الكتب البحرينية في العقود الأربعة الأولى من القرن العشرين بين الشحّ في الك

  • 7/29/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

على الرغم من الشحّ في العدد إلا أنه كان هناك تميّز في النوعية   شهدت البحرين ابان القرن العشرين بروز العديد من الأدباء والشعراء والمفكرين والنقاد والكتاب، أسهموا في إثراء الحركة الأدبية والثقافية في البلاد. وقد تباين نتاجهم الفكري وفقًا لتوجهاتهم ومشاربهم الفكرية والمعرفية، الأمر الذي أدى إلى إصدار كتب متنوعة غطت معظم الحقول المعرفية. وحري بالذكر أن العقود الأربعة الأولى من القرن العشرين امتازت بشح التأليف وبالتالي شح طباعة الكتب. فقد بلغ عدد عناوين الكتب التي صدرت طيلة الأعوام الأربعين الأولى من القرن العشرين عشرة عناوين فقط، كان نصيب دواوين الشعر فيها ستة عناوين. وعلى الرغم من الشح في العدد إلا أنه كان هناك تميز في النوعية وفق معطيات تلك الفترة. بدأت السنة الأولى من القرن العشرين بطباعة كتاب ديني عنوانه (عيون الحقائق الناظرة في تتمة الحدائق الناضرة) للشيخ حسين آل عصفور والذي طبع في عام 1900م. وطبع كتابه الثاني (سداد العباد ورشاد العبَّاد) في عام 1921م في إحدى مطابع بومبي (مومبي حاليًا)، وتم التركيز فيهما على الأمور الفقهية. بعد مضي سنتين على طباعة كتاب (السداد) طبع كتاب (مجاري الهداية) لرجل البحر المشهور آنذاك راشد بن فاضل البنعلي في عام 1923م بمطبعة البحرين بالمنامة. ويعد طبع هذا الكتاب أول محاولة من نوعها لمطبعة البحرين التي تم جلبها إلى البلاد عام 1913م. فقد تم طبع مائة نسخة منه فقط بالزنكغراف. وهذا يعني أن كتاب (مجاري الهداية) هو أول كتاب بحريني يطبع بمطبعة محلية. احتوى كتاب (مجاري الهداية) 32 صفحة من القطع المتوسطة، هدف من ورائه مؤلفه إلى وضع دليل بحري يتم الاستفادة منه من قبل ربابنة السفن الشراعية التي تجوب موانئ وجزر الخليج العربي. كان المغفور له بإذنه تعالى الملك عبدالعزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية من بين الأوائل الذين قرأوا الكتاب. وكتب رسالة إلى المؤلف في 20 من شهر رمضان 1341هـ يبدي فيها وجهة نظره حول الكتاب بقوله: «.. وحقًا أن الكتاب جاء في ابان الحاجة إليه، إذ لا أتذكر أن أحدًا سبقكم في طبع كتاب على شاكلته. وأما الذي ننتقده من هذا الكتاب فهو عدم إعطائه قسطه من متانة اللفظ العربي، ووجود بعض عبارات ركيكة فيه...». ولم يغفل الملك عبدالعزيز أهمية إعطاء الكتاب عنوانًا واضحًا بدلاً عن عنوانه الحالي: «وحسنًا لو عنونتم الكتاب بـ(الدليل البحري) بدلاً عن (مجاري الهداية)».  وصدر في نفس عام 1923م كتاب آخر بعنوان (مجموعة الهداية) من تأليف الأستاذ محمد بن عبدالله اليمني مدير مدرسة الهداية الخليفية حينذاك، وطبع الكتاب في بومبي بالهند على نفقة الشيخ عبدالله بن عيسى آل خليفة رئيس الإدارة الخيرية للتعليم التي تشرف على المدرسة. يتكون الكتاب من 38 صفحة، تناول القسم الأول منه قواعد اللغة العربية والإملاء وضبط القرآن الكريم. وتناول القسم الثاني قصائد منظومة سهلة الحفظ تتعلق بالفقه والعبادة، ما جعله أول كتاب دراسي مقرر على الطلاب يتم طبعه وتوزيعه على التلاميذ لأول مرة في تاريخ التعليم، وهي بادرة حرية بالذكر.  وشهد عقد الثلاثينات من القرن العشرين صدور ثلاثة دواوين شعر للشاعر الكبير إبراهيم العريض، أولها ديوان (الذكرى) الذي صدر في عام 1350هـ/‏‏1931م. ويعد هذا الكتاب أول كتاب من نوعه لمؤلف بحريني يطبع وينشر وفق قواعد الطبع والنشر الحديثة آنذاك. فقد طبع الديوان في مطبعة النجاح في بغداد، وضم 112 صفحة، وتم توزيعه في بغداد والقاهرة ودمشق وبيروت والبحرين. يبدأ الكتاب بكلمات إطراء من قبل مجموعة من أدباء وشعراء من الوطن العربي المعروفين آنذاك، من أمثال إبراهيم حلمي العمر، والأديب عبدالستار الفرغولي، والشاعر عمر يحيى، وعبدالرحمن البناء، وغيرهم.  كتب العريض الإهداء إلى حاكم البحرين وكان حينها الشيخ عيسى بن علي آل خليفة. جاء في جانب من الإهداء: «سيدي وجلالتك رمز البحرين وعنوان نهضتها، فمن أولى منك بإهداء هذه الذكريات الجميلة..». وضم الديوان خمسة أبواب، هي في الطبيعة ومظاهرها، في العاطفة ونواحيها، في الوصف وموحياته، في العلم والاجتماع وما له مساس بهما، وفي المتفرقات. وأصدر العريض في عام 1932م مسرحية شعرية بعنوان (وامعتصماه) طبعت بمطبعة مصطفى محمد صاحب المكتبة التجارية الكبرى في مصر. كما صدرت له مسرحية شعرية أخرى بعنوان (بين الدولتين) في عام 1934م. وكان العريض يصدر مثل هذه المسرحيات الشعرية لطلاب مدرسته الأهلية التي أسسها عام 1931م.  تميز عقد الأربعينات من القرن العشرين بإصدار ثلاثة دواوين شعر، بدأها الشاعر عبدالرحمن المعاودة بإصدار (ديوان المعاودة) في عام 1942م. ومن المعروف أن للمعاودة الكثير من القصائد التي نظمها في ثلاثينات وأربعينات القرن العشرين، إلا أنه لم يحتفظ بكل ما كان يكتبه أو يقوم بطبعه كما فعل العريض.  وعبّر المعاودة عن هذه الظاهرة لديه في مقدمة ديوانه الذي طبع على نفقة الشيخ حمد بن عبدالله بن إبراهيم آل خليفة قائلاً: «لقد رغب إليَّ هذا الأمير الشاب بجمع شتات قصائدي المبعثرة هنا وهناك ليتكون منها ديوان للطبع. ومع رغبتي الأكيدة في ذلك فإني توقفت في بادئ الأمر علمًا مني بصعوبة جمعها، ذلك لأني ما كنت أعتني بحفظ أصولها. ولا شك بأن كل شيء يكون ترتيبه تحت عنايتي فهو مبعثر لأن للملل والإهمال المحل الأرفع عندي».  ضم ديوان المعاودة مجموعة من القصائد جميعها تعد تحفة رائعة لعذوبة شعره؛ لأنه عنى عناية خاصة بالموسيقى الشعرية، ما أكسب شعره الجزالة والقوة والرصانة، وتناثر المحسنات البديعية في معظم قصائده. وصدر في أربعينات القرن العشرين للأستاذ إبراهيم العريض ديواني شعر، صدر الأول في عام 1946م بعنوان (العرائس) وهو عبارة عن مجموعة قصائد نظمها في سنوات مختلفة، مثلت تجربته في الشعر الغنائي. وفي عام 1948م أصدر ملحمته الشعرية الأولى في ديوانه (قبلتان) وهي قصة شعرية عن الأندلس. وقد نالت إعجاب الأدباء والنقاد في جميع أرجاء الوطن العربي، باعتبارها ظاهرة جديدة في أفق الأدب العربي. من هنا نجد أن سنوات الأربعينات تميزت ببزوغ فجر الشعر الغنائي والشعر القصصي على يدي الأستاذ إبراهيم العريض، وهو حدث تناقلته في حينه أقلام الأدباء والنقاد في الوطن العربي من مشرقه إلى مغربه.

مشاركة :