جائحة كورونا تحيّد المساجد الجزائرية عن السجالات الدينية | صابر بليدي | صحيفة العرب

  • 5/19/2020
  • 00:00
  • 18
  • 0
  • 0
news-picture

حال القرار الحكومي بحظر صلاة الجماعة والجمعة والتراويح، المطبق في البلاد منذ نحو شهرين، بسبب تفشي وباء كورونا، دون بروز السجالات الدينية التي دأبت على البروز خلال كل شهر رمضان، بسبب خلافات مرجعية في ممارسة العبادات الدينية في المساجد، والتي وصلت في بعض المواسم إلى درجة الاختلاف حتى على مواقيت الإفطار والإمساك. وباستثناء بعض الأصوات التي تعودت على إثارة الجدل حول التاريخ الحقيقي لبداية شهر رمضان، فإن الغلق المستمر للمساجد ودور العبادة، وتوجه الاهتمام نحو جائحة كورونا، قطع الطريق على المستثمرين في المناسبات الدينية من أجل الدفع بمرجعياتهم الدينية والمذهبية إلى الواجهة. ومع ذلك يبقى قرار الغلق محل امتعاض لدى العديد من الجزائريين، الذين لم يتوانوا في وصف القرار بـ”تصفية حسابات دينية وفكرية بين السلطة وبين ثوابت الأمة”، واعتبرته صفحات ناشطة على شبكات التواصل الاجتماعي، “قرارا مبيّتا ينم عن نوايا مثيرة للشكوك، لأن تبرير الغلق بحجة الطابع العام للمساجد ودور العبادة، لم يطبق في الفضاءات العامة الأخرى، كالمحال الخدماتية والمتاجر، وأن الفايروس يمكنه تسجيل العدوى في المسجد كما في المتجر”. ولم تتوقف دعوات هؤلاء إلى فتح المساجد باعتبارها الفضاء الروحي الوحيد الذي يغذي النفوس والمعنويات لدى المرتادين، وحتى تطبيق إجراءات تباعد اجتماعي كما تعتمدها بعض البلدان الإسلامية، إلا أن تلك الدعوات ما انفكت تصطدم بأصوات واقعية تقر بأن الناس سوف لن ترتاد المساجد بصفة طوعية خلال هذا الشهر، حتى ولو تقرر فتحها لأن الخشية من الإصابة بفايروس كورونا تفوق كل شيء. وتكتفي الجزائر منذ إعلان الحكومة عن تعليق صلاة الجمعة والجماعة وبعدها التراويح في المساجد، بإعلان أذان مواقيت الصلاة وإردافه بعبارة “ألا صلوا في بيوتكم”، كما حظرت كل الأنشطة المسجدية كالتعليم الديني وحفظ القرآن الكريم والأعمال الخيرية، إذ تسهر المصالح المختصة على غلق كل المساجد ومقار العبادات والتعليم كالزوايا والكتاتيب، كما هو الشأن بالنسبة لفضاءات التجمع البشري الأخرى. غلق المساجد ودور العبادة، وتوجه الاهتمام نحو جائحة كورونا، قطعا الطريق على المستثمرين في المناسبات الدينية وأمام خلافات مرجعية ومذهبية تحولت الكثير من مساجد البلاد، خلال المواسم الرمضانية الماضية، إلى فضاء لهذا المذهب أو ذاك، أو هذه الطريقة أو تلك، من خلال المحيط الخارجي، حيث يتجلى من خلالها إن كان المسجد إخوانيا أو سلفيا أو إباضيا أو صوفيا، ويمكن للملاحظ أن يعاين من المرتادين خلفيتهم المرجعية أو مذهبهم الديني. ورغم أن الحكومة دأبت خلال السنوات الأخيرة على تنظيم القطاع الديني وهيكلته، بفرض توجهها على المساجد وعلى الخطاب الديني، بدعوى الحد من تغلغل المذاهب الدينية الدخيلة ومن التطرف الديني، إلا أن شبه انفلات سجل في العديد من المناسبات، حيث تُرجم الخلاف في سجال وحتى عنف بين أنصار وخصوم هذا المذهب أو ذلك. وفيما تحصي الحكومة نحو 25 ألف مسجد في البلاد يقع تحت وصاية الحكومة تمويلا وتأهيلا، إلا أنها لم تستطع فرض هيمنتها على مساجد معروفة في العاصمة وفي عدد من المدن الكبرى، نظرا لضغط المرتادين على الكوادر العاملة بها أو على المساهمين الذين يوظفون خدماتهم الخيرية والتطوعية من أجل فرض خطاب معين للمسجد المعني، ولا مكان فيه لأي إمام أو خطيب يحمل رسالة مغايرة عن السلطة الوصية. ويبقى خضوع الخطاب الديني للخط الرسمي للدولة، وعدم محافظته على استقلاليته بسبب القيود التي تفرضها الحكومة على العاملين فيها لدرجة اقتران العقوبات بتلك المطبقة على رجال الإعلام، أكبر محرض على اهتزاز الثقة في الخطاب المذكور، وعادة ما يدرج من طرف المرتادين في خانة “البروباغندا” الرسمية للسلطة، ففيما تحظر توريطه في الشأن السياسي والحزبي، فإن منابره وأئمته عادة ما تتحول إلى مجالات لتمرير أجندات المشاركة القوية والواسعة في الاستحقاقات الانتخابية، في حين يمنع من له رأي مخالف للموقف من التعبير عن رأيه. وإذا كان التيار السلفي قد قدم خدمات جليلة للسلطة منذ منتصف تسعينات القرن الماضي، لما تم توظيفه في ضرب الإسلام السياسي والتيار المتشدد، فانه لم يعد يحظى بنفس المفاضلة بعد دخول الهيكلة المرجعية والبشرية للسلطة الوصية حيز التنفيذ المتشدد، وبات حضوره الترويجي في المواسم الدينية الكبرى محصورا في بعض المساجد فقط. وما فاقم امتعاض التيار السلفي، ومعه الإخوان، من فقدان أبرز القلاع التي كانت توظف في تبليغ أفكارهم ومذاهبهم الدينية والسياسية للمرتادين، هو العودة القوية للتيار السلفي بإيعاز ودعم من الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، خاصة وأن التيار المذكور أبدى تماهيا وليس مهادنة فقط مع إملاءات السلطة، لمساعدتها على توجيه الرأي العام، حيث تحصي الجزائر قرابة 20 مليون مصلّ في صلاة الجمعة. ومع ذلك يبقى الهدوء الديني الذي تعيشه البلاد خلال هذا الموسم، مجرد هدنة كغيرها من الهدنات المعلنة من طرف الجبهة الاجتماعية والحراك الشعبي وغيرها من الفعاليات، وأن الجائحة الصحية لم تنه الصراع الديني المتجدد مع كل شهر رمضان وإنما أجلته إلى موسم لاحق.

مشاركة :