إخوان الأردن يدفعون ثمن طموحاتهم السياسية ورهاناتهم الإقليمية | صابرة دوح | صحيفة العرب

  • 7/27/2020
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

العلاقة بين الدولة الأردنية وجماعة الإخوان المسلمين شهدت تعرجات وخضات كثيرة، منذ نشأة الأخيرة في أربعينات القرن الماضي، بيد أنّ الطرفين كانا يحافظان في كل مرة على خط الرجعة، وهو ما لم يعد متاحا على ما يبدو في ظل مؤشرات عدة تشي بأن السلطة في الأردن قررت القطع مع التردد الذي طبع سلوكها في التعاطي مع طموحات الجماعة السياسية لاسيما مع بروز أخطار إقليمية. تشهد العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين والدولة الأردنية هذه الأيام تصعيدا لافتا آخر فصوله صدور قرار قضائي يقضي بوقف نشاط نقابة المعلمين (يسيطر عليها الإخوان) وغلق مقراتها لمدة سنتين وهو ما وصفه الذراع السياسي للجماعة حزب جبهة العمل الإسلامي “بالحملة المسعورة” واعتبره “تكريسا للعقلية العرفية”، في نبرة غير معهودة تعكس تحديا ونيّة الجماعة للرد. وسبق هذا القرار المثير إعلان محكمة التمييز، أعلى هيئة قضائية أردنية، في 15 يوليو الجاري قرارا بحل جماعة الإخوان بشكل نهائي وقطعي، واعتبارها فاقدة لشخصيتها القانونية والاعتبارية. ويثير هذا المنحى التصعيدي تساؤلات حول ما إذا كان ما يحدث يعكس تغيرا في السياسة الرسمية للدولة حيال الجماعة، لاسيما مع تحول فروع التنظيم الدولي للإخوان إلى مطية تستخدمها تركيا للتمدد في المنطقة والسيطرة على مقدراتها، وكيف ستكون ردود فعل الحركة الإسلامية على هذه التطورات المتلاحقة التي باتت تهدد كينونتها. لطالما اتسمت العلاقة بين جماعة الإخوان والنظام الأردني بالتذبذب، متأثرة بالحالة الداخلية والإقليمية إلا أن الطرفين كان يحرصان في كل مرة على الحفاظ على خط الرجعة لدوافع براغماتية، في علاقة بإتقان الجماعة فن المناورة، وحاجة النظام في البداية إلى قوة سياسية وشعبية وازنة قادرة خصوصا على مواجهة نفوذ القوى اليسارية والقومية التي تسيّدت المشهد في الأردن في خمسينات القرن الماضي وإلى حدود الثمانينات، ورغم التغير الذي طرأ على نظرة النظام تجاه الحركة في التسعينات بسبب جملة من الأحداث إلا أن القصر حرص على تجنب حصول صدامات فعلية معها في الفترات اللاحقة (لاسيما في عهد الملك الراحل الحسين بن طلال)، واعتمد في التعاطي معها على سياسة “العصا والجزرة”. تشكلت جماعة الإخوان في الأردن في 19 نوفمبر 1945، كأحد فروع التنظيم الأم الذي أنشئ في مصر عام 1928، واتخذت أنشطة الجماعة في بداياتها صبغة دعوية واجتماعية سمح لها ببناء قاعدة شعبية لا يستهان بها، قبل أن تخوض بالفعل السياسي في الخمسينات بمشاركتها في الانتخابات التشريعية في عام 1956 والتي نجحت خلالها في الفوز بأربعة مقاعد نيابية، بالتوازي مع توسيع نشاطاتها الاجتماعية تحت رداء الأعمال الخيرية من خلال إنشاء جمعية المركز الإسلامي الخيري التي وضعت الدولة يدها عليها في العام 2007. ولا يخفى أن النظام الأردني نفسه أفسح المجال للجماعة للخوض في الفعل السياسي لاسيما بعد تبنيها موقفا مواليا للقصر في المواجهة التي حصلت مع حكومة سليمان النابلسي، والتي تخللتها محاولات انقلابية لضباط بالجيش الأردني عام 1957، ولعبت الجماعة حينها دورا بارزا في تحريض الشارع على الحكومة ذات النفس القومي. وانتهت المواجهة بين القصر وحكومة النابلسي التي كانت أول حكومة برلمانية في الأردن بإقالة الأخيرة تلا ذلك قرار بحظر جميع الأحزاب باستثناء جماعة الإخوان (على اعتبار أنها تشكلت وفق قانون الجمعيات)، وإعلان الأحكام العرفية في البلاد في العام 1957، إلى حين عودة الحياة السياسية إلى طبيعتها في العام 1989، وإجراء انتخابات نيابية نجحت خلالها جماعة الإخوان المسلمين في حصد 22 مقعدا، لتسيطر منذ ذلك الحين على رئاسة مجلس النواب لثلاث دورات متتالية. وكان القصر ينظر إلى هذا الصعود اللافت والصاروخي للجماعة بتوجس، بيد أن التطورات التي عايشتها المنطقة، لاسيما حرب الخليج عام 1991 وموقف الإخوان المتماهي معه أدت إلى تخفيف تلك التوجسات، وتأجيل النظر في كيفية التعاطي مع هذا المكون الطامح للسلطة. وفي خطوة لتعزيز حضورها السياسي عمدت جماعة الإخوان في العام 1992، إلى إنشاء حزب جبهة العمل الإسلامي، وباتت الجماعة تضغط وإن باحتشام في البداية لتنفيذ إصلاحات سياسية من قبيل استعادة تجربة الحكومة البرلمانية التي سبق ووقفت ضدها وحاربتها. وفي خضم ذلك عين القصر لم تغفل عن الجماعة مع شعور متنام بمدى خطورة الأجندة التي تحملها والتي تستهدف السيطرة على مفاصل الدولة، ليبدأ منذ العام 1993 مسارا متدرجا لتحجيمها وهو ما ترجم في سن قانون جديد للانتخابات عرف بنظام الصوت الواحد الذي أفرز صعود نواب على أسس مناطقية وعشائرية، على حساب الأحزاب. هذا المسار ترافق مع مفاوضات بين الدولة الأردنية وإسرائيل انتهت بتوقيع اتفاقية وادي عربة للسلام في العام 1994 والتي سعت الجماعة بشكل واضح لاستثمارها، في محاولة لإحراج القصر، وتوسيع قاعدتها الشعبية. مع تسلم العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني الحكم في العام 1999 خلفا لوالده الراحل الملك الحسين بن طلال بدأت علاقة الدولة مع الجماعة تشهد منعرجا جديدا لم يخل من توتر، لاسيما مع صعود التيار الصقوري داخل الجماعة على حساب ما يعرف بتيار الحمائم في العام 2006 بعد حصدهم لأغلب مقاعد مجلس الشورى في انتخابات داخلية، وإقدام أعضاء في الجماعة بتقديم العزاء في زعيم تنظيم القاعدة في العراق أبومصعب الزرقاوي، واكتشاف في العام ذاته خلية تابعة لحركة حماس الفلسطينية التي لديها ارتباطات عضوية بالإخوان في المملكة حاولت إدخال أسلحة إلى الأردن من إيران. مرحلة مفصلية رغم أن التوتر كان سيد الموقف بين الجماعة والقصر إلا أن هناك فترات شهدت فيها العلاقة بين الجانبين حالة من الهدوء، قبل أن تشهد تحولا جديدا يصفه البعض بالمفصلي في العام 2011 حينما تصدر الإخوان موجة الاحتجاجات في المملكة في سياق ما يعرف بالربيع العربي الذي ضرب دولا عدة في المنطقة. وكانت الجماعة لاسيما الشق الصقوري المتحكم بها ينظر إلى تلك الاحتجاجات على أنها فرصة ثمينة لا يمكن تفويتها للانقلاب على النظام السياسي القائم وحجز مقعد متقدم في السلطة، وطرح هذا الشق جملة من المطالب السياسية كان أهمها تجديد الدعوة إلى تشكيل حكومة برلمانية تتولى الجماعة قيادتها بيد أن النظام وعلى خلاف دول أخرى نجح في امتصاص صدمة الأحداث واحتواء الحراك الأمر الذي جعل الجماعة في وضع محرج أثّر بشكل كبير على تماسكها الداخلي، وتكرس ذلك مع انهيار حكم الجماعة في مصر، والذي أثار ارتياحا لدى العاهل الأردني الذي كان من أول المباركين لهذا التحول. وبدأت مع العام 2013 سلسلة تمردات داخل الجماعة، على غرار إقدام مجموعة من أعضائها على إعادة إحياء مبادرة زمزم، دون التنسيق مع قيادة الجماعة، فكان أن تم عرض تلك المجموعة على محكمة داخلية وإقالتها، وهو ما كشف عن وجود جهاز سري للإخوان في المملكة. ومبادرة زمزم هي طرح يهدف إلى تجديد الخطاب الإسلامي بما يتوافق مع الحالة الاردنية “الخاصة”، ويعود طرحها إلى الانتخابات الداخلية للجماعة في عام 2008 والتي أفرزت حينها تقاسم تيار المراقب العام الأسبق سالم الفلاحات مقاعد المكتب التنفيذي مع التيار الصقوري. ولعل الرجة الأكبر التي عاشتها الجماعة حينما طلبت منها حكومة عبدالله النسور تصحيح وضعها القانوني وتغيير نظامها الأساسي الذي ينص على تبعيتها لمكتب الإرشاد في مصر وهو ما رفضه شق الصقور، فكان أن خرجت مجموعة بقيادة عبدالمجيد ذنيبات وشكلت جمعية جماعة الإخوان مقدمة طلبا في الحصول على ترخيص لتصحيح وضع الجماعة، وهو ما وافقت عليه الحكومة. وفي فبراير 2016 أعلنت السلطات الأردنية عدم شرعية الجماعة الأم، وتم إغلاق العديد من فروعها في العقبة وإربد وعجلون والكرك وجرش ومأدبا والمفرق، قبل أن يجري إغلاق المقر المركزي للجماعة، في العاصمة عمان في مايو من العام نفسه. هذا الوضع أربك الجماعة الأم وأجبرها على الاستدارة، ومحاولة إعادة بناء جسور التواصل مع الدولة، فكان أن شاركت في سبتمبر 2016 في الانتخابات التشريعية من خلال ذراعها السياسي حزب جبهة العمل الإسلامي، بعد مقاطعتها للاستحقاق في عامي 2011 و2013 بداعي رفضها لنظام الصوت الواحد، وضمنت الجماعة بذلك حضورا في المجلس التشريعي بالتوازي مع تركيز لافت على توسيع نطاق حضورها النقابي. ومنح الوضع الدقيق الذي يمر به الأردن، بفعل الأزمة الاقتصادية التي تعصف به والتحديات الإقليمية لاسيما في علاقة بصعود دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة وانحيازه الكامل لإسرائيل، أشبه ما يكون بهدنة بين الجماعة والدولة، وهو ما ترجم في لقاء عقده العاهل الأردني مع كتلة الإصلاح النيابية العام الماضي وتقديمه وعودا بالنظر في المطالب السياسية للجماعة، مع تحول في نبرة الحكومة التي حرصت على تجنب أي احتكاكات ومناكفات مع الحركة. نوازع الهيمنة التركية الهدنة لم تعمر طويلا، بفعل المتغيرات العاصفة التي تشهدها المنطقة في علاقة أساسا بنوازع الهيمنة التركية وتحول الجماعات الإسلامية يتصدرها التنظيم الدولي للإخوان وفروعه إلى أداة خطيرة في يد نظام رجب طيب أردوغان الذي نجح عبر تلك الجماعات في فرض نفوذه في عدد من الدول العربية لاسيما في سوريا وليبيا وتونس. وأثارت تلك النوازع التركية المسكونة بطموح إحياء الخلافة العثمانية في ثوب جديد مخاوف الدولة الأردنية التي تخشى من أن تجد نفسها في موقف ضعف حيال هذا الوضع، وهذا على ما يبدو ما فرض عليها القطع مع حالة التردد في التعاطي مع الإخوان، الذين سبق ووصفهم العاهل الأردني في تصريحات إعلامية في العام 2013 “بذئاب في ثوب حملان”. وتدرك عمان أن جماعة الإخوان ورغم الانشقاقات والانقسامات التي عصفت بها على مدار السنوات الماضية بيد أنها لا تزال تملك ثقلا سياسيا وشعبيا مخيفا يمكن أن تستغله للانقلاب على الحكم في ظل الدعم التركي الذي يمكن أن تحظى به. جماعة الإخوان تتحضر لمختلف السيناريوهات التي يمكن أن تواجهها في الفترة المقبلة من خلال إعادة ترتيب بيتها الداخلي في هذا الإطار تأتي الخطوات المتسارعة للدولة الأردنية لوضع حد للجماعة من خلال قرار حلها، وسحب ورقة النقابات من يدها عبر وقف نقابة المعلمين عن العمل السبت، وسط ترجيحات بإمكانية حظر الجماعة أسوة بعدة دول عربية. في المقابل لا يمكن التكهن برد فعل الجماعة، التي يبدو أنها تتحضر لمختلف السيناريوهات التي يمكن أن تواجهها في الفترة المقبلة من خلال إعادة ترتيب بيتها الداخلي عبر تجديد مجلس الشورى السبت انتخاب عبدالحميد الذنيبات مراقبا عاما بالتزكية لولاية ثانية تستمر 4 سنوات. واختيار المجلس الذي يشكل أعلى هيئة تشريعية ورقابية للجماعة، جميل أبوبكر رئيسا له، بالتزكية، ليتولى المنصب خلفا لحمزة منصور.

مشاركة :