عمالقة التكنولوجيا يقطفون ثمار جائحة كورونا | | صحيفة العرب

  • 7/27/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

على مدى سبعة أشهر واجه الاقتصاد العالمي حالة من الشلل بفعل فايروس كورونا المستجد، مع ارتفاع خطير في معدلات الانكماش وتضاؤل الإيرادات، غير أن عمالقة التكنولوجيا، وعلى رأسهم غوغل وفيسبوك وأمازون، حققوا وما زالوا يحققون نسب استخدام قياسية، أدّت إلى ارتفاع قيمتها السوقية وازدهارها. واشنطن – المعلومات حول انتشار فايروس كورونا لا تسرّ الحكومات ولا الشعوب أيضا، فقد سجلت 40 دولة زيادة قياسية في الإصابات اليومية بالفايروس خلال الأسبوع الماضي، بما يقارب ضعف عدد المصابين في الأسبوع السابق، وفقا لإحصاءات أظهرت زيادة في انتشار الوباء في كل منطقة من مناطق العالم. مجتمعات ضعيفة لا تبدو أن هناك نية لدى المسؤولين للتراجع عن خطوات تخفيف القيود، التي اضطرت الحكومات إلى اتخاذها لإنقاذ الاقتصاد المتهاوي، وما تسبب فيه من زيادة أعداد العاطلين عن العمل، وبالتالي ارتفاع أعداد المنضمين إلى قائمة الفقراء. لقد أتت التدابير الصحية المتبعة بعواقبَ وخيمةٍ، تراكمت في الكثير من الحالات على رأس الأزمة الصحية نفسها. وقال جوزيف أشباخر، مدير برامج رصد الأرض، التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية، خلال مؤتمر صحافي “كان الشهران الماضيان عصيبين للغاية، لقد أظهرت لنا جائحة كورونا إلى حدٍّ كبير مدى ضعف مجتمعاتنا اليوم”. وزير الصحة الألماني اكتفى بالقول إن بلاده ربما تُجري اختبارا إلزاميا للكشف عن فايروس كورونا للمصطافين العائدين من دول عالية الخطورة، بعد أن وصل عدد الإصابات الجديدة في البلاد إلى أعلى مستوى في شهرين. وتحدث رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، بعبارات غامضة لم تحمل أيّ دلالات عن عزم حكومته على التراجع عن موقفها الميال إلى رفع الإجراءات المتخذة والتي تنهي مظاهر التباعد الاجتماعي، رغم تعرض الحكومة لانتقادات بسبب تعامله البطيء جدا مع هذا الوباء. التباعد الاجتماعي الذي فرض تفاديا للمرض خلق أنماطا جديدة للعمل بدلا من توقّفها واكتفت هيئة الحماية المدنية في اليونان بالقول إنه سيتعين على زوار اليونان القادمين جوا من بلغاريا ورومانيا تقديم ما يثبت عدم إصابتهم بفايروس كورونا من أجل دخول البلاد. وفي الولايات المتحدة التي سجلت أكثر من 1000 حالة وفاة بكوفيد – 19 الجمعة، لليوم الرابع على التوالي، قالت مستشارة كبيرة للبيت الأبيض مختصة في الوباء إنها رأت مؤشرات على أن ذروة الوباء قد مرت في الولايات الجنوبية والغربية الأكثر تضررا. ولكن هل حقا أن الضرر طال الجميع؟ الوقائع على الأرض تؤكد العكس؛ شركات التكنولوجية ستخرج بوضع اقتصادي معزز، جراء جائحة كوفيد – 19 التي جعلت بعض المنصات أساسية أكثر من أي وقت. التباعد الاجتماعيّ الذي فرض تفاديا للمرض، خلق أنماطا جديدة للعمل بدلا من توقّفها. الأنماط التي مرّت بمراحل انتقالية هادئة (التعلّم الإلكتروني والتسوّق الإلكتروني على سبيل المثال)، فرضت وجودها الآن وكرست نفسها كنمط أساسي. ويهيّئ لها الفايروس فرصة التخلّص من نسبة كبيرة من العاجزين عن التكيّف مع النظام الجديد. عولمة جديدة ثمة آراء رأى أصحابها أن إجراءات التباعد ومنع السفر اللذين أدّيا إلى إغلاق المطارات على مستوى العالم، والحرب التجارية التي شنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضد الصين ستؤدّي كلها إلى الارتداد عن خطوات العولمة. وهذه في حقيقة الأمر آراء متسرعة لا تؤيدها التطورات اللاحقة، ويرى خبراء أن “التطور التكنولوجي الذي قادته الثورة الرابعة، وستقوده الثورة الخامسة، جاء ليستمرّ، لا ليتراجع”. ومثلما مهد فايروس كورونا وتداعياته الأرضية لانتشار عولمة جديدة قائمة على طابع تكنولوجي صارم في أنماط العمل والحياة، أعطيا الولايات المتحدة فرصة كي تستريح من منافسة تبدو نتائجها مرجّحة لصالح الصين، ومتسعا من الوقت أمام عمالقة شركات التكنولوجيا لتعيد ترتيب أوراقها من جديد. في مطلع يوليو، بلغت القيمة السوقية لست شركات رئيسية في هذا المجال وهي أبل ومايكروسوفت وأمازون وألفابت (الشركة الأم لغوغل) 6500 مليار دولار، أي ربع قيمة أكبر 500 شركة مدرجة في قائمة “ستاندرد أند بورز”. ويفيد عالم الاقتصاد إد يارديني، الذي أجرى هذه الحسابات، أن ذلك يشكل مستوى قياسيا. وكتب في تقريره أن هذه الشركات “هي من بين أكبر المستفيدين من الأزمة الاقتصادية الناجمة عن الجائحة. وهي ستستمر على الأرجح في الاستفادة من الاضطرابات حتى بعد حل الأزمة”. واستقطبت نتفليكس 26 مليون مستخدم جديد يدفعون اشتراكات منذ مطلع السنة. وشهدت شبكات التواصل الاجتماعي ارتفاعا كبيرا جدا في نشاطها ولاسيما على صعيد الفيديو. ويتوقع أن تعكس النتائج الربحية التي تستعد الشركات الرقمية العملاقة لنشرها، الزيادة الكبيرة في اعتماد خدماتها بسبب الإغلاق الطويل للمدارس والمكاتب وقاعات الحفلات والملاعب وغيرها. وخلال النتائج السابقة كان ينظر إلى الأزمة الصحية على أنها فاصل مؤقت وقصير. إلا أن انعكاساتها على عادات المستخدمين في المدى المتوسط والمدى الطويل بدأت تتضح. وعلق إد يارديني قائلا “كلما أصبح العمل والتعليم والترفيه نشاطات تمارس من المنزل، ازدهرت هذه الشركات”. وباتت منصة أمازون التجارية وخوادمها عن بعد، أساسية لملايين الأشخاص في حين تمكنت “أبل” من تعزيز تنوّع خدماتها للحوسبة السحابية. وقال كريس ماسيرول، المدير المساعد في قسم التكنولوجيا الناشئة بمعهد “بروكينغز”، إن هذه المجموعات “كانت الشركات الوحيدة التي أثبتت أنها على قدر المشكلة”. تحوّل رقمي وأظهرت نتائج استطلاع للرأي أجرته “برانزويك غروب” مع مستهلكين بسبع دول في مايو أن 70 في المئة من الأميركيين و65 في المئة من الأوروبيين يرون أن “شركات التكنولوجيا استخدمت حجمها ونفوذها للمصلحة المشتركة في مكافحة كوفيد – 19”. إلا أن ثلاثة أرباع هؤلاء يعتبرون أن الحكومات “يجب أن تنشط أكثر على صعيد تنظيم عمل” هذه الشركات. وقد ازداد مؤيدو هذا الرأي بنسبة 14 في المئة بالولايات المتحدة. ويقول ساتيا ناديلا، من شركة مايكروسوفت، إن التحول الرقمي قد تقدم بعامين في خلال شهرين فقط، بالتزامن مع السعي إلى الترفيه، والتواصل، وتتبع ما يحدث أثناء الوباء. ولا ينظر الكثير من البرلمانيين ومنظمات المجتمع المدني بعين الرضا إلى تزايد سيطرة وادي السيليكون على كل جوانب الحياة اليومية. وكان من المقرر عقد جلسة برلمانية غير مسبوقة حول الممارسات المنافية للمنافسة مع مسؤولي أربع مجموعات تكنولوجية عملاقة هي غوغل وأبل وفيسبوك وأمازون (غافا). لكنها أرجئت إلى أجل غير مسمى. وتواجه هذه المجموعات الأربع كذلك تحقيقات عدة على صعيد المنافسة أو حماية البيانات الشخصية على المستوى الفيدرالي والولايات. وقال المحلل دانييل إيف من “ويدبوش سكيورتيز”، “الطريق دونها عقبات” لهذه الشركات التي تثير “محاولات تنظيم القطاع قلقها”. واعتبر أن الشركات مستهدفة من قبل اليمين والرئيس الأميركي وأعضاء إدارته في سعيهم إلى تسهيل وصول القوى الأمنية إلى أجهزة المستخدمين وبياناتهم المشفرة. ويرى مسؤولون كبار في ذلك وسيلة أفضل لمكافحة الجريمة (ولاسيما الاعتداءات الجنسية على الأطفال). وتردّ المجموعات بأن إجراءات كهذه ستضعف الأمن الإلكتروني للجميع. ويرى دونالد ترامب والجمهوريون من جهة أخرى أن شبكات التواصل الاجتماعي منحازة ضد المحافظين رغم شعبيتهم على المنصات ذاتها. وفي المعسكر اليساري، رفعت الكثير من المنظمات غير الحكومية والبرلمانيون الصوت حول المضامين التي تطرح المشاكل والتضليل الإعلامي. إلا أن الأجواء الراهنة تؤثر في ذلك مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر المقبل والنشاط الكثير للحركات المناهضة للعنصرية في الولايات المتحدة. وينصبّ الغضب خصوصا على فيسبوك التي قاطعها أكثر من ألف معلن بمبادرة من جمعيات تدعو إلى إشراف فعّال أكثر على الرسائل التي تروج للكراهية والحقد. وقال كريس ميسيرول إن أبل وغوغل ظهرتا بصورة “المواطن الصالح” خلال الأزمة بفضل جهودهما خصوصا لتحسين تكنولوجيا تعقب التواصل. وتمتلك دول العالم اليوم فرصة استثنائيّة لفرض أنماط جديدة من العمل. وكما قادت الرأسمالية العالم على مدى مئة عام، ستقود العولمة العالم، ولكن هذه المرة لن تقتصر فترة قيادتها على مئة عام. وسيكشف التاريخ في نهاية المطاف ما إذا كان الإغلاق قد فجّر حقبة جديدة، أو أنه كان مجرد صورة، تعود الأمور بعدها إلى ما كانت عليه.

مشاركة :