عذرا أيها الزمان.. فوقت الرحيل يخنقنا.. وساعة الوداع تقتلنا.. عذرا أيها الكلام.. أيها المعنى.. أيها الإحساس حين يقف محبك على قلبك يحدثك عن الرحيل تشعر بأن كل حزن متفرق بالدنيا تجمّع داخلك، وكل أسى مبعثر إلّتم في جوفك تضمّه. تريد أن تقتطع منه شيئا للذكرى وأنيسا للتذكر.. تردد لا ترحل أيها العجول..لا تدعنا فقراء في زمن بخيل.. ولا تتركنا حيارى في أيام عبث.. اعتدنا وتعودنا على الاطمئنان، والسكون، والأمان. وتذوب الأحلام في صحوة الواقع.. وتتكثف الأخيلة في انقشاع الحقيقة.. فنبقى ضعفاء جدا أمام القدر وخلف مشيئة المولى عز وجل. وحزم رمضان أيامه بسرعة.. ولوّح بقرب الرحيل، واقتراب الفراق، والدهشة تصبغ نفوسنا بالآه، رحيل لا ندري أبعده عودة أم نهاية؟ كم من الذكرى معك يا رمضان ستلتصق بذاكرتنا.. بقلوبنا.. وكم من تذكار حلو سيرافقنا.. حين نتذكر أن الله الكريم خصّك بفتح أبواب الجنة وإغلاق أبواب النار وتصفيد الشياطين وخصّك بأن جعل صومك له يجزي به بفضله ومنته. حين تعبر في خواطرنا مشاهد المسلمين وإقبالهم على طاعتك وعبادتك والتضرع إليك والدعاء والقيام والتراويح والتصدق وو... وتمر علينا لحظات الطمأنينة والذكر والخنوع لله وحده.. كم هي كانت جميلة.. لقد منّ الله علينا بكثير نعمه مع قلة شكرنا.. وجاد علينا بطول فضله مع قصر ذكرنا.. فكانت كل قطعة منك يا رمضان تذكارا سخيا وذكرى أنس. هكذا رمضان يقترب من الوقوف على أعتاب المغادرة بهدوء وعجلة، هكذا هو أتى بحسابه وسيرحل بحسابنا، هكذا هو أشعل همما، وأشغل نفوسا بطاعة الرحمن ونفحات الإيمان، هكذا رمضان يسامرنا أياما ثم يتركنا كاليتامى. كم تعلمنا الكثير في مدرسة رمضان ومنهج الصيام.. كم استمعنا واستمتعنا من أحاديث الرشد والسلام والجمال.. الكل يتحدث عن روحانية.. إيمانيات.. أجواء مهيبة.. مريحة.. نعم كم تذكار سنأخذه معنا ومنك بعد الرحيل.. كم من الشوق سيرهق ذواتنا تذكرا لك.. وتوقا لعودتك بإذن الله. حين يغادر رمضان وهو يحمل الكثير مما لا يعلمه إلا الله عز وجل.. وحين يودعه كل متشوق لعودته ترتبك العواطف، وحين يسلّمه المسلم لربه.. يتساءل المرء داخله هل هناك رمضان قادم.. لعل ذلك بفضل الله عز وجل ومنته، لعل ذلك ونحن في سعادة وطاعة وأمن رخاء.. لعل ذلك وكل من نحب حولنا بعافية وخير.. لعل ذلك ونحن في بركات ورحمة. بعد ذلك توجب علينا أن نرتدي ثياب الثبات على الخيرات، والطاعات.. لا أن نكون غير نحن الذين كنا في رمضان.. علينا أن نستمر في العبادة، والطاعة، والعطاء، والايمان، وحب المساكين، وفعل الخيرات، وترك المنكرات.. فلم تكن عبادة الله تعالى مؤقتة، أو محدودة بموسم معين، أو يكون شهر رمضان كشهر إجازة يمر مر السحاب وحين ينقضي نعود إلى واقعِ غير رشيد، وحال غير كريم، وأفعالِ ليست موزونة. حين يرحل الأنس برمضان يبقى رب رمضان متعالياً في جلاله وعظمته.. حين يرحل شهر الصوم فالعبادات كثيرة متنوعة لا تتوقف.. حين يرحل سنرحل معه بذكرى جميلة، وبتذكارات رائعة.. حين نرحل ونحن بعافية وخير نرفع أكفنا خاضعين للمولى الكريم على واسع فضله بأن بلغنا رمضان وجعلنا من صوامه وقوامه.. حين يرحل شهر فيه الكرم يبقى وجه ربنا ذي الجلال والإكرام لنخشع معه. مستشار إعلامي
مشاركة :