إعداد: بنيمين زرزور في ربيع العام الماضي، تلقى مايكل تايلور، الضابط السابق في القوات الخاصة الأمريكية «الخوذ الخضراء» مكالمة من رجل قال إنه «صديق قديم». قال الصديق، رجل أعمال لبناني قريب منا محاصر في اليابان. هل هناك شيء يمكنك مساعدتنا به؟ «أنا اسمي» علي «وهو الاسم المستعار الذي قدم به نفسه لتايلور، لم يقدم أي تفاصيل أخرى. قال تايلور لصديقه «إنه ممكن». لكنه سيحتاج إلى المزيد من المعلومات. لم تكن المكالمة غير عادية. كان تايلور يدير شركة خاصة في مجال الأمن عالمياً، وهو مقاول عسكري متخصص في تقييم المخاطر- وفي إبعاد الناس عن المواقف المعقدة. كون شهرة على مدى عقدين من الزمن، في دوائر معينة في عمليات الإنقاذ الدرامية التي أجريت في جميع أنحاء العالم. معظمها كانت إحالات غير رسمية من مكتب التحقيقات الفيدرالي أو وزارة الخارجية. نفذ خلال حياته المهنية ما يقرب من عشرين من هذه العمليات؛ حيث يفرض رسوماً على العملاء في أي مكان تتراوح بين 20 ألف دولار إلى مليوني دولار لكل عملية. وقد أضفت العمليات التي استغرق بعضها سنوات للتخطيط والتنفيذ، على تايلور لقب كابتن أمريكا. عاش في عالم ثنائي يسكنه، كما رآه، وطنيون أو خونة، أو «أشرار». وبأسلوب الأبطال الخارقين، يروي تايلور الحكايات عن هذه المهنة التي تمتاز بأنها ملحمية وأكبر من أن تصدق، بما في ذلك هروب كارلوس غصن. «لم نر شيئاً مماثلاً على الإطلاق حتى على شاشة التلفزيون ولا في هوليوود». من بيروت، انهالت الأسئلة على تايلور. كيف ستنفذ العملية؟ كم ستكلف؟ رد تايلور على «علي» أنه لا يعرف. فتسلل شخص إلى اليابان، دولة مكونة من جزر عدة وذات كثافة سكانية عالية، وليس دولة فاشلة- لم يسبق له أن جرب ذلك من قبل. قال تايلور لعلي: «هذا ليس شيئاً شاهدناه على شاشة التلفزيون». «هذه ليست هوليوود». قرر تايلور القيام ببعض الأبحاث. لم يستغرق الأمر وقتاً طويلاً لمعرفة الرجل المعني. في اليوم التالي، اتصل تايلور بعلي مرة أخرى: هل الشخص المطلوب كارلوس غصن، الرئيس التنفيذي السابق لشركة «نيسان»، وهو قيد الإقامة الجبرية في طوكيو؟ أجاب «علي» نعم. «سيكون هذا حدث كبير». ولو عرف تايلور أن قول «نعم» سيؤدي إلى اعتقاله، واعتقال نجله بيتر، وإمكانية تسليمه إلى اليابان- في قضية تشغل الرأي العام تتعلق بمكتب المدعي العام في طوكيو، وزارة الخارجية الأمريكية ومكتب الشؤون الدولية التابع لوزارة العدل ومجموعة العمليات الخاصة التابعة لقوات المشاة الأمريكية والمحكمة الفيدرالية في ولاية ماساتشوستس وسناتور ميسيسيبي والبيت الأبيض- لما وافق أصلاً على تنفيذ المهمة وربما لم يرد على الهاتف كلياً. تهم خمس نجوم الأغنياء ليسوا معتادين على تقييد حريتهم. فالتنقل الدولي هو من بين علامات الامتياز الأساسية. وبصفته رئيس تحالف يضم ثلاث شركات سيارات- «نيسان» و«ميتسوبيشي» و«رينو»- كان لكارلوس غصن منازل في ريو وبيروت وباريس وأمستردام. الآن، بعد احتجازه في اليابان لمدة أربعة أشهر، تم حصر عالمه بالكامل في منزله في طوكيو؛ حيث كان ينتظر المحاكمة بتهمة الاختلاس. تم تثبيت ثلاث كاميرات مراقبة على بابه الأمامي، وسحب اثنين من جوازات سفره- البرازيلي واللبناني، وأودعت في مكتب محاميه. وأي انتهاك لشروط الإقامة الجبرية سيكلفه 9 ملايين دولار من أموال الكفالة. واتهم غصن بارتكاب مجموعة كبيرة من الجرائم المالية، بما في ذلك عدم الإبلاغ عن 80 مليون دولار من الأرباح على مدى ثماني سنوات، وتحويل أكثر من 16 مليون دولار من الخسائر الشخصية إلى دفاتر الشركات، واستخدام سلسلة معقدة من الشركات الوهمية. تم شراء قصره في بيروت، وفقاً لنيسان، وتجديده بما يقرب من 15 مليون دولار من أموال الشركة. في غضون ذلك، أصر غصن على أن التهم الموجهة إليه كانت جزءًا من «مؤامرة» مشتركة، بمساعدة السلطات اليابانية، للإطاحة به من «نيسان». أصدقاء غصن في لبنان كانوا قلقين على سلامته. فقد لزم منزله، ولم يسمح له بالخروج إلا لتناول الغداء في فندق جراند حياة القريب أو لزيارة محاميه، بدأ اليأس يدب في نفسه. وعلم بأن القضية المرفوعة ضده قد تستغرق سنوات حتى تشق طريقها عبر المحاكم اليابانية، مما يعني أنه قد يظل قيد الإقامة الجبرية إلى أجل غير مسمى. يتذكر أحد الأصدقاء قول غصن: «قد أموت هنا». كاد أن يفقد الأمل. كل ما يقوم به هو تناول طعامه وممارسة الرياضة. عندما تلقى مكالمة من «علي»، الذي يعرف زوجة غصن كارول، أخبره عن رجل كان يعرفه في بغداد متخصص في مهام الإنقاذ. فهل أبدى غصن اهتمامه؟ بكل تأكيد قام «علي» بربط تايلور بكارول، التي تزوجها غصن عام 2016. طار تايلور إلى بيروت؛ حيث التقى كارول في قصر بحي الأشرفية التاريخي. تحدثوا لساعات. أخبرت كارول تايلور أن غصن عومل «مثل أسرى الحرب». وأخبرت تايلور، أثناء احتجاز زوجها، أن الأضواء في زنزانته الصغيرة بقيت منارة على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع لحرمانه من النوم، ولم يُسمح له بالخروج إلا لمدة نصف ساعة كل يوم. وقد تعرض للاستجواب الذي دام 8 ساعات ولم يكن لديه سرير. وأكدت لتايلور أن التهم الموجهة إليه كانت «زائفة»، من جانب المسؤولين اليابانيين الذين أرادوا منع غصن من هندسة اندماج أوثق مع «رينو» الفرنسية. وقالت كارول عن اليابانيين: «إنهم لا يحبون الأجانب». تعاطف مع مظلوم طار تايلور إلى منزله في ولاية ماساتشوستس تملؤه مشاعر مختلطة بين الشك واليقين. وفي وقت لاحق، أصيب بصدمة مما قرأه عن نظام المحاكمات الجنائية في اليابان، والذي وصفته لجنة الأمم المتحدة المعنية بالتعذيب بأنه «من القرون الوسطى». فغالباً ما يُحرم المشتبه فيهم من الاتصال بمحامين، ويمكن سجنهم واستجوابهم لفترات طويلة دون توجيه اتهام إليهم، وهو نظام يعرف باسم «عدالة الرهائن». ومال تايلور للاعتقاد بأن غصن كان ضحية. يقول تايلور: «شعرت أنه رهينة». «كان يتعرض للتعذيب. ثم كان لدي تعاطف مع الرجل». رأى تايلور محنة غصن من منظور تجربته الخاصة في قضايا تعرض لها نتيجة تنفيذه مهمات سابقة مماثلة انتهت إلى سجنه 14 شهراً نتيجة سوء إجراءات التقاضي في ولاية يوتاه الأمريكية. ورأى في غصن رجلاً مظلوماً يهدده نظام ظالم، محصور، ميؤوس منه، مدمر. لم يمض وقت طويل بعد أن عاد تايلور إلى المنزل من لقاء كارول غصن في بيروت، وقابل «علي» وقال سأنفذ المهمة. قبلت المهمة كان تايلور مناسباً بشكل فريد لمهمة غصن من نواح عدة. فترة عمله في القوات الخاصة، وهي واحدة من أكثر الفروع تميزاً وغير تقليدية في الجيش الأمريكي، أطلعته على لبنان، ولديه علاقات قوية مع البلد وشعبه. أنشأ شبكة واسعة من النشطاء السابقين الذين تخصصوا في كل شيء من نقل الذخيرة إلى وسائل النقل. لكن إخراج غصن من اليابان بدا مهمة بعيدة المنال، مع ذلك شعر تايلور أن لديه فرصة مضمونة «مئة في المئة» لإخراجه. يقول تايلور: «لم أكن لأوافق على ذلك إذا لم أكن أعتقد أنه ممكن مئة في المئة». يقول محرر مجلة «فاني فير» إنه خلال لقاءاته مع تايلور في ريف ماساتشوستس، أخبره قصة حياته دون أن يستسلم للعاطفة. حتى الأحداث الأكثر صعوبة، مثل الوقت الذي التقى فيه بزوجة غصن، ينقلها كما لو كان يقرأ من دليل ميداني للجيش. انضم تايلور إلى المجموعة العاشرة للقوات الخاصة في أوروبا؛ حيث تم تدريبه على أداء القفز بالمظلات على ارتفاعات عالية، والسقوط الحر على ارتفاع 2000 قدم من الأرض. عمل كخبير في التفجير في فريق سري تم تجميعه لنشر الأجهزة النووية المحمولة في حالة الغزو السوفييتي. في عام 1982، كانت وحدته هي الأولى التي تم نشرها في لبنان خلال الحرب الأهلية هناك. درس تايلور اللغة العربية، وطور روابط واسعة، والتقى بزوجته. استقر الزوجان في ماساتشوستس؛ حيث تكيف تايلور مع الحياة كأب في الضواحي. لم يمض وقت طويل بعد أن أنشأ متجراً كمقاول عسكري خاص، وظفته فرقة عمل اتحادية بالتخفي للتسلل إلى عصابة إجرامية لبنانية. اكتشف تايلور أن المجموعة، التي تعمل خارج وادي البقاع في لبنان، كانت وراء عملية تهريب مخدرات عالمية. بفضل عمله، تمكنت السلطات الأمريكية من حجز ما قيمته 100 مليون دولار من الحشيش تم شحنها إلى بوسطن في براميل زيتون بلاستيكية زرقاء- في ذلك الوقت، كانت أكبر عملية ضبط مخدرات في التاريخ. حصل تايلور على 335ألف دولار مقابل عمله. ثم جاءت الحرب على الإرهاب، والتي أثبتت أنها نعمة للرجال من طراز تايلور. في ذروة الحرب في العراق، كان لدى تايلور ما يقرب من 2000 موظف، معظمهم من الأعضاء السابقين في القوات الخاصة أو مجتمع المخابرات. قضى معظم العام في العراق وأفغانستان. عندما انفرجت أسارير غصن عندما جاءت المكالمة من «علي»، لم يوافق تايلور على مهمة إنقاذ غصن لأنها خالية من الإثارة، على حد زعمه. أخبر «علي» كارلوس غصن أن الخطة ستكون ناجحة. بدأ غصن في تناول الطعام مرة أخرى بعد سماع تلك الأخبار، وبدأ في ممارسة الرياضة ثلاث مرات في الأسبوع، استعداداً لمستقبله كهارب دولي. اتصل تايلور بمحاميه وخبراء قانونيين آخرين وسأل عما إذا كانت مساعدة شخص ما في اليابان على الفرار بكفالة ينتهك أي قوانين أمريكية. وأكدوا له عدم وجود علاقة. ثم شرع في تحديد الكيفية التي قد يحافظ بها على تعهده. علم تايلور من كارول بأن غصن لم يكن مطلوباً منه وضع جهاز تعقب في كاحل رجله، وأنه سُمح له بالاحتفاظ بجواز سفره الفرنسي. ولكن إضافة إلى كاميرات المراقبة على مداخل البيت، كان غصن يخضع أيضاً للمراقبة من قبل محققين اثنين يرتديان ملابس مدنية استأجرتهما «نيسان». طرق الخروج من اليابان هناك طريقتان فقط للخروج من اليابان: عن طريق الجو أو عن طريق البحر. يتطلب الهروب عن طريق البحر الإبحار على سواحل اليابان وعبور 2600 ميل من المياه المفتوحة إلى تايلاند؛ حيث يفترض في غصن ركوب طائرة منها للعودة إلى لبنان. ستستغرق الرحلة من أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع، ما جعل تايلور يلغي هذا الخيار الذي ينطوي على مخاطر لرجل في سن غصن ومكانته. لذلك يحتاج تايلور إلى طائرة خاصة. علم تايلور بالتجربة أن أكبر الأعداء في أي مهمة إنقاذ هم الأسرى أنفسهم وأسرهم. أصر غصن بداية على الذهاب بالقارب. ثم أراد أن يطير من طوكيو. ثم طلب أن يغادر على الفور. كان هناك «توتر مستمر»، بحسب تايلور، وتطلب الأمر ترتيبات هائلة لدفع غصن للالتزام بخطته الأصلية. طوال ذلك الخريف، قام تايلور بتجميع فريق من النشطاء ذوي المواهب المختلفة من المتخصصين في العمليات البحرية، وأمن المطارات، وتكنولوجيا المعلومات، والشرطة، والمراقبة. كان الأمر أشبه بإخراج فيلم سرقة، وكل تايلور الرجل الذي لا غنى عنه لتعدد مهاراته. كان معظم الذين شاركوه من القوات الخاصة السابقة، وكان الرجال يعرفون تايلور لمدة 40 عاماً أو أكثر. و قضوا حياتهم في العمل في تواصل دائم، وكانوا مجموعة من الخلايا التي جمعت بين المعلومات المهمة والذكاء المهني. بدء التنفيذ كانت أول مكالمة قام بها تايلور إلى ضابط عسكري في الشرق الأوسط متقاعد متخصص في مجال تقييم الأحجار الكريمة. هذا الرجل سيكون نائب تايلور. واتصل تايلور أيضاً برجل كان قد خاض قتالاً معه في العراق يعمل حالياً في الأمن الخاص. قام هذا الرجل ذو الخبرة الموسعة بدول آسيا، بتجميع ملفات حول جميع المشاركين في العملية: غصن، وزملائه، وزوجته، ومديري كل صالة في المطارات التي قد توفر وسيلة للهروب. لتأمين الطائرة، كان تايلور بحاجة إلى العثور على شركة موثوقة لن تطرح الكثير من الأسئلة. بدأ رجاله يتحرون الاحتمالات في جميع أنحاء العالم، ويتصلون مع شركات طيران خاصة، هل يمكنهم التعامل مع راكب يحتاج إلى مستوى عال من التقدير؟ هل يمكن أن تبقى المعاملة خارج سجلات الشركة؟ إلا أن كل محاولاتهم لم تسفر عن شيء. ثم سمعوا عن شركة تركية يشاع أنها قامت بإخراج الذهب من فنزويلا في انتهاك للعقوبات الأمريكية. قال رجال تايلور للشركة إنهم يجب أن ينقلوا شخصاً مهماً دون أن يلاحظه أحد، ولا نريد أن يظهر في كشوف الشركة. جاء الرد «لقد اعتدنا على القيام بذلك، ماذا تحتاجون؟». مع تأمين خيار الرحلة، بدأ تايلور في التفكير في كيفية تهريب شخص عبر الحدود الدولية دون أن يتم اكتشافه. لا بد من توفير صندوق خاص. يجب أن يكون الصندوق كبيراً بما يكفي لاحتواء غصن وثقيل بما يكفي لحساب وزنه. كلف تايلور أحد رجاله بقياس باب الشحن على الطائرة المستأجرة. ثم كلف شركة في بيروت بصنع صندوقين من الخشب الأسود بزوايا مقواة- وهو النموذج المستخدم لتخزين ونقل مكبرات الصوت. وطلب أن تكون الصناديق أضيق بسنتيمتر واحد من باب الشحن في الطائرة؛ بحيث يمكن تحميلها بدون مشكلة. زود كل صندوق بعجلات مثبتة لسهولة المناورة و ثقوب في القاع حتى يتمكن غصن من التنفس. يزن غصن 165 رطلاً، وسيحل محل مكبرات الصوت في أحد الصناديق، وتزن تلك الصناديق نحو 110 أرطال. ورأى تايلور أن وزن كل من الصندوقين سيكون متقارباً. اختيار التوقيت أراد تايلور إخراج غصن في الوقت المناسب لقضاء إجازة عيد الميلاد. ولكن بحلول الوقت الذي كانت فيه جميع الاستعدادات كاملة، لم تكن الطائرة متاحة. بعد ذلك، عندما تم تأمين الطائرة مرة أخرى، كان على غصن حضور جلسة استماع في المحكمة. كان تايلور على المدرج في مطار في الشرق الأوسط قبل عيد الميلاد ببضعة أيام، مستعداً للسفر إلى اليابان، عندما علم بأن الطيارين لم يتم إطلاعهم بشكل كامل. وقد ألغى العملية قبل دقائق من موعد إقلاع الرحلة. في غضون ذلك، علم تايلور أن كاميرات المراقبة في شقة غصن كانت قيد التشغيل طوال الوقت، لكنها لاتبث صوراً حية؛ حيث يتم بث محتوياتها مرة واحدة في الأسبوع، في أيام الاثنين أو الثلاثاء أو الأربعاء. فإذا تم إجلاء غصن يوم الخميس أو الجمعة، فقد لا تدرك السلطات أنه مفقود حتى الأسبوع التالي. في يوم الثلاثاء، 24 ديسمبر، مُنح غصن فرصة إجراء مكالمة هاتفية لمدة ساعة مع زوجته كارول. في يوم عيد الميلاد، حضر غصن جلسة استماع قبل المحاكمة. وعند نحو منتصف ليل الجمعة، جاءته مكالمة على الهاتف الخلوي غير المسجل الذي تم تهريبه إليه. كان المتصل تايلور الذي قال ببساطة، «سأراك غداً». وصل تايلور صباح السبت إلى المطار. كان معه جورج زايك، عضو سابق في الميليشيات اللبنانية أعلن عن نفسه كخبير في «الحروب والأسلحة». تأخرت الطائرة- كان العميل قبلها متأخراً- ولم تقلع طائرة «بومباردييه جلوبال إكسبريس» حتى الساعة 10:16 صباحاً، متأخرة 90 دقيقة، متجهة إلى مطار كانساي الدولي في أوساكا. درس فريق تايلور خمسة مطارات بالقرب من طوكيو، وتبين وجود خلل كبير في مطار كانساي- لم يكن لدى سلطات المطار ماسحات تفتيش ضوئية كبيرة، بما يكفي لاستيعاب البضائع بحجم صندوق مكبر الصوت. وقد تم إطلاع واحد فقط من الطيارين الأتراك على المهمة. استذكر تايلور تفاصيل الخطة الرئيسية طوال الرحلة. يقول: «إن الأمر مهم دائماً عندما تنقذ حياة شخص ما، أو مستقبل حياته». «ولكن من منظور تشغيلي، لم يخطر ببالي مثل هذه المشكلة، ولم يكن غصن الشخص الذي يجعلني أستعد أكثر مما أفعل عادة مع غيره». هبطت الطائرة في أوساكا في الساعة 10:30 صباحاً بالتوقيت المحلي يوم 29 ديسمبر. علم تايلور من خلال بحثه أن عناصر أمن المطار يقتربون من نهاية نوبتهم الطويلة وبالتالي فهم أقل يقظة. تم تحميل صندوقي مكبرات الصوت في الجزء الخلفي من شاحنة الانتظار، التي أنزلت تايلور وزايك في فندق ستار جيت بالقرب من المطار. هناك، لبسوا ملابس أكثر دفئاً وركبوا قطار الرصاصة السريع إلى طوكيو. في القطار، بدأ هاتف تايلور بتحديث تلقائي غير متوقع للبرنامج. يتذكر قائلاً: «أول شيء خطر ببالي ما إذا كانت وكالة الأمن القومي الأمريكي تعرف، وكل جهة غيرهم لا تهمني». لكن التحديث يعني أن تايلور لن يتمكن من الوصول إلى أي من التطبيقات التي يحتاج إليها ليكون على اتصال مع الأعضاء الآخرين في الفريق أثناء تنفيذ المهمة. في هذه الأثناء في طوكيو، غادر غصن منزله في الساعة 2:30 بعد الظهر، مرتدياً القبعة والقناع الطبي الذي كان شائعاً في جميع أنحاء آسيا قبل فترة طويلة من تفشي «كوفيد-19». مشى مسافة نصف ميل إلى فندق جراند حياة. تم اختيار الفندق لأن غصن كان يتردد عليه على الغداء. وذهابه إلى هناك لا يشكل خروجاً عن روتينه العادي. وقف غصن بجانب عمود في الردهة بالقرب من المخرج وانتظر، وفقاً للتعليمات السابقة. قبل فترة طويلة، اقترب منه رجل إنه تايلور. تصافحا. وأخبر تايلور غصن: «حان الوقت للعودة إلى المنزل». ولكن وفقاً لوثائق المحكمة التي تم تقديمها لاحقاً في محكمة ماساتشوستس الفيدرالية، توجه غصن إلى الطابق العلوي بدلاً من ذلك. هناك، في الغرفة 933، التي تم حجزها تحت اسم بيتر نجل تايلور، بدل ملابسه. بعد ساعة التقى مع تايلور وزايك. خارج فندق جراند حياة غادر غصن وتايلور وزايك فندق جراند حياة ونحو الساعة 4:30 مساء. استقل القطار عالي السرعة من طوكيو. كانت العربات مكتظة، وكان الركاب يقفون في الممرات، واستقل الرجال الثلاثة في صمت. وصلوا إلى أوساكا بعد الساعة 8 مساء بقليل، وعادوا إلى الفندق؛ حيث قام تايلور بوصل هاتفه حتى يتمكن الهاتف من الانتهاء من التحديث قبل أن يتوجه تايلور إلى المطار وحده. وأوضح تايلور لمدير المطار أنه تأخر على حفلته وأ نهم يحتاجون إلى المرور سريعاً من خلال الأمن، حتى يتمكنوا من الإقلاع في الموعد المحدد لاجتماع مهم في إسطنبول. وسلم المدير مظروفاً يحتوي على ما يعادل 10آلاف دولار بالين الياباني. عندما أصر على أن المبلغ كان كبيراً جداً، أخذ النصف وأعاد الباقي. ثم عاد تايلور إلى الفندق؛ حيث أخرج السماعة من الصندوق الأكبر حجماً ووضعها في الصندوق الأصغر لإفساح المجال لغصن، الذي تمدد فيها. أغلق تايلور الغطاء وأمن المزلاج. قبل الساعة العاشرة مساء بقليل، نقل تايلور وزايك الصناديق في شاحنتين إلى المطار. وكان السائقون وموظفو المطار في الخدمة منذ ذلك الصباح. لم يشك أي منهم في أي شيء، لكن رد تايلور كان جاهزاً: لقد حضر هو وصديقه حفلة كمان في أوساكا، وكانت لديه التذاكر لإثبات ذلك. كان قد عمل أيضاً على معرفة ما سيفعله إذا قام مسؤول جمركي بفتح الصناديق، أو إذا أصيب غصن بالذعر. وصل تايلور قبل 20 دقيقة فقط من الموعد المقرر أن تقلع الطائرة الساعة 10:30 مساء. وقد ساعد معدو الحقائب في تفريغ الصندوقين، موضحاً أنها تحتوي على معدات حساسة ويجب نقلها بعناية. واندفع تايلور وزايك من خلال الأمن. يتذكر تايلور: «مررنا بسلام عبر الكشف الضوئي بالأشعة». على المدرج، دفع العمال الصندوق الأصغر الذي يحتوي على مكبرات الصوت على حزام ناقل إلى عنبر الشحن. ثم حملوا الصندوق الثاني، والذي يتمدد غصن في داخله، ودفعوه إلى أعلى الحزام. قام أحد العمال بتسليم تايلور المال الذي دفعه للمدير، موضحاً أن قبول البقشيش يخالف سياسة الشركة. وبمجرد إغلاق أبواب الطائرة، عاد تايلور إلى مقصورة الشحن. فتح الصندوق وأخبر غصن أنه سيعود إليه، ثم وضع منشفة حمام مطوية في فتحة الصندوق كي تبقى مفتوحة قليلاً. السلطات اليابانية علمت بالخبر من الصحف اللبنانية أقلعت الرحلة عند الساعة 11:10 مساء. كان قد مضى على وجود تايلور وزايك في اليابان مدة 13 ساعة. وعندما عاد تايلور للاطمئنان على غصن، كان المدير التنفيذي الهارب يجلس متربعاً فوق الصندوق. وشقت الطائرة طريقها غرباً؛ حيث بقيت في المجال الجوي الصيني أو الروسي بناء على طلب تايلور لتجنب خطر إعادة التزود بالوقود في بلد، مثل كوريا الجنوبية، لديها معاهدة تسليم مع اليابان. كانت الشركة المستأجرة قد أبلغت المضيفات بأن ضيوفاً مهمين جداً يريدون الحفاظ على خصوصيتهم على متن الطائرة، لذلك بقيت المضيفات في المطبخ ولم تدخلن المقصورة الرئيسية أبداً. أكل غصن قبل الذهاب إلى النوم، وجلس تايلور على كرسي بجانبه وهو نائم. هبطت الطائرة في إسطنبول في الساعة 5:26 صباح يوم 30 ديسمبر. وتم نقل غصن إلى طائرة ثانية على بعد مئة ياردة، متجهة إلى بيروت. ركز تايلور على إكمال المهمة، دون مجاملات ولا شكر ولا وداع. ثم استقل تايلور وزايك سيارة أجرة إلى المطار التجاري للحاق برحلة تجارية، متجهين أيضاً إلى بيروت. عندما هبطت طائرة تايلور في بيروت، كانت أخبار هروب غصن قد انتشرت بالفعل في الصحافة المحلية. ولكن لم تدرك السلطات اليابانية حتى يوم الثلاثاء التالي أن غصن قد رحل- من خلال قراءة الأخبار في وسائل الإعلام اللبنانية. أحد أشهر السجناء في العالم أصبح الآن فاراً. واستقبل غصن استقبال الأبطال في لبنان؛ حيث التقى بالرئيس ميشال عون وكبار الشخصيات. وادعى أنه نظم هروبه وعقد مؤتمراً صحفياً دان فيه اليابان لإخضاعه ل«الظلم والاضطهاد السياسي». وشبه تجربته بعملية «بيرل هاربور». ثم أصدرت اليابان مذكرة باعتقال كل من غصن وزوجته، لتهمة الكذب بشأن اتصالها بشاهد. أصدر الإنتربول «إنذاراً أحمر» لغصن، طالباً من السلطات تطبيق القانون في جميع أنحاء العالم لتحديد مكانه والقبض عليه، في انتظار تسليمه إلى اليابان. تمتع تايلور بالعودة بهدوء إلى الوطن. وفي لبنان ونام لأول مرة منذ ثلاثة أيام. في وقت لاحق من ذلك الأسبوع، ذهب إلى صالة الألعاب الرياضية. ثم ذهب إلى مطعم قريب لتناول العشاء. كان يقضي بعض الوقت في فندق عندما سمع صوت التصفيق. نظر حوله، كان الجميع في المطعم على أقدامهم، يصفقون. وتساءل عمّا إذا كان هناك شخص ما يقيم حفلة عيد ميلاد. ثم بدأ المطعم بأكمله يهتف- بطل! بطل! قال له الشيف «عشاءك مجاني الليلة». «نحن فخورون بعودته إلى المنزل». القبض على تايلور سرعان ما بدأت الشائعات. وقيل إن هروب غصن تم تصميمه بواسطة حارس أمن سابق للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. لم يزعج ذلك تايلورعلى الرغم من أنه تم ربط اسمه في وسائل الإعلام بهروب غصن، إلا أن موقفه العام كان عدم التعليق. وبينما كان تايلور يتجه عائداً إلى بيته، كانت السلطات اليابانية تخطط لإجراء كبير. في 30 يناير، أصدرت محكمة منطقة طوكيو مذكرة توقيف تايلور، وبعد ذلك بوقت قصير، طلبت اليابان رسمياً من الولايات المتحدة اعتقاله. جاء الطلب عبر القنوات الدبلوماسية، ووصل أولاً إلى وزارة الخارجية قبل إحالته إلى وزارة العدل، التي نقلته إلى قوات المشاة الأمريكية. وهكذا، في أواخر شهر مايو، كان تايلور نائماً في منزله في هارفارد، ماساتشوستس، عندما أيقظه ابنه بيتر. كان بيتر أول من سمع الطرق وأجاب عن الباب. كان هناك 15 من جنود المشاة الأمريكيين واقفين بانتظاره؛ وأوضحوا أنهم جاؤوا لإحضار تايلور وابنه وبلا مشاكل. يبني بول كيلي، المحامي الرئيسي لتايلور، ودان مارينو، وهو جندي مارينز سابق دافع عن تايلور في قضية يوتا، دفاعهم على المادة 103 من قانون العقوبات الياباني، التي تنص على عقوبة إيواء شخص أو تمكينه من الهرب من السجن. لكنها لا تقول شيئاً عن مساعدة وتحريض فرد بكفالة. في معظم البلدان، بما في ذلك اليابان والولايات المتحدة، يعد انتهاك شروط الكفالة جنحة أو انتهاكاً إدارياً؛ حيث يفقد المرء أموال الكفالة، لكنه لا يواجه رسوماً إضافية. وقدرت الشائعات تكلفة عملية غصن ب 30 مليون دولار. ويقول تايلور إنها كلفت نحو 1.3 مليون دولار. ذهب معظمها لتأمين الطائرة وأتعاب الفريق. كم حصل تايلور لقاء العملية؟ لا شيء حتى الآن. يقول تايلور إن غصن، الذي تقدر ثروته الشخصية ب 120 مليون دولار، لم يعرض عليه تعويضاً. لقد افترض تايلور نوعاً من اتفاق «الجنتلمان» عندما يتعلق الأمر بالدفع، كما هو شائع في عالمه. إن تهريب السجين من اليابان، بعد كل شيء، ليس ذلك النوع من الأعمال الذي تبرم له عقود.
مشاركة :