انطلقت أمس محاكمة مستشار الرئيس السوري بشار الأسد الوزير اللبناني الأسبق ميشال سماحة في مرحلتها الثانية، أمام محكمة التمييز العسكرية، في إجراءات مختلفة في الشكل والمضمون عن المحاكمة التي جرت أمام المحكمة العسكرية الدائمة، بدءًا بمثول سماحة في قفص الاتهام مرورًا وليس أمام قوس المحكمة، إلى تلاوة أوراق القضية بأدق الوقائع والحيثيات من القرار الاتهامي إلى التحقيقات الأولية، وصولاً إلى طرح الأسئلة وتدوينها ومراعاة الأصول القانونية التي توازي بين فريقي الدفاع والادعاء العام على حدّ سواء. فقد مثل سماحة أمس أمام محكمة التمييز العسكرية برئاسة القاضي طوني لطوف، ووضع في قفص الاتهام بحضور ممثل النيابة العامة التمييزية القاضي شربل أبو سمرا ووكلاء الدفاع عنه المحامين صخر الهاشم وطوني فرنجية ورنا عازوري. وبدأت إجراءات محاكمته في الاتهامات المسندة إليه وهي «قضية إدخال عبوات ناسفة من سوريا إلى لبنان، ومحاولة تفجيرها في تجمعات شعبية وموائد إفطارات رمضانية بهدف قتل سياسيين ورجال دين ومواطنين، وإثارة الفتنة الطائفية والمذهبية». وتأتي هذه المحكمة بعدما قبلت محكمة التمييز المذكرة التي قدّمها مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر، وطلب فيها إبطال الحكم المخفف الصادر عن المحكمة العسكرية الدائمة برئاسة العميد خليل إبراهيم بحق سماحة، والقاضي بسجنه أربع سنوات ونصف السنة. الجلسة استهلّت بتلاوة القرار الاتهامي الذي روى تفاصيل مخطط سماحة ورئيس مكتب الأمن القومي السوري اللواء علي مملوك ومدير مكتب مملوك العقيد عدنان، وكيف جرى وضع الخطة للتفجيرات والاغتيالات في منطقة عكار (شمال لبنان). وتحدث القرار عن ثلاثة لقاءات جمعت سماحة بالمخبر ميلاد كفوري، اﻷول في 21 يوليو (تموز) 2012، في منزل سماحة في منطقة اﻷشرفية في بيروت أطلع فيه اﻷخير كفوري على مخطط النظام السوري الرامي إلى تنفيذ تفجيرات في لبنان، وتحديدا في منطقة عكار وقتل سياسيين ورجال دين ومعارضين سوريين بهدف إثارة البلبلة، والسبب إحداث صدمة كبيرة ومنع تسلل المقاتلين من لبنان إلى سوريا وتخفيف الضغط عن النظام. بينما حصل اللقاء الثالث في اﻷول من أغسطس (آب) 2012 في منزل سماحة في بلدة الجوار (جبل لبنان)، جرى خلاله تحديد اﻷهداف المنوي ضربها، ورست على تفجير موائد إفطارات رمضانية في عكار وقتل سياسيين ورجال دين منهم النائب خالد ضاهر وشقيقه ومفتي عكار (السابق الشيخ أسامة الرفاعي) وضباط في الجيش السوري الحر ومواطنين، مع شرط إضافي، وهو تجنب قتل أي من أبناء الطائفة العلوية. أما اللقاء الثالث فعقد في منزل سماحة في اﻷشرفية في 7 أغسطس 2012، وخلاله سلّم سماحة المخبر كفوري 25 متفجرة كان أحضرها للتو بسيارته من دمشق، وتحديدًا من مكتب علي مملوك ومبلغ 170 ألف دولار أميركي لشراء سيارات مسروقة ودراجات نارية لتنفيذ التفجيرات عبرها، لكن بدل أن ينصرف كفوري إلى تنفيذ التفجيرات توجه إلى شعبة المعلومات في قوى اﻷمن الداخلي في اﻷشرفية وسلمها المتفجرات مع الأموال والتسجيلات التي تضمنت الأحاديث التي دارت بينه وبين سماحة، وعلى أثرها قامت قوة من شعبة المعلومات بمداهمة منزل سماحة في بلدة الجوار فجرًا والقبض عليه في سرير النوم، واقتادته إلى التحقيق. وتطرق القرار إلى الأحاديث التي دارت بين سماحة ومستشارة الأسد الوزيرة بثينة شعبان من جهة، وبين سماحة ومدير جهاز الأمن العام الأسبق اللواء المتقاعد جميل السيد أثناء عودتهما معًا بسيارة سماحة خلال رحلة نقل المتفجرات من دمشق إلى بيروت. واعتبر القرار أن الكلام تناول العموميات ولم يظهر من التحقيق ما يثبت أن شعبان والسيد كانا على علم بالمتفجرات، وهو ما أبقاهما خارج دائرة الاتهام. بعد القرار الاتهامي تليت محاضر التحقيقات الأولية التي حصلت على مدى أربع جلسات، وفيها يعترف سماحة بدوره في المخطط، ويسرد كيفية عقد لقاءات متعددة مع مملوك والعقيد عدنان، وكيف تسلم منهما المتفجرات والأموال ونقلها إلى بيروت. وهنا سألت المحكمة سماحة عما إذا كانت هذه الإفادات والاعترافات صادرة عنه وهو من أدلى بها. فأجاب: «نعم، لكني لا أؤيد مضمونها، ﻷنها بمعظمها غير صحيحة، وأخذت مني تحت ضغط المكان وإرهاب الكلام، وكان ذهني في منزلي وعند عائلتي وكيف حصلت مداهمتي في منزلي، وكنت خائفًا على زوجتي وبناتي». وقال سماحة: «أثناء التحقيق الأولي لم أكن صافي الذهن وغالبًا ما كان المحقق يطرح السؤال ويدون الجواب من عنده»، مضيفًا: «بعد ساعة من توقيفي وممارسة الضغط النفسي علي، طلبت مقابلة رئيس الشعبة اللواء الشهيد وسام الحسن، فقابلني وأمر بوقف ممارسة الضغط عليّ، وقد خفّ ذلك، لكنه لم يتوقف بشكل نهائي». وانطوت المرحلة الأخيرة من الجلسة الأولى على تلاوة قرار قبول نقض الحكم المطعون فيه والأسباب الموجبة لقبول النقض. وإثر الانتهاء من التلاوات تقرر تأجيل الجلسة إلى 17 سبتمبر (أيلول) المقبل، للمباشرة باستجواب سماحة ومواجهته بالأدلة والتسجيلات العائدة له.
مشاركة :