدة سويير الكائنة في الشمال الغربي من الجزيرة على متن قطار قديم الطراز، وبدت النوافذ الخشبية في القطار وكأنها أطر لرسوم فنية، حيث ظهرت منها منحدرات حادة وغابات الصنوبر ونباتات الكركديه وبساتين البرتقال. ويختم حكاية رحلته قائلا، مع عبور القطار أنفاق مظلمة محفورة داخل الجبال وخروجه منها إلى ضوء الشمس مرة أخرى، أدركت أن هذا المنظر الذي مرّ بي للتوّ يمثل لقطة موجزة للرحلة التي قمت بها بأكملها، حيث إن الضوء أضخم بكثير من حجم الظلام. وبدا الوضع بالجزيرة غير مستقر ولكنه آخذ في التحسن. فالإشارة يتحول لونها إلى الأخضر.
مشاركة :