عذرا أيها المكيف، عذرا أيتها الأمريكا..!

  • 6/24/2019
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

من المؤكد أن درجات الحرارة في عصر ما قبل المكيف لم تكن تصل إلى هذا الحد، لا أقول إن الظهران ـ على سبيل المثال ـ كانت تغمرها الثلوج أغلب أيام العام، لكني أعني أن الأجواء كانت حارة حرا مقبولا تطيقه الكائنات الحية، ومع شديد الاحترام والتقدير والتبجيل لمكيفات الهواء إلا أن الحر الذي لا يطاق هذه الأيام هو أحد الأعراض الجانبية لوجود المكيف وإخوته وأبناء عمومته من الأجهزة والمركبات والمصانع، بالإضافة طبعا إلى الاسفلت الذي يستقبل الحرارة من الشمس ثم يتعلق بها تعلق العاشقين ويأبى أن تفارقه. والأمر ليس غريبا ولا جديدا، ولا يتفرد به مكيف الهواء، فكثير من الحلول ـ في كل مجالات الحياة ـ هي في الواقع من الأسباب الرئيسية لاستمرار المشكلة وتفاقمها. يمكننا القول إن المكيف هو أمريكا الطقس، يشعرك أنه يحل المشكلة مع أنه في الواقع الأمر يزيدها سوءا، يشعرك بالانتعاش ولكن في مكان ضيق، ويكون سببا في أن تصبح الحياة خارج المنطقة التي يعمل فيها غير صالحة للحياة. تشعر أنك ممتن له ومعجب به ولا تستطيع الحياة بدونه مع أنك تعلم يقينا أنه سبب المشكلة. الكل يهاجمه بسبب الاحتباس الحراري والعبث بطبقة الأوزون لكنهم على استعداد للتخلي عن أي شيء مقابل أن يحصلوا على خدماته التي تتمثل ببساطه في أنه يفصلك عن محيطك، ويجعلك تشعر بأجواء ليست هي الأجواء الحقيقية التي تحيط بك. على المستوى الشخصي فإن من أبرز عيوب مكيف الهواء أنه إحدى الأدوات الفعالة لمقاومة النقد، أصبح وجود اسمه من الضرورات التي لا غنى عنها عند مهاجمة أي فكرة ناقدة، حين تفكر في نقد عمل ما، سواء كان عملا سياسيا أو اجتماعيا أو حتى طريقة مدرب الفريق الذي تشجعه أو مستوى اللاعب الذي يضيع الأهداف أمام المرمى الخالي، فإنه من المرجح أنك ستجد مكيف الهواء هو سيد مفردات الرد عليك وتحقير رأيك، وستسمع حتما العبارة الأشهر والأكثر تداولا لدى كارهي النقد، وأعني بالطبع العبارة الجميلة «تتكلم وأنت تحت المكيف». وفي الغالب فإن من يقولها لن يقبل رأيك حتى لو قلته وأنت تقف على الاسفلت حافي القدمين حاسر الرأس في درجة حرارة تتجاوز الستين. وعلى أي حال.. أقول قولي هذا عن مكيف الهواء وأنا بجواره وأستمع إلى صوته العذب، وأتخيل أن شعر رأسي لا زال موجودا وأن نسمات المكيف الباردة تعبث به، تماما كما أشتم أمريكا من خلال الأجهزة والبرامج والتطبيقات الأمريكية، ويقلقني أن انتقادي لأمريكا والمكيف سيغضب البعض، لكني مطمئن إلى أن أمريكا والمكيف لديهما أفق واسع وسعة صدر في تقبل الآراء التي تهاجمهما تحت رعايتهما.

مشاركة :