جاءت الجائحة دون تمهيد فلم نحصل على فرصة لفهم المتغيرات وتحليلها واكتشاف طرق فاعلة للتعامل معها، أصبح الوضع بسبب الحجر الصحي بيني كمختص في مجال الاعاقة وبين الأطفال الذين أعمل معهم أشبه بدوّامة تعج بالأسئلة والاحتمالات والمحاولات المتذبذبة! فقد اتجه العالم لدراسة التحديات التي تواجه عملية التعليم عن بعد وتأثير الظروف الطارئة على جودة العملية التعليمية والتدريبية واستفادة المتدرب منها وقدرة المختص على موائمة الظروف ومدى مشاركة الأسر في تحقيق غاية التعلم، وبقي الأفراد من ذوي الاعاقة وأسرهم والمختصين في المجال يواجهون هذه التحديات بصورة فعليّة وبصعوبة أكثر من غيرهم. نعلم كمختصين أن الغياب الجسدي عن العملية التعليمية للشخص من ذوي الاعاقة ينافي الفكرة الأساسية في تعليمه والتي ترتكز على استراتيجيات محددة، وأساليب عملية لتنظيم البيئة المحيطة، وبناء روتين ثابت، وتجهيز أدوات ووسائل تخدم الأهداف، والتعامل مع الصعوبات والمشكلات السلوكية والنمائية بفنيات علمية سلسة، وتطويع كل هذه النقاط بعد الحاجة الطارئة للعمل عن بعد يحتاج إلى خطة محكمة ومرنة تحصر الآثار. جاء مخيم "نمو com" كخطة محكمة ومرنة هدفها الشخص من ذوي الاعاقة والأسرة والمختص وكان قرار خوض تجربة التطوع هذه يهدف إلى البحث عن فرصة لتعزيز حق الشخص من ذوي الاعاقة في حصوله على تعليمه كاملاً ولمحاولة التعرف على أساليب فاعلة للوصول به إلى مستويات أعلى في تحقيق الأهداف تحت شتى الظروف والمواقف وإلى انتهاز فرص الأعمال التي تعود بالنفع على مستوى الخبرات الشخصية. بدأنا بتوقعات وآمال ومخاوف وانتهينا بتغيرات عملاقة وملموسة مع مرورنا خلال شهر كامل بمواقف ورسائل وتحديات تحولت إلى خبرة فريدة في مجال ترفيه وتعليم وتدريب الاشخاص من ذوي الاعاقة وأسرهم عن بعد. التجربة التنظيمية للمراحل المختلفة التي مر بها المخيم غنية، نشأ كبرنامج ترفيهي تعليمي افتراضي مجاني قائم على الاعتراف بالتقنية كأسلوب أساسي وعلى الإيمان بحق الشخص من ذوي الاعاقة في حصوله على ترفيه هادف وسعيد وعلى التطوع كجزء مهم لبناء مجتمع داعم واستمر باحترافية لاهتمامه باختيار المتطوعين وفق مستويات عالية الجودة لم يكن عددهم الكبير عقبة أمام هذه الأولوية، وضع المخيم منذ البداية رؤية ورسالة واضحة تعزز الوصول الشامل وأهمية الدمج فاستقبل جميع الأطفال المسجلين رغم العدد الهائل واختلاف الاعاقات وظروفهم المكانية وبدقة تم تنظيم الجداول وحصرهم ليكونوا ضمن أربعة فترات يومية تضم أربعة مجموعات مختلفة المستويات جميعها تحصل على أنشطة متنوعة ومترابطة ضمن قاعات مثل القاعة الحركية والاستقلالية واللغة والأعمال اليدوية والحكايات والموهبة. وتم تقييم مستوى التقدم تقنيًا وبمهنية. تحديات تعليم الطفل عن بعد تصبح أسهل بعد كل جلسة، تكوّنت روابط بين المختصين والأطفال ساعدت في توجيه واختيار الأهداف بشكل مقنن وسلس، الأسرة حاضرة بشكل فعلي من خلال تجهيز طفلها والأنشطة تحت توجيهات مختصين يعدون حقائب إرشادية منظمة ومتجددة يتم إرسالها اسبوعياً، من خلالها استطاع المخيم أن يعطي الأسر أساسات تدريب أطفالهم بطريقة علمية مبسطة ظهرت نتائجها خلال شهر، مع تقديم جلسات دعم أسرية دورية واستضافة لمختصين لإثراء الجانب النفسي والمعرفي عند الأسرة، نستقبل يوميًا عشرات الرسائل المحفوفة بالامتنان والدعوات والاستفسارات الذكية لاستغلال فرصة التعلم هذه! يتنافس المختصون في المخيم على طرق عرض جاذبة وتنويع الأفكار مع الحرص على تمرير الأهداف بطريقة مرنة من خلال صنع تحديات وشخصيات حقيقية وكرتونية مبتكرة تربط الطفل بالقاعة. يناقشون الجلسات يوميًا بدقة ومتعة ويتبادلون التوجيه والنقد ويختارون أسلوب التشجيع الملائم للمجموعات ولكل طفل أحيانًا وينتظرون "الخميس الونيس" ليحتفلون بإنجازات الأسبوع ويحصدون النجوم ويقدمونها للأطفال وللأمهات أيضًا! يضيفون لأنفسهم تجربة تعلم جديدة مع كل تحدي جديد كتعلم لغة الاشارة مثلاً أو اكتساب عادات صحية كالمشي يومياً وغيرها... المخيم صَنَع من متطوعيه قادة وقدّم لهم بيئة محفزة للعطاء والتقدم. وبشكل شخصي أستطيع أن أصف التجربة الشعورية في المخيم بالغزيرة، عشت قلق البداية وحماس الاستعداد ومسؤولية قيادة قاعة وتكوين فريق والامتنان للتوجيهات ودعم الأعضاء واحتواء الإدارة وارتباك الجلسات وحزن الوداع والفرحة بـ"أحبك" عفوية ومفاجئة من أحد الأطفال. فرصة التطوع في مخيم "نمو com" تحت قيادة داعمة ومحبة ومبادرة والالتقاء بمجموعة متجانسة من المختصين الرائعين باختلاف تخصصاتهم مع اتاحة المجال للتواصل المهني مع الأطفال وأسرهم كانت فرصة ذهبية سعدت بحصولي عليها.
مشاركة :