يا حيُّ يا قيوم.. ياذا الجلال والإكرام

  • 7/28/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

لك أن تتصور هذا الإنسان الواقف بين يدي ربِّه وقد أخذ يدعوه: يا حيُّ يا قيوم، ياذا الجلال والإكرام، وقد غمرت قلبه هذه المعاني الجليلة لهذين النداءين، فأي سكينة وطمأنينة ستحيط به؟ ثم أي قوة وتماسك سينهض به لتدبير حياته؟ ثم أي فأل واستبشار بتحقيق أمنياته؟ نعيش أيامًا فاضلة في أجواء تغمرها الألفة والمحبة في ظل راية وطن متماسك أساسه تقوى من الله ورضوان، وترعاه أيد أمينة بقيادة حكيمة من لدن خادم الحرمين الشريفين وسموِّ ولي عهده الأمين أيدهما الله. وفي ظل هذه الأجواء الإيمانية ونحن في وسَط أيام عشر ذي الحجة، ونستقبل يوم عرفة ويوم العيد وأيام التشريق، حري بنا أن نشحذ هممنا بالإيمان، فهو النعمة الكبرى التي امتنَّ الله تعالى بها على عباده، وهو كذلك أقوى سبب لمواجهة أحداث الحياة والوقوف أمامها بثبات وعزيمة يعقبها فرج وخير وعز بحول الله. إن الإنسان الذي لا تكون لديه هذه الهمة والعزيمة المنبعثة من الإيمان سيجد نفسه -يوماً- تتهاوى قواه أمام أحداث الحياة المتتابعة بل المترادفة، وليس الشأن في أحداث الحياة فقط، ولكن -أيضًا- في حاجاتها التي لا تنقضي، لا سيما في حياتنا العصرية التي كثرت متطلباتها، وافتقدنا البساطة التي كانت تعيشها المجتمعات الإنسانية إلى وقت قريب. هذا الصلتان العبدي -وهو شاعر متقدم عاصر جريرًا والفرزدق ولم يصل إلينا إلا القليل من شعره- يصف وصفًا دقيقًا حال الإنسان مع حاجاته التي تجيش بها نفسه: نروح ونغدو لحاجاتنا وحاجة من عاش لا تنقضي تموت مع المرء حاجاته وتبقى له حاجة ما بقي وآخر -وهو الفضل بن جعفر ويلقب بالبصير لأنه كان أعمى على عادة العرب في التفاؤل، من شعراء القرن الثالث الهجري- يوصي بدفع الحاجات ما اندفعت لأن الإنسان إذا انشغل بالتفكير بها فلن يعيش يومه، فيقول: تبلَّغوا وادفعوا الحاجات ما اندفعت ولا يكن همُّكم في يومكم لِغَدِ فرُبَّ مُلْتَمِسٍ ما ليس يُدْرِكُهُ وَمدْرِكٍ ما تمنى غير مجتهدِ هذان الشاعران يتحدثان عن الحاجات التي تشغل الإنسان وهما -إذ ذاك- في بيئة هادئة جدًا، وحاجاتها محدودة، فكيف لو أدركا هذه الحياة المعاصرة التي أصبح فيها إنسان العصر تشتبه عليه الحاجيات والكماليات، ولربما فرَّط في حاجي من أجل تحصيل كمالي وهذا واقع شاهدناه وربما وقعنا فيه. في ظل هذا المشهد ينبغي للإنسان أن يكون قويَّ الإيمان بربه، كثير اللهج بذكره، وأن يدعوَ ربَّه في صلواته وخلواته، وهنا أتوقف مع ندائين عظيمين إذا أكثر منهما هذا الإنسان المُعنَّى الذي وصفه الله تعالى بقوله: "لقد خلقنا الإنسان في كبد"، وبقوله: "يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربِّك كدحًا فملاقيه"، أقول: إذا أكثر هذا الإنسان من هذين الندائين وقلبُه ينبض بما اشتملا عليه من معنى؛ فإن لذلك أثره الكبير في إقامة أوده، وإصلاح شأنه، وشدِّ عزيمته، بل وسروره وفرحه واستبشاره: 1- النداء الأول: يا حي يا قيوم. وقد ورد في دعائه صلى الله عليه وسلم: "يا حيُّ يا قيوم برحمتك أستغيث" وذكر العلماء: أنه من أدعية الكرب لما تضمنه من التوحيد والاستغاثة برحمة أرحم الراحمين. وقد ورد هذان الاسمان الكريمان "الحي والقيوم" مجتمعين في آية الكرسي وفي أول سورة آل عمران، والذي يدعو بهما كأنه دعا بأسماء الله الحسنى كلها؛ لأن عليهما مدار هذه الأسماء. فاسم الله تعالى "الحي" يجمع صفات الذات كالسمع والبصر واليد والعلم، واسمه سبحانه "القيوم" يجمع صفات الأفعال كالخلق والرزق والإحياء والإماتة والإنعام. وأنت تدعو باسمه "الحي" استحضر أنك تدعو مَنْ له الحياة الكاملة التي لم يسبقها عدم، ولا يلحقها زوال، الذي لا تأخذه سِنَةٌ ولا نوم، ولا سهو ولا عجز ولا ضعف، وبه حياةُ كلِّ حيٍّ. وأنت تدعو باسمه "القيوم" استحضر أنه سبحانه وحده القائم بنفسه، فلا يحتاج إلى أحد لكمال قدرته وكمال غناه. وهو سبحانه -أيضًا-: الذي تقوم به جميع المخلوقات، فبدونه سبحانه لا يمكن أن يتمّ وجود ولا خلق ولا تدبير، فهو الذي أحاط بالجميع خلْقًا وعلمًا وتدبيرًا ورحمة. 2- أما النداء الثاني فهو: "ياذا الجلال والإكرام". في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: "ألظُّوا بياذا الجلال والإكرام" أي: أكثروا من قوله والتلفظ به في دعائكم. ولا شك أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإكثار من هذا النداء في الدعاء لما اشتمل عليه من معانٍ عظيمة لها تأثير في قلب الداعي إذا تفهمها، ومن ثم لها منزلة عند ربِّ العالمين والعبدُ يتوسل إلى ربِّه بها. فذو الجلال أي: ذو العظمة والكبرياء، فكل أوصاف العظمة والكبرياء راجعة إليه سبحانه من العزة والقوة والغنى والقدرة والإحاطة.. وذو الإكرام أي: ذو الرحمة والجود والإحسان العام والخاص. ولك أن تتصور هذا الإنسان الواقف بين يدي ربِّه وقد أخذ يدعوه: يا حيُّ يا قيوم، ياذا الجلال والإكرام، وقد غمرت قلبه هذه المعاني الجليلة لهذين النداءين، فأي سكينة وطمأنينة ستحيط به؟ ثم أي قوة وتماسك سينهض به لتدبير حياته؟ ثم أي فأل واستبشار بتحقيق أمنياته؟ في الحديث الصحيح عن أنس رضي الله عنه قال: كنت جالسًا مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد ورجل يصلي، فقال: اللهم إني أسألك بأنَّ لك الحمد لا إله إلا أنت، المنان بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حيُّ يا قيوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب وإذا سُئل به أعطى).

مشاركة :