تكهنت أغلب الأسر بأن يكون إقبال الأبناء على العالم الخارجي بعد انتهاء الحجر الصحي الذي فرض لأشهر طويلة بسبب جائحة كوفيد – 19 لا نظير له، إلا أن النتيجة جاءت عكسية حيث فوجئ الآباء والأمهات بتشبث أبنائهم بالبقاء في المنزل وعزوفهم عن الخروج منه. تونس – دق خبراء وأولياء أمور ناقوس الخطر من تأثير جائحة كورونا والإغلاق على الأطفال بعد تعودهم على البقاء في المنزل ورفضهم الخروج منه بعد انتهاء الحجر الصحي، منبهين إلى أن رفضهم إلى العودة إلى ممارساتهم الطبيعية يسبب لهم اضطرابات خطيرة. وقال محمد عبدالهادي أب لثلاثة أبناء أعمارهم 20 و18 و13 “كان الحجر المنزلي فترة استثنائية في حياة جميع أفراد العائلة وبعد التذمر في بداية الإغلاق والصعوبات التي واجهناها، بدأ أبنائي يتأقلمون شيئا فشيئا مع حياتهم الجديدة وقل تذمرهم وانساقوا وراء هواتفهم الذكية شيئا فشيئا بعد أن أصبح استخدامهم لها بلا حدود”. وتابع “ظننت أنه بمجرد انتهاء الحجر سوف يتغير هذا الوضع ويكف أبنائي عن تعلقهم بهواتفهم ويعودون إلى روتين حياتهم اليومي”. وأضاف فوجئت برفض أبنائي لجميع مغريات العالم الخارجي، كما أنهم باتوا يرفضون حتى الأنشطة الخارجية التي يحبونها مثل لعب كرة القدم مع أصدقائهم”. وأشار إلى أن ابنه الصغير الذي كان اللعب مع أقرانه لساعات طويلة في الخارج أهم أنشطته، لم يخرج من المنزل منذ بداية الحجر الصحي، مبينا أنه حين يعلق على هذا الأمر يرد متعجبا بأنه كان يلاقي ملاحظات كثيرة عندما كان يبقى خارج المنزل لوقت طويل قبل كورونا والآن عندما أصبح يفضل البقاء داخل المنزل أصبح الأمر يثير غضب أبويه. ولفت عبدالهادي إلى أنه أصبح يبحث عن حلول لتغيير سلوكيات أبنائه التي باتت تثير مخاوفه، فأصبح يحثهم على الخروج إلى الشارع ولقاء الأصدقاء، في محاولة منه لإعادتهم إلى روتين حياتهم المعتاد. وأكدت هالة بن حسين أم للطفلين أنها تشعر بالانزعاج والقلق بسبب تزايد ساعات استخدام ابنيها للإنترنت وعزوفهما عن التواصل مع أصدقائهما والمقربين منهما. ولاحظت أن ابنيها باتا يفضلان التباعد الاجتماعي الذي فرضه كوفيد – 19 وبات هذا الأمر لا يقلقهما بعدما تعودا عليه لأشهر طويلة، وبعدما وجدا في تطبيقات الإنترنت والألعاب الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي بديلا عن العودة إلى حياتهما الطبيعية. الآباء يشعرون بالقلق من نوم الأطفال لفترات طويلة، لأن إغراء الاستلقاء يكون قويا جدا عندما لا تكون هناك مدرسة وأشارت إلى أنها أصبحت تعيش في حالة من التوتر والخلافات المتواصلة معهما بسبب عدم رغبتهما في العودة إلى أسلوب حياتهما المعتاد ولجوئهما إلى السهر المفرط ليلا والنوم المطول في النهار، كما بينت أنها تواجه صعوبات كثيرة في إيجاد الحلول لهذه المشكلة التي باتت تؤرقها، خاصة مع اقتراب موعد العودة إلى المدارس. ومن جانبها أوضحت عيادة مليبوند المعنية بمشكلات النوم في لندن أنها شهدت زيادة بنسبة 30 في المئة في استفسارات الآباء بشأن سلوك نوم أطفالهم، الذين تتراوح أعمارهم بين خمسة أعوام و13 عاما، مقارنة بالفترة نفسها في 2018-2019. ووجدت العيادة أن هناك مشكلة شائعة، وهي أن الأطفال ينامون في وقت متأخر، وينامون أكثر عن ذي قبل. ولفتت ماندي جورني مؤسسة العيادة إلى أنه في الوقت الحالي تغص العيادة بالكثير من الزيارات الخاصة بالأطفال، مضيفة نشهد بالتأكيد ارتفاعا في عدد الزوار من الأطفال، الذين تراوح أعمارهم بين ستة وثمانية أعوام، والمصابين بقلق يؤثر في نومهم. وأكدت أن الآباء يشعرون بالقلق من بقاء الأطفال الأكبر سنا أو المراهقين في النوم لفترات طويلة، حيث إن إغراء الاستلقاء يكون قويا جدا عندما لا تكون هناك مدرسة يذهبون إليها. وقالت دراسة حديثة نشرت في مجلة “تشايلد سيكولوجي آند سايكاتري” المعنية بعلم نفس الطفل، إنه من المحتمل جدا ظهور مشكلات خاصة بالنوم أثناء الوباء وتفاقمها في ما بعد. ونبهت نائبة الرئيس التنفيذي لمؤسسة “سليب تشارتي”، ليزا أرتيس “جدولنا مزدحم للغاية، ونفحص الكثير من الأطفال الذين يجدون صعوبة في الذهاب إلى النوم في الوقت العادي، وينتظرون حتى وقت متأخر كي يتمكنوا من النوم، وأن ذلك لا يحدث فقط بسبب عدم وجود روتين منظم، بل أيضا بسبب القلق”. وتضيف أن الآباء يجدون صعوبة في ذلك أيضا، وأنهم يشعرون بقليل من الراحة، كما أن الأطفال أصبحوا غير قادرين على ممارسة الرياضة كما كانوا يفعلون عادة. وتقول أيضا “لقد كانت لدينا بعض الحالات المحزنة، حيث انفصل أفراد بعض العائلات عن بعضهم بسبب الضغط”. وبين أخصائيو علم الاجتماع أن تفشي فايروس كورونا كانت له تأثيرات كبيرة على سلوكيات الأفراد وخاصة الأطفال الذين وجدوا أنفسهم مجبرين على الابتعاد عن المدارس والأقران وواجهوا صعوبات في بادئ الأمر إلا أنهم تأقلموا مع هذه الظروف الاستثنائية، وكانت الهواتف الذكية البديل التي وجد الأطفال والآباء والأمهات فيها ضالتهم لملء وقت الفراغ، على الرغم من آثاره السلبية. وأضافوا أن الآباء كانوا يأملون في أنه بمجرد انتهاء فترة الإغلاق سوف يتخلى الأبناء عن الإنترنت ويقبلون على الفضاءات الخارجية، بسبب الضجر الذي عايشوه في هذه الفترة المليئة بالفراغ والتي فرضت على الجميع تغيير أسلوب حياتهم، إلا أن النتائج جاءت عكسية حيث أصبح الأبناء يفضلون عدم الالتحاق بالعالم الخارجي متشبثين بحياتهم الجديدة التي بنيت على النوم المطول والترفيه الافتراضي، مما أدى إلى استغنائهم عن الخروج من المنزل. ونبهت جورني إلى أن الآباء يجدون صعوبة في تثبيت مواعيد نوم الأطفال والمراهقين على حدّ سواء، حيث يجدون صعوبة في إقناعهم بضرورة الاستيقاظ مبكرا، في ظل غياب مواعيد الدراسة أو أي من النشاطات الصيفية المعتادة. وأطلق مسح بريطاني شمل 2700 شخص في أبريل الماضي، إنذارا مبكرا حول التأثير السلبي طويل الأمد لفايروس كورونا على نوم الأطفال، وعزز هذا المسح ورقة منشورة حديثا في مجلة علم نفس الطفل، توقعت احتمال ظهور مشاكل النوم أو تفاقمها أثناء الوباء. وتوصل إلى أن 70 في المئة من الأطفال تحت سن 16 سنة ينامون في وقت متأخر، إلا أنه في مقابل ذلك أيضا يستيقظ 57 في المئة منهم متأخرين، مضيفة أن الأطفال أصبحوا يعتمدون بشكل كبير على التكنولوجيا، حيث أفاد ما يقرب من 74 في المئة من الآباء بأن أبناءهم يستخدمون الأجهزة الإلكترونية لساعات طويلة. وكشف 76 في المئة من الآباء أن آثار هذه الجائحة أفقدتهم القدرة في الحفاظ على روتين محدد، وفرض القوانين وعلى بقائهم صبورين. وكشف أكثر من نصف الآباء الذين شملهم الاستطلاع عن إصابتهم باضطراب متوسط إلى شديد في قدرتهم على إدارة شؤون الأبناء بشكل مجد. وقال حوالي نصف الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و24 عاما في مسح أنجزه باحثون من جامعة كينجز كولج لندن ضم حوالي 2500 شخصا؛ للتحقق من كيفية تأثير تفشي الفايروس على نومهم، إنهم كانوا ينامون ساعات أقل مما كانوا عليه قبل حالة الإغلاق، كما أفاد ثلث الذين تتراوح أعمارهم بين 35 سنة وما فوق عن النتيجة نفسها، حيث تأخرت أوقات نومهم واستيقاظهم. ونصح مجلس النوم في بريطانيا، في محاولة لمساعدة الأهل على إعادة ضبط عقارب الساعة لأبنائهم بمحاولة الحفاظ على جدول نوم ثابت، ووضع حدّ لجميع الأجهزة الإلكترونية قبل ساعة من موعد النوم، ومحاولة الخروج في وضح النهار لمدة نصف ساعة على الأقل كل يوم؛ للمساعدة في إعادة ضبط ساعات جسم الأطفال، حتى في حالة الإغلاق. ولفت استشاري طب نوم الأطفال في عيادة أفيلينا بلندن، الدكتور مايكل فاركوهار إلى أنه كان لكورونا تأثير كبير في النوم، حيث يضطر المراهقون في الكثير من الأحيان إلى أن يتبعوا نمط نوم لا يتماشى مع نمطهم البيولوجي، ويميلون للاستيقاظ في وقت متأخر. وأوضح كان المجتمع والمدرسة يدفعانهم من قبل إلى نمط الاستيقاظ المبكر، لكن الإغلاق تسبب في زوال ذلك النمط.
مشاركة :