بيروت شاهدة على قلبي! - حسن المصطفى

  • 7/17/2015
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

عند الساعة 9 مساء كان موعدنا، نتحلق حول أقداح الشاي وفناجين القهوة الطرية، حتى الساعة 12 ليلاً، هناك، حيث كان يجلس رفيق الحريري، في وسط بيروت التجاري.. ساحة النجمة، أمام مبنى البرلمان اللبناني، الذي شهد صراعات لم ولن تنقضي، وقبالة ساعة "العبد" التي تنتصب في الوسط، شاهدة على جميع من مرّ قربها من الحسناوات، والشعراء، والمثقفين، والسياسيين، وحتى القتلة!. مقهى Etoile كان مجلسنا، حيث كنا نجتمع. خمسة كانوا هم العقد الفريد، وكان درة التاج فيهم "أبو عبدالله"، وكنا: تركي السديري، راشد الراشد، مطر الأحمدي، عبد الهادي الشافي، وأنا. كانت الطاولة الخشبية هي محطتنا التي نستريح عليها، في ليالي بيروت الجميلة، بين عامي 2004 و2005، قبل أن يخطف القتلة الرئيس الحريري، وينقطع معه حبل جلستنا الذي كان مطرزاً بكثير من النقاش والضحكات والقصص التاريخية المثيرة. كان الكثيرون يمرون على تلك الطاولة، وكان أبو عبدالله يتجلى فيها بأحاديثه عن تجارب عاشها، ومواقف سياسية واجتماعية يدلي برأيه فيها دون تردد أو تخوف، ودون أن يضع خطوطاً حمراء، كان يصنعها الصغار بأوهامهم البليدة. بيروت كانت فسحة نسرد فيها الحكايا، وتنهال فيها الأفكار، وتتعرف فيها الأرواح على بعضها البعض دون عقد أو شكليات أو ضوابط صارمة لا معنى لها. بُعيد ثلاث ساعات من الحديث الممتع، كنا نقوم سوية، ونبدأ في المشي لنحو ساعة أو أقل. أو كما كان يردد أبو عبدالله "نطلق أعصابنا".. وفيما أرجلنا تسابق الريح، كان الحديث يستمر رقراقاً عذباً، تحت سماء بيروت الصافية. منذ أن وقع تفجير موكب الحريري في "عين المريسة"، انقطع تركي السديري عن المجيء إلى بيروت، وبعدها بفترة أغلق مكتب صحيفة "الرياض" في الأشرفية، وعاد العزيز أبو غسان إلى المملكة، عودة من ترك قلبه هناك. لم أنقطع عن بيروت حتى بعد سلسلة التفجيرات والاغتيالات التي طالتها. ولكن وجه المدينة بدأ يشيخ، فيما عشاقها راحوا يهجرونها بعد أن وجدوا الدم يتناثر في زواياها. "الداون تاون" الذي كان مليئاً بالسياح والحالمين، صار مقفراً. فيما شارع الحمرا، لم يبقَ فيه سوى الساكنة وأهل المدينة، ونزرٌ يسير من الزوار. أذكرُ جيداً حينها كتبت مقالاً، كان عنوانه "لم يبقَ في بيروت إلا أنا والمرضى". فالشارع الذي كان محجاً للزوار، لم أجد فيه سعودياً واحداً، خلا عائلة أتت للعلاج، لا التفسح!. كانت مكرهة على البقاء، لا محبة له. لبيروت سحرها، خصوصاً في مواسم الأعياد، وأتذكر في السنوات الخوالي، وقبل أن أستقر في بيروت، كنت أقضي نصف رمضان في السعودية، ونصفه الآخر هناك، بين سفح وجبل وبحر. "بيروت خيمتنا".. هي تلك الفاتنة التي سرد عشقها وآلامها الراحل محمود درويش، في نصه الخالد "مديح الظل العالي".. هي ذي "بيروت من تعب ومن ذهب، وأندلس وشام".

مشاركة :